وفيها نبحث هل لمَّح يسوع المسيح في أي مرحلة من مراحل حياته بادعاء الألوهية، وهل فهم الناس من حوله ذلك؟
〗الشاهد الكتابي〖
》 ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ». وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ》
﹝إنجيل لوقا 7/ 14-17﹞
】التحليل النصي ⁝ شهادة الشهود【
يزعم المسيحيون بما أن عملية إفاقة الميتين هي من مقتضيات الألوهية، فإن يسوع المسيح بذلك يكون إلهًا، ولكن هذه الفرية في الحقيقة هي بدعة ابتدعها المسيحيين من بعد المسيح، ولم يكن في عصر المسيح من يؤمن بها على الإطلاق، فهذا النص الذي بين أيدينا الآن يثبت ذلك بوضوح لمن يفهم.
فعلى الرغم من أن يسوع تقدم وأفاق الميت بلمسة يد وبعض الكلمات، إلا أن أحدًا من الذين رأوا ذلك بأم أعينهم لم يزعم أنه إله بناء على هذا الفعل الإعجازي العجيب تمامًا، بل قالوا بصراحة ووضوح، عارفين حدودهم، فهم يعرفون مقام الله الحقيقي جيدًا، قالوا: "لقَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ"، وشاع ذلك القول ─أن يسوع نبي عظيم أتى من قِبَل الله─ في كل المجتمع حينذاك.
】بحث الحالة ⁝ وقائع متعددة【
ولكن بعد مرور عصر النقاء العقيدي، أثناء وجود المسيح بين قومه، وبعد فترة قليلة من بقاء تلاميذه الصالحين، حتى رحيلهم.. ظهرت البدع التخريفية على خلاف العقيدة النقية، فحمّلوا المسيح أحوالًا لم يكن عليها، بل لم يكن يرضى لها أن تشيع أصلًا، حتى وهو مُعلن بينهم كنبي، ذلك كي لا يفتتن الناس به لما وهبه الله من كرامات. فكان دائم الحرص على إخفاء كثير من كراماته عن العوام، حتى لا يصيبهم التأثر بها فيقعوا في آفة الشرك.. فنبَّهَ في حالة كرامة إشفاء المرضى قائلًا: {انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ}، وأمر تلاميذه بالتكتم على كرامة انجلاء التجلي الإلهي لهم فقال: {لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ}، وأمر المستبرئ من العمى بعد كرامة شفاءه {لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ} ... لقد كان ذلك هو كل ديدن المسيح، الحرص على القوم من أن يفتتنوا بالكرامات التي وهبه الله إياها. ولو أنهم (المعاصرين له) في الواقع كانوا أتقى وأعقل كثيرًا من المسيحيين المتأخرين، فلم يصل حتى خيالهم الخصب والأقصى إلى أكثر من اعتباره "نَبِيٌّ عَظِيمٌ" فحسب حين سرت كرامة إفاقته لميت بينهم وفي جميع المملكة، وهم الذين شاهدوا وعاينوا وعايشوا واختبروا وعاصروا..
】التهمة: بدعة التأليه【
أما بعدما مات المسيح، وكذلك لحق به التلاميذ الكرام واحدًا تلوا الآخر، ظهرت البدعة الكبرى، ممن لم يعاصروه، فلم يختبروا ولم يعايشوا... وكيف ذلك وهم لم يعاينوا شيء أصلًا ولم يشاهدوا أي شيء؟؟! لقد ظهرت بدعة تأليه هذا الشخص الذي لم يدّعي يومًا ألوهية لنفسه! ظهرت فقط بناء على أمرين باطلين، أولهما مخالفة النص الكتابي بصراحة كما اتضح، والثاني هو التأويل الخاطئ لبعض كلمات المسيح عن صلته بالله وعلاقته به.. وكل هذا عن شهود مشافوش حاجة!
فلم يُسمع أي من معاصري المسيح ولا كلمة تدعو إلى هذا الافتراء عليه، ولكن نجد التفاسير المسيحية التخريفية تعج بهذا الافتراء بل وتقدسه تقديسًا.
】دفاع المُدّعىَ عليه【
وبعد كل هذا الافتراء على المسيح من المسيحيين المتأخرين، والتعدي منهم على مقام الوحدانية لله عز وجل، والذي كان مميزًا بوضوح في الإنجيل، حيث قيل: (فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ) ↯ (قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ») يعني لقد خشي المشاهدين من عظمة الله بمعاينة هذه الكرامة، فسبحوه ومجدوه، وشكروه على أن أقام في وسطهم نبي من لدنه ووهبه هذه الكرامة.. ولكن للأسف، نبذ المسيحيين المتأخرين بتجاسر عظيم وذميم كل ذلك، وتعدوا على مقام الألوهية بصلف..
ولكن حين يُقام مشهد الفصل السماوي، ويجلس الله الديان يدين ويجازي ويسأل الشخص الملصق به تلك التهمة التي ابتدعها المسيحيين فيقول:
─ «يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟«
─ فيرد المسيح بوضوح ممجدًا ومسبحًا الله ومستبرئًا من هذه الفرية ويقول: «سُبْحَانَكَ [يا رب] مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ» وهذا الجواب فيه جانبين، جانب تنزيه الله من هذه الفكرة أصلًا أي أن يكون هناك آلهة سواه أصلًا، وجانب تبرئة نفسه تمامًا من احتمال قول مثل هذا الكلام الشنيع.
─ وعقَّب أيضًا فقال مؤكدًا على براءته: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» وهذا التأكيد أيضًا فيه وجهين، الأول دال على أن حتى المدون عن المسيح نفسه في الأناجيل يخلو من ذلك "إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ" ولكن حتى التدوين عنه لا يوجد! والوجه الثاني أنه يشير إلى الكلمات التي اعتبرها المسيحيون بعد ذلك تعبيرًا عن الألوهية وقد نطق بها المسيح وهي مدونة، ولكن المسيح يقر بأنها إنما تعبر عن عبودية تامة لله "تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي" أي تعلم حقيقة قولي.
─ ثم يسترسل المسيح في إعلان براءته وسَوق حججه عليها أمام الله الديان قائلًا: «مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ» وبالفعل فقد ورد عنه في الإنجيل: "الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ"، "إِلهِي وَإِلهِكُمْ"!
─ ويزيد من حججه لإقرار براءته فيقدم الحجة العملية فيقول: «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ» يعني أنه لما كان في وسطهم كان يحيط علمًا بقولهم وعملهم، وعلى التقريب فكل ما هو مدون عنه والموجود حتى الآن يثبت ذلك، ولكن «فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» أي أنه لما مات انقطعت قدرته في رقابته عليهم، وأصبح الرقيب الوحيد على أقوالهم وأعمالهم هو الله عز وجل فهو يعلم ما كان منهم أثناء وجوده حيًا، وهو يعلم ما أمسوا عليه بعد مماته.
─ ثم أخيرًا، يلقي عليهم المسيح كامل الذنب الناتج عن هذا الادعاء والافتراء الكاذب الذي ألصقوه به، وبالتالي فهم المخولون بالعذاب، فيقول هم الذين قالوا، ولست أنا «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ» يعني أدبهم يا ربي كيفما شئت، ولكنه أيضًا يستحث غفران الله فيهم، على اعتبار أن الله عز وجل لن يضره ادعائهم السخيف هذا شيئًا فيقول: «وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق