الثلاثاء، 17 مارس 2020

هل تفرد السيد المسيح بأنه «كلمة الله»؟


يُسمي الإخوة المسيحيون السيد المسيح أنه "كلمة الله" ويبنون على ذلك اعتقاد أنه إله لأن الكلمة هي تعبير عن الذات، وابن الله، لأنه كما يُقال أن الكلمة بنت الشفة، وهي من بنات الفكر والعقل.. ولقد لمّحنا بالإشارة في موضوع سابق(1) إلى أن بنوة البشر لله تعالى إنما هي مجازية في الحقيقة، ولم يتفرد بها السيد المسيح الناصري أبدًا بل كل مختاري الله وأصفياءه قبل المسيح أيضًا قد نالوا هذا الشرف وأكثر.
ولكن ماذا عن "الكلمة"، هل كان السيد المسيح كلمة الله الوحيد؟ هذا ما سنبينه الآن في الأسطر التالية:
• وصف المسيح لنفسه
لقد تمحور هذا الاعتقاد المسيحي بأن المسيح هو الكلمة "المتفرد" انطلاقًا من الفهم المغلوط لمطلع إنجيل يوحنا 1/ 2-3 والذي سَنُجَلّي حقيقته هنا بإذن الله أيضًا.
أما عن المسيح وما وصف به نفسه فما زاد عن قوله: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» يو 14/ 6 يعني ما هو إلا أنه [أولًا] الوسيلة الموصلة إلى الله، وأنه [ثانيًا] مُحقًا في دعواه، وأن [ثالثًا] اتِّباعه ذي جدوى ومبشر بالنجاة والفوز، وهذا كما لا يخفى هو كذلك وصف أي نبي من أنبياء الله.
• في أسفار العهد القديم
بينما وردت ألفاظ «كلَّم الله» أو «كلّمة الرب» في الكتاب المقدس بعهده القديم حول معنى وحيد وحصري وهو أن الله يأمر أو يوجّه أو يقرر فقط لا غير، ويكون ذلك (بواسطة الوحي) مع من يكلمهم. فكلمة الله في تلك الحالة إذن ليست متعلقة بشخص بعينه، بل شملت كل مختاري الله وأصفياءه الذين عينهم لخلاص الناس، بل وتعدتهم أيضًا إلى أن تُعبر عن تجسيد إرادة الله في الأرض(2) ونفاذها، سواء كانت هذه الإرادة الإلهية هي عبارة عن توجيه إلهي حول مسائل العبادة أو طقوسها أو الحياة العامة، أو كانت قرارًا إلهيًا بمعاقبة قوم أو شخص ما جراء جرم افتعله أو تجاوز اجترمه، أو تكون أمر إلهي بمجازاة ومكافأة شخص أو جماعة... إلخ
= وأثباتًا لهذا الكلام، يقدم الله في سفر إشعياء هذا الإيضاح الجلي فيقول: «لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لانه كما علت السماوات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم. لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت وتعطي زرعا للزارع وخبزا للآكل، هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له» إش 55/ 8-12. بمعنى أن كلمة الله هي قراره ومشيئته النافذة حتمًا.
أما عن المسيح فهو نتاج كلمة الله كغيره من الأوامر والتوجيهات والقرارات الإلهية، وهو لم يكن قبل أن يولد شيء، إلا في علم الله الأزلي، بل كما بينّا كانت الكلمة ─كلمة الله─ (أي القرار والأمر والتوجيه الإلهي) من قبل تتجسد في مظاهر عديدة أخرى، فخلق السماوات والأرض كلمة من الله، وخلق الإنسان وآدم كذلك كلمة من الله، والطوفان كلمة من الله، وخروج بني إسرائيل من مصر أيضًا كلمة من الله، ودخولهم الأرض المقدسة كلمة من الله، وتدمير الهيكل كلمة من الله... إلخ، وكذلك المسيح كلمة من الله أيضًا مثل ما سبق، كعادة الله الدائمة. فكلمة الله لم تكن حصرًا للمسيح، وإلا فباطل هو الناموس إذن، إذا قصرنا كلمة الله على المسيح وحده.
• الكلمة في العهد الجديد (الأناجيل)
لم يختلف مفهوم ومعنى (الكلمة الإلهية) في الأناجيل الأربعة ─وذلك في كل موضع─ عما كان متعارفًا عليه في كتب العهد القديم؛ أي أنها قرارًا أو أمرًا أو توجيهًا إلهيًا، تمامًا مثلما كان معهودًا. وبنفس هذه المعاني ذاتها، أتت أيضًا لفظة «الكلمة» في صدر إنجيل يوحنا حين قال: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» والمعنى الذي ينبغي أن يُفهم منها ─بناء على منهج الاستنباط الصحيح(3)─ هو التالي: (في بداية الأمر كان "قرار الله"(4)، ولأن الله هو الأزلي الأوحد، فالقرار لم يكن بيد أحد، إنما كان بيد الله "عند الله"، فكان القرار إلهيًا محضًا ─لإبعاد أي شبهة نزاع أو صراع قوى(5) أو بأن الكون أوجد نفسه تلقائيًا ويعمل ديناميكيًا─ فهذه هي بداية قصة الخلق؛ القرار الإلهي أنتج كل شيء، وبغير هذا القرار لم يكن أي شيء مما نرى).

هذا هو التوجه المنطقي، فليس طبيعيًا أبدًا أن تأخذ اللفظة الواحدة معنى عام واحد في متن الكتاب المقدس كله، من أول سفر التكوين ومحتوياته وحتى نهاية إنجيل لوقا بأحداثه، ثم وبدون أي مقدمات أو معطيات سابقة مؤهِلة ينقلب المعنى المعهود إلى آخر غريب وغير مألوف! وليس ذلك فحسب، بل وبعد هذه الفقرة (أي صدر إنجيل يوحنا) التي أخذ المسيحيون تفسيرها بشكل قسري مغاير على غير المألوف في السابق، أتى بعد ذلك استعمالها أيضًا في نفس السفر (أي إنجيل يوحنا) بالمعنى والتوجه الطبيعي السابق، وغير هذا الذي اعتُمد قسرًا في تفسير فقرة صدر الإنجيل ليوحنا! وكذلك عاد الاستعمال الطبيعي لها في باق متن العهد الجديد كما سنرى.
• في العهد الجديد (أعمال الرسل والرسائل)
أخذ مصطلح "الكلمة" و"كلمة الرب" و"كلمة الله" في مرحلة ما بعد الأناجيل منحى آخر شبه مغاير لما كانت عليه في السابق، ولكنه غير مختلف، فصارت تحمل معنى (الدعوة إلى الله بالأسلوب الصحيح الذي أرساه المسيح) أي (دعوة المسيح) أو (رسالة المسيح)(6) وهذا يعني أيضًا أن معنى الكلمة ذهب إلى العمل المراد إنفاذه أي إنفاذ إرادة الله في القوم، أي الرسالة والخدمة والدعوة. ولم يُعنىَ بها أنها موجهة للتعريف بالشخص أي المسيح بعينه.
• في سفر الرؤيا
وكذلك لم يختلف معنى لفظ "كلمة الله" في سفر الرؤيا عنه في سائر الرسائل أو حتى في الأناجيل، بل أتت وكأنها قاسم مشترك بينهما؛ وبذلك يعود المعنى في العهد الجديد إلى ما كان متعارف عليه في العهد القديم حول مفهوم ومعنى هذا اللفظ. بل وقد ميز القديس يوحنا اللاهوتي (صاحب سفر الرؤيا) بين كلمة الله ودعوة يسوع المسيح في أكثر من موضع في تدوين سفر الرؤيا ولم يعتبرهما أبدًا أمرًا واحدًا! إلا في موضع واحد فقط هو رؤ 19/ 13 حيث يذكر الكاتب: «وَيُدْعَى اسْمُهُ "كَلِمَةَ اللهِ"» والذي بقراءته يتضح منه أن ليس المسيح هو المقصود فيه، بل بتتبع بسيط لسياق النص نجد أن المقصود بهذا الاسم "كلمة الله" هو النبي محمد ﷺ لا لشيء إلا لانطباق مواصفات النص عليه جدًا، أكثر من حضرة المسيح الناصري(7).
• بيان القرآن الكريم
أما في القرآن الكريم، فقد وردت لفظة "كلمة الله" بمعنى واحد ووحيد هو قرار الله وإرادته أيضًا، كما في سورة التوبة الآية 40 والجدير بالذكر أنها كانت في سياق الحديث عن رسول الله محمد ﷺ وكيف نصره الله أثناء هجرته. فهو ﷺ بحسب هذه الآية الكريمة يكون "كلمة الله العليا".
أما عن المسيح عليه السلام فقد وصفه الله بأنه (كلمة منه) كما في سورة آل عمران 46 وقُصد بها قرار وأمر من الله. ولكن لم يتفرد حضرته عليه السلام بذلك إذ قد عُرف يوحنا المعمدان كذلك أي "النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام" بأنه "كلمة من الله" أيضًا كما في آل عمران 40
أما آية سورة النساء فقد ورد {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (النساء: 172) فإن المعنى البسيط والتلقائي الذي يتبين منها هو (إنما [وهو حرف يفيد الحصر ويدل على التوكيد] المسيح ابن مريم رسول الله وَكَلِمَتُهُ =[إرادته، وتوجيهاته، وقراراته، وأوامره] أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ  ─بوحي منه─ وَرُوحٌ مِنْهُ [رحمة من الله] فآمنوا بالله ورسله =[الذين يحملون على عاتقهم هذه التوجيهات والقرارات والأوامر وينفذونها]).
فعلى الرغم من وصف الله له عليه السلام برسول الله، إلا أنه الله لم يكتف في هذه الآية بتوجيه المؤمنين فيها بأن يقول لهم: (فآمنوا بالله ورسوله) لكي يُفهم بأن الإيمان يجب أن يرجع وينتهي عند المسيح ابن مريم الناصري، بل قال: «فآمنوا بالله ورسله» ليُفهم بأن المسيح رسول كبقية الرسل من قبله ويأتي من بعده رسل أيضًا وعلى الناس أن يؤمنوا بهم جميعًا بحسب هذا الأمر

الحواشي
───────
(2). [أمثلة] ككلمة الله في أمر زواج إسحق برفقة تك 24/ 51، وكلمته تعالى في توجيه موسى وهرون لتعيين شهر رأس السنة خر 12/ 1، وكلمته لموسى ليوجه هرون حول كيفية الدخول في محضر الله لا 16/ 1، وككلمة الله وقراره في بني إسرائيل أن يبقوا في البرية ولن يدخلوا الأرض الموعودة عد 14/ 26- 30، وككلمته تعالى لتحديد وصاياه للشعب وأمره لهم بالأخذ بها وتنفيذها تث 6، وككلمته التوجيهية ليشوع بالصعود من الأردن يش 4/ 15-17، وككلمته تعالى وقراره بمعاقبة من عبدوا البعل من بني إسرائيل وإرسال مخلصين للشعب قض 2/ 15، وككلمته التوجيهية لصموئيل كي يذبح للرب، وقرار الله باختيار داوود ملكًا 1صم 16/ 5-12، وككلمة الله لداوود وقراره بأن يكون ابنه سليمان هو مؤسس مملكة الله، وكلمته تعالى وقراره بإهلاك إيزابل زوجة آخاب الملك بأن تأكلها الكلاب 1مل 21/ 23، وكقرار الله وكلمته العامة للأنبياء بمعاقبة أورشليم ويهوذا أشد العقاب لاتخاذهم الأصنام 2مل 21/ 12، وككلمة الله لجاد النبي وقراره بإنزال عقاب على الشعب 1أخ 21/ 9-15، وكمكالمة الله الطويلة مع أيوب بين لوم وعتاب في سفر أيوب، وكلمته الغاضبة نحو أصدقاءه وتوجيههم بتقديم كفارة من خلال أيوب أي 42/ 7-8، وكإعلان أن بقرار الرب صُنعت السماوات وتكونت فيها مقوماتها مز 33/ 6، وكقراره بإصدار كلمته ضد موآب لإبادتهم في خلال ثلاث سنوات إش 16/ 13، وكلمته التوجيهية لإرميا بكتابة ما يمليه عليه الرب وقراره برد مجد إسرائيل إر 30/ 1-3، وكما ألقى الله كلمته على هوشع النبي بجميع ما فيها من توجيهات وقرارات وأوامر.
(3). الاستنباط: أي استخلاص المعلومة الخاصة من المعلومات العامة. والمعلومة الخاصة المراد توضيح معناها الآن هي معنى "الكلمة" في إنجيل يوحنا، أما المعلومات العامة التي سنَستنبِط منها المعنى المراد فهي في عموم متن الكتاب المقدس.
(4). بمقابلة هذا الجزء من الآية «في البدء كان الكلمة» مع تك 1/ 1 يتبين أن البدء المقصود فيها هو بدء الخليقة وليس الوجود الإلهي فالله موجود أزلي بلا بداية. فالكلمة هنا هي القرار الإلهي لبدء الخلق (في البدء خلق الله بكلمة، قرار الخلق). كما يؤكد هذا المعنى ما ذهب إليه بولس في رسالته عب 1/ 10 «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك».
(5). كان معظم شعوب الشرق الأدنى القديم، يتداولون أساطير ترتبط بكيفية تكوين العالم. وكان من أبرز تلك الأساطير تلك القصص التي حكت كيف أن أحد الآلهة انتصر على وحش شرس وقوي، يرمز إلى الفوضى، وبعد ذلك قام هذا الإله بتنظيم العالم بالطريقة المرتبة التي يعرفها الناس. وفي النهاية أعلن بقية الآلهة أنه الملك الإلهي المسيطر على العالم الذي خلقه، وتلك مكانة ظلت دائماً محل تحدٍ من قِبَل قوى الفوضى. وفي مقابل كل هذه الأساطير الوثنية، فهذه عقيدة لاهوتية مختلفة اختلافاً جذرياً عن قصة الخلق في الاساطير، وهي أن الإله الحقيقي الواحد والوحيد لم يكن مضطراً إلى قهر قوى كونية رهيبة تمثل الفوضى ولكنه ببساطة أصدر أوامر ملكية أخرجت إلى الوجود هذا العالم المرتب، وهو الملكوت المنظور الذي ما زالت هذه الأوامر تحافظ على بقائه وترتيبه. [الكتاب المقدس الدراسي "التفسير"]
(6). ودليل ذلك أن في ترجمات كثيرة أخرى "معتمدة" للكتاب المقدس وردت بلفظ الجمع "كلام الرب" ودعوة الرب".
(7). فقد عُرف في الآثار المختلفة بأنه الصادق الأمين، وأنه حكم وحارب بالعدل وباسمه خضعت تيجان الامبراطوريات العظمى فارس والروم... في حين لم يتمتع لا المسيح ولا أتباعه الأوائل بهذه المواصفات.

الخميس، 5 مارس 2020

هدف خلْق المرأة في مسيحية الكتاب المقدس



قدّمت صفحة الخدمة العربية للكرازة بالإنجيل سؤال من الأهمية بمكان إثارته فقالت: "هل خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل؟"

وننبه هنا أن الموضوع المُثار لا يدور حول كيفية التعامل مع المرأة في شريعة ما، بل وتقيُدًا بأصل كلمات السؤال المطروح: لماذا "خُقلت" المرأة؟ تقدمت بدوري مُجيبًا فقلت: بحسب الكتاب المقدس، نعم؛ خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل.

الشاهد الكتابي مع التعليق

لقد طُرح هذا السؤال ولم يدُر في ذهن طارحيه تصور الذهاب بعيدًا إلى بدء الخليقة لبناء الجواب على أساس وداعم قوي.

فأولًا ذُكر في سفر التكوين ما يلي «وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ". وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ"»[1]

فمن هذه الآية نستخلص بوضوح ما يلي:

1. الجنة الأولى كانت لآدم وحده قبل خلق حواء. «وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها»

2. الوصايا الأولى كانت لآدم وحده قبل خلق حواء. «وأوصى الرب الإله آدم قائلا: "من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت»

• بعد هذا كله أخيرًا تذكر الرب حاجيات آدم ورغباته، وهنا خلق المرأة، فقال: «ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينا نظيره»

المشكلة بعد كل ذلك أن آدم لما أخطأ وتعدى الوصية عاقب الرب الإله حواء التي لم توصى أصلًا!

التطبيق الفعلي (التراث المسيحي)

ثانيًا ورد في رسالة أفسس ما يلي: «لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ»[2]

وفي تعليق تراثي هام على هذه الجزئية ورد في تعاليم الرسل المعروف بـــ "الدسقولية" وهو يأخذ بما ورد في سفر التكوين الذي ذكرناه سلفًا على محمل التطبيق والأهمية في الأوساط المسيحية فقال شارحًا ما تعريبه: «لأنه لا يجوز للنساء أن يُعمِّدن»

(1) أما لأجل أن النساء يُعمِّدن فنحن نخبركم أن شدة عظيمة تصيب الذين يصنعون هذا. ولا نشير على النساء بأن يصنعن هذا لأنه مخالفة للناموس مملوءة نفاقًا.

(2) إن كان "رأس المرأة هو الرجل"، وهو الذي دُعي للكهنوت، فلا يليق أن يُرفض نظام الخلقة. لأنّا إذا تركنا الرأس طلبنا العضو الأخير من الجسد. لأن المرأة هي من جسد الرجل من جنبه، وهي تحت طاعة الذي أَخذت منه لأجل ولادة البنين، لأنه قال إنه "يصير ربًا عليها" وبدء المرأة هو الرجل لأجل أنه الرأس.

(3) فإن كنا فيما قلناه أولًا إنه لا يليق لهن أن يُعلّمن، كيف بالحري يسمح لهن أحد بأن يعلّمن كهنة خارجًا عن الطبع؛ لأن هذا من عدم الإلهية وجهل الوثنيين الذين يشرطنون[3] كهنة من النساء ليخدمن الآلهة الإناث وهم بعداء من قسمة المسيح»[4]

ومن السابق ذكره في النص التراثي الأول بعد الإنجيل نستخلص التالي:

• اعتماد المبدأ المذكور في تك 2/ 15: 18 وتذكُّره على الدوام في العهد الجديد والعمل به، وهو الذي يفيد بأن حواء إنما خلقت لمتعة الرجل والإنجاب له البنين فحسب.

•• أن المرأة لا تُعمِّد ولا تُعلِّم عمومًا، ولا تعلم الكهنة خصوصًا، لأنها خُلقت في مؤخرة الوجود العاقل بحسب نص الكتاب المقدس وشرح وتوضيح نص الدسقولية إذ قيل: "لأنّا إذا تركنا الرأس طلبنا العضو الأخير من الجسد".

فالخلاصة إذن لجواب هذا السؤال: "هل خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل؟" هو نعم؛ بحسب ما ورد في نصوص الكتاب المقدس، خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل ومع تأكيد ذلك بالتطبيق في تعليقات نصوص تعاليم الرسل "الدسقولية".

لمن يرفض تداخل التراث مع الكتاب المقدس

وبخصوص تعاليم الرسل "الدسقولية" الذي يمكن اعتباره المصدر التشريعي الثاني في المسيحية، فإن رفضَه البعض (بحسب مذهبهم) فليصرحوا بذلك، لأنه ليس لنا أن نتجاهله لأجل مذهب وحيد في حين أن العموم يعتمده ويأخذ به! خاصة وأنه يترجم لكلام موجود بالفعل ف ثنايا الكتاب المقدس بعهديه، ولم يأت بمبتدعات جديدة من عنده. ولكن عليهم بعد نبذ كتاب تراثي مثله أن يأتوا بتفسيرهم المعتمد والمقبول لهذه النصوص الكتابية مجتمعة.

انظروا مثلًا لنص كتبه بولس وقارنوه بما نقلناه عن الدسقولية؛ يقول بولس الرسول: «لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ»[5]

فنحن إذن أمام هذا النص وغيره الكثير نستخلص التالي:

1. أن العهد الجديد هو مرآة عاكسة للعهد القديم بخصوص المرأة ولم يغير تجاهها شيء، وأما ما حدث من حوادث بين يسوع وبعض النساء في أوقات متناثرة هنا وهناك، فهي حوادث عارضة ولا يمكن أن ينبع منها تشريع تكريمي خاص للمرأة. إذ هل لو وجدت أنا مثلًا دولارًا في طريقي مصادفة فهل هذا الحادث معي يجعلني صاحب صفة "واجد الدولارات"؟؟!! بالطبع لا، إنما هو حدث عارض ربما يحدث ثانية وربما لا يحدث أبدًا، ولا يصح تسميتي أو وصفي بـ واجد الدولارات. كما أن هذه الحوادث لم تمنع بولس فيما بعد من التأكيد تأكيدًا تشريعيًا على نصوص سفر التكوين بخصوص المرأة وخلقها لرغبات الرجل وتدنيها عنه...

2. بحسب الكتاب، فالمرأة لا ينبغي لها أن تُعلّم. وفي هذا يتفق بولس مع تعاليم الرسل الكتاب التراثي المسيحي سالف الذكر (فهو تعليم يهودي مسيحي أصيل تأثر به البعض لاحقًا فاتُهم المتأثرين مع التغافل عن الأصل).

3. هناك ظلم واقع على المرأة في العهد القديم ولا زال مستمرًا في العهد الجديد، وهو أن الوصية الأولى لم تكن لحواء، كما ذكرنا وبينّا أعلاه، ولكن الغريب والعجيب والمُحزن أن العقاب الإلهي الغريب حازت هي على جانبه الأكبر وصارت هي المُتهمة وربما المتهمة الوحيدة؟! فهذا أيضًا متعة للرجل، إذ قد حملت عنه العبء المصيري! فأي إنصاف وعدل إلهي هذا الذي يتشدق به أنصار الكتاب المقدس يا ترى؟؟!!

4. خلاص المرأة مرتبط بولادة الأولاد! (ومن هنا عرفنا كيف نشأ هذا التقليد الجاهلي بتفضيل الذكور على الإناث) وفي هذا يتفق بولس مع تعاليم الرسل إذ قيل: "وهي تحت طاعة الذي أَخذت منه لأجل ولادة البنين"[6]

 

الهوامش والمراجع



[1] تك 2/ 15: 18

[2] أف 5/ 23

[3] يشرطنون: يعني رفع المرأة إلى مرتبة الكهنوت

[4] تعاليم الرسل الدسقولية الفصل الثالث عشر

[5] 1تي 2/ 12، 13

[6] [دسق 13/ 2]