السبت، 22 ديسمبر 2018

الحقيقة (العلمية) التاريخية لكسر أنف أبو الهول

♦ مراجعة وتصحيح
تكاثرت الأقاويل حول أنف أبي الهول المفقود.. من كسره؟! والغريب أن كل النظريات حول ذلك إما أنها تذهب بنا إلى عمق العصور الوسطى أو إلى نهاية العصر الحديث، أقصد ما بين القرن الرابع عشر الميلادي أو إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكلها تخمينات لا ترقى إلى يقين باتّ. ولكن على الأقل برزت بادرات أثبتت براءة ساحة المُتهمين المُتأخرين أي أبناء القرن الثامن عشر من هذه الفعلة، أقصد نابليون وحملته الفرنسية (1798-1801م) [انظر الصورة←] فقد شاع هذا الاتهام حولها كثيرًا؛ أما براءة المُتهمين المُتقدمين وهو شخص صوفي في العصر المملوكي وقد أُلصقت به التُهمة إلصاقًا غريبًا وبشكل غير مُستساغ.
اتهام المتصوف "صائم الدهر"
فقد كتب المقريزي (1364م - 1442م) قائلًا: "وفي زمننا، كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول ولله عاقبة الأمور»
[المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ص230 ج1 ط1 دار الكتب العلمية]
براءة المتصوف "صائم الدهر" وتلبيس المقريزي
إنه بالتركيز في الكلمات التي كتبها المقريزي حول المتهم محمد صائم الدهر الذي نسب إليه تلك الفعلة، نجد أن المتهم شرع محاولًا تلويث وجه التمثال وتغبيره فقط [المرجع السابق]، غير أنه في النهاية بريء من عملية تحطيم الأنف غير الموجود أصلًا في وقته، فقد كتب المقدسي (947 - 990م) عن تحطم أنف أبو الهول قبل عصر المقريزي ومتهمهُ البريء صائم الدهر بخمسمائة عام فقال: «وثمّ صنم يزعمون أن الشيطان كان يدخله فيكلّمه حتّى كسر أنفه وشفتاه» [أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص210 ط2 ليدن 1906] ولم ينسب المقدسي الفعل بكسر الأنف لشخص بعينه كما هو واضح، إنما يُستبان من قوله أنه هكذا وجِد التمثال مُنذ أن عُهد في عصره. ولعلنا نبحث في ما قاله المقدسي على قلته حول ذلك الأمر في نهاية مقالنا هذا، ذلك لأهميته وارتباطه بالأمر الذي سنغوص فيه سبرًا كشفًا للحقيقة.
بهذا فإن براءة المتصوف صائم الدهر في العصر المملوكي تقوم على شهادة المقدسي، والتباس شهادة المقريزي فيه إذ قال الأخير: "ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول ولله عاقبة الأمور"!. في حين يُكذّب التاريخ القديم المكتوب قول المقريزي هذا ويؤكد أنه خرافة شاعت فانصاع هو ورائها أو كانت القصة برمتها من صنع خياله الخصب الخاص أو ربما لاعتبارات شخصية لديه! 
وقد قصدت بقولي "التاريخ القديم المكتوب" أن الملك المصري القديم "تحتمس الرابع" قد سجّل حُلمًا له رأى فيه أبو الهول يقول له «أيها الأمير الوراثي ستكون لي حاميًا، لأن كل أطرافي تتألم، فرمال الصحراء التي أربض فوقها زحفت إلىّ، فتقدم لتعمل ما أرغب فيه، فأنت ابني وحامي حماي».
[جيمس بيكي، الآثار المصرية في وادي النيل ج1، ص267 ترجمة لبيب حبشي وشفيق فريد ط1993]

إذن فكلام المقريزي حول خرافة غزو الرمال للمنطقة بسبب تشويه الوجه للتمثال ما هي إلا خرافة قضى عليها حُلم مكتوب على لوح حجري يرجع إلى عصر الأسرة الثامنة عشر من تاريخ الأسرات المصرية القديمة. فالرمال كانت موجودة منذ العصور الأولى وما كلام المقريزي إلا خيال مؤلف أو انصياع وراء خرافة تجعل روايته برمتها غير موثوقة.
والآن ندخل مباشرة إلى الدليل الموضوعي الأكيد، والمُدعم ببراهين عديدة حول كسر الأنف لهذا التمثال الشهير المعروف بأبي الهول.

♦ الدوافع المنطقية والفاعل الحقيقي
   
حلم تُحتمس الرابع واحتياله
♣ إنَّ من أشهر الآثار الباقية من عهد الملك "تحتمس الرابع" من ملوك الأسرة الثامنة عشر المصرية القديمة، تلك اللوحة الجرانيتية الشهيرة التي ترجع إلى العام الأول من حكمه وهي التي بين مخالب تمثال أبو الهول الآن. ويقص علينا تحتمس الرابع من خلال نصوص منقوشة عليها، أنه ذهب عندما كان شابًا ليحتمي بظل أبو الهول وذلك بعد رحلة صيد مرهقة فغلبه النعاس فرأى فيما يرى النائم الإله (حور- أم - آخت) المُجسد في تمثال أبو الهول يبشره بتاج مصر عندما يحرره من الرمال التي أتت عليه. ويبدو أن الملك تحتمس الرابع قد نفذ للإله (حور – أم – آخت) رغبته بعد توليه العرش مباشرة. هذه القصة تؤكد أن تحتمس الرابع لم يكن الوريث الشرعي ولهذا اختلق هذه النبوءة لكي يفسر لنا أن اختياره قد تم بواسطة الإله (حور - أم - آخت) [سمير أديب، موسوعة الحضارة المصرية القديمة ـ ص261، ط1، س2000]
♣♣ كان "أمنحتب الثاني" والد "تحتمس الرابع" أبًا لخمسة أو سبعة أخوة آخرين غير تحتمس الرابع الذي كان هو الأصغر بينهم، وكما بدا سابقًا أنه لم يكن صاحب الحق الأول في اعتلاء العرش لذا اختلق ما اختلقه من حُلم ليضفي شرعية على تقدمه للاستحواذ عليه. ويبدو أن صراعات عنيفة اندلعت من وراء ذلك، فلم يكن مجرد حلم الشاب الطموح تحتمس لينطلي على إخوته أصحاب الحق الأولى في العرش، فمما يشير إلى هذا النزاع الأخوي ذلك المحو الأثري المقصود لأسمائهم من على جدران توثق لها. [سليم حسن، موسوعة مصر القديمة ـ ج4، ص691، ط مكتبة الأسرة 2001]
♣♣♣ لقد سُجلت أسماء أخوة تحتمس معه في لوحات حجرية تذكارية صُنعت في عهد أبيهم أمنحتب الثاني، غير أن تحتمس ولأثرة في نفسه قد رأى أن يسلب الحق في العرش ويقضي نهائيًا على كل منافسيه إما بالقتل أو بالنفي فبدأ أولًا باختلاق قصة الحلم ويبدو أن هذا كان بالاتفاق مع رجال الدين من كهنة الدولة، وإتمامًا لذلك فقد عمل على محو كل ما له صلة بإخوته أصحاب الحق الشرعي في المُلك فأزال أسمائهم واحدًا تلو الآخر عن اللوحات الحجرية التذكارية مع الحرص على عدم المساس بأي رمز من الرموز الدينية المُرفقة في هذه اللوحات، فقد أزيلت أسماء الأشخاص المقصودين من دون تحتمس بعناية تامة بحيث يُعدم ذكرهم ولا يُغضِب هذا المحو الكهنة في نفس الوقت إذ ظلت الرموز المُقدسة على حالها [سليم حسن، موسوعة مصر القديمة ـ ج5 تحتمس الرابع].

♦ علاقة أبو الهول بالإله آمون رع والصراع الديني

عندما شرع الملك خفرع ─ابن الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر على سفح هضبة الجيزة─  في بناء هرمه بجوار هرم أبيه، أمر النحاتين الملكيين بنحت أبو الهول وأمامه معبد ضخم للشمس، وهو أول معبد للشمس يبنى غرب نهر النيل. أما عن السبب الذي جعل الملك خفرع يقدم على هذا المشروع العملاق والفريد فهو ببساطة لكي يجسد نفسه في صورة أبو الهول كرمز للملكية وهو يقدم القرابين لأبيه الملك المتوفى الذي ساوى نفسه برع فأصبح خوفو هو رع، أي الشمس، وبالتالي فخفرع باعتباره ابن رع يقدم القرابين لأبيه في معبد الشمس مرتين عند الشروق وعند الغروب. فأبو الهول هو رمز الشمس أو رع الذي يشرق ويغرب بين الهرمين. ولقد أشار المصريون القدماء إلى أبو الهول في الدولة القديمة ─أي منذ نحو 4500 سنة─  باسم «روتي»، وهو رمز مقدس عندهم في صورة أسد ووظيفته هي الحماية والحراسة. [د.زاهي حواس وزير الدولة لشئون الاثار المصرية السابق، وشغل سابقًا منصب مدير آثار الجيزة، في مقال له في جريدة الشرق الأوسط الدولية «لماذا اسمه أبو الهول؟». الخميس - 17 ذو القعدة 1435 هـ - 11 سبتمبر 2014 مـ رقم العدد (13071)]
• ولنتعرف باختصار على كل من المعبودين آمون وآتون لندرك بعد ذلك طبيعة الصراع الذي اندلع بسببهما.
آمـــــــون
♣ كان الإله آمون معبودًا مغمورًا لقرية صغيرة في الصعيد، ذُكر للمرة الأولى على أثر يرجع إلى الأسرة السادسة، وموطنه الأصلي مدينة الأشمونيين، وقد وصل إلى طيبة من خلال الأسرة 11 ثم أخذت شهرته تنتشر حتى طغى على جميع الآلهة المصرية وتمكن من تبوء مكانة ممتازة في الدولة حينما تمكن أمنمحات الأول من تأسيس الأسرة 12 وهكذا حتى أصبح الإله الرسمي للدولة. وتم مزجه مع الإله رع تحت اسم "أمون رع" بداية من الأسرة 12 بغية اكتساب صفات رع ونفوذه بين الناس وحتى يمكن عبادته وقبول طبيعته كرع. لأن طبيعة اسم آمون كانت غامضة عند المصري القديم. فصار بعد الامتزاج برع الذي هو قرص الشمس يعطي معنى انه إله الهواء فصار آمون رع هو إله الهواء والشمس.
ويمنح هذا المعبود علامة الحياة "عنخ" إلى أنف الفرعون، والسعادة "واس" والثبات "جد".. [سمير أديب، موسوعة الحضارة المصرية القديمة ـ ص201، ط1، س2000]

آتـــــــون
♣♣ أما آتون: فقد عرفنا أن المصريون قد سموا القرص الشمسي بـ "رع" وقد اتُخذ رع كمعبود في عصر تحتمس الرابع ثم ابنه أمنحوتب الثالث من الأسرة الثامنة عشر. وآتون هو اسم أطلقه المصريون على قرص الشمس ولكن كجرم سماوي. وجاء أمنحوتب الرابع (إخناتون) ورفع من قدره وحاول أن يُجبر كهنة آمون على أن يعترفوا به كأحد المعبودات الرئيسية ليكون ملك الآلهة وسيد البلاد والإله الخاص بالأسرة المالكة، فقبل الكهنة على حذر وسمحوا بإقامة معبد له، لكن سرعان ما أظهر (إخناتون) صفات المعبود الجديد "أتون" بأنه الحرارة المنبثقة من قرص الشمس وأنه رب الأفقين ووالد لرع [المرجع السابق ص33]
أبو الهـــــــول 
♣♣♣ وكان أبو الهول عند المصريين القدماء هو الشكل المُتجسد الملموس للإله رع الذي هو قرص الشمس وكان بانيه هو الملك خفرع من ملوك الأسرة الرابعة وهو أول من استحدث بدعة ابن الإله رع فسمى نفسه (سا – رع) أي ابن رع، وقد شاعت تلك البدعة من بعده شيوعًا لدى جميع الملوك.. ولما كان آمون ابتدأ يتدرج في الظهور منذ الأسرة السادسة والوصول لمكانته الألوهية الرسمية التي أصبح من خلالها الإله الرسمي للدولة منذ الأسرتين الحادية عشر والثانية عشر مع بقاء رع. فتم إدماجهما كمعبود واحد لقِدم وقدّسية رع وهيمنة وثروة آمون بغية أن يكتسب آمون صفات رع ونفوذه القوي بين الناس [المرجع السابق ص448]. وقد تم تصويره في عده أشكال رسومية إلا أنه لم يُصوَّر رع كتمثال إلا في حالته كآمون رع [المرجع السابق].
فأبو الهول كان تمثالًا تجسيديًا للإله آمون رع، وإن لم يكن قد بُني من أجل آمون ولكن من أجل تقديم القرابين لرع الشمس، فقد ألحق به نفوذ آمون المتعالي سياسيًا بعد ذلك فصار تجسيدًا للإله الرسمي آمون رع.
الصراع الديني
■ رفض كهنة آمون تلك النعوت التي أضفاها (إخناتون) الذي كان اسمه "أمنحتب الرابع" من ملوك الأسرة الثامنة عشر على معبوده الجديد آتون، خاصة وأنه يقلل من قدر رع المعبود الأساسي والأقدم والأقدس عند الناس في مصر القديمة.. ومع ذلك فقد أجبر الملك إخناتون كهنة آمون على أن يعترفوا بأتون كأحد معبودات معبد الكرنك فقبلوا على حذر بتشييد معبد له في رحاب الكرنك حتى ظهرت نية إخناتون المبيتة لقلب النظام الديني القديم برمته وتحويل العبادة الرسمية في مصر كليًا إلى عبادة أتون ليس كأحد الآلهة بل كإله وحيد.
أما الكهنة فأخذوا يناوؤن الملك والمعبود الجديد، إلا أنهم قوبلوا بقسوة شديدة وعنف وانتقل إخناتون إلى عاصمة جديدة شيدها في المنطقة التي تُسمى اليوم بتل العمارنة ومنها جرد حملة قوية وشاملة هدفها محو كل أثر لآمون بتهشيم تماثيله وكشط اسمه من فوق آثاره القائمة وتشتيت كهنته، وأعلنها حرب شعواء على جميع آلهة مصر، وطلب من الناس التعبد إلى إله واحد لا شريك له هو آتون. وأبقى معه على المعبودة ماعت ربة الكمالات الخلقية الواجب توافرها للوصول إلى العدل المُطلق والحقيقة العارية والصدق.. [المرجع السابق] 
 
♦ مصير أبو الهول و(أنفه)

♣ لم يكن أبو الهول بمنئى عن ذلك الصراع المرير، بل إنه كان في مرماه بصفته تجسيدًا لآمون رع؛ فكان النيل منه مدروس تشريعيًا بحيث لا تقم له قائمة قدسية بعد. فإذا كان آمون هو المعبود المانح علامة الحياة "عنخ" إلى أنف الفرعون، وأن رع لم يُصوَّر كتمثال إلا في حالته كآمون رع (أي بمعنى آخر أبو الهول) فكان تهشيم أنف أبو الهول بيد حملة إخناتون الدينية من شأنه أن يُفقد هذا المعبود "آمون" أهم عطية يُمكن أن يُعطيها، وهي علامة الحياة "عنخ" للفرعون، وإذ لا يوجد لآمون تجسيدًا عظيمًا كتمثال إلا في صورة أبي الهول فكان أنف أبو الهول هو الهدف المقصود بعد نية مدروسة جيدًا ومؤسسة على تشريع مصري معروف، وهنا فقد توافرت عناصر الإصرار والترصد في كسر هذا الانف أثناء هذا الصراع الديني الشهير.

حلم تُحتمس الرابع وتبعاته

♣ قلنا أن الملك تحتمس الرابع كان قد اغتصب العرش بحيلة رؤياه التي قصها عن أبي الهول وهو يحثّه على إزاحة الرمال عنه قائلًا: «أيها الأمير الوراثي ستكون لي حاميًا، لأن كل أطرافي تتألم، فرمال الصحراء التي أربض فوقها زحفت إلىّ، فتقدم لتعمل ما أرغب فيه، فأنت ابني وحامي حماي» [جيمس بيكي، مرجع سابق] ولقد كانت إرهاصت الثورة الدينية لإخناتون كائنة حتى من قبل تولي تحتمس الرابع الحكم [سليم حسن، موسوعة مصر القديمة ـ ج5، ص257، ط مكتبة الأسرة 2001]، بل كانت الرؤيا التي قصها تحتمس على إخوته في سبيل العرش هي من وسائل التأمين الاستباقية التي ابتدأها الكهنة (كهنة آمون) للمحافظة على مجد آمون وتلميعه مع كل رموزه مقابل أصوات بدأت تنمو من هنا وهناك في المجتمع المصري القديم، والتي كانت على الأقل تنادي بالحرية الدينية التي كان من شأنها أن تقلل من قدر آمون وبالتالي فإن مصلحة الكهنة سيكون مآلها إلى زوال أو عرضة للتهديد.
♣♣ كما كنا قد حكينا كيف محا تحتمس الرابع جميع أسماء منافسيه على العرش بدقة بالغة بحيث لم يُمس أي رمز ديني مقدس مرافق لهم، وقد عثر رغم ذلك على اسم من أسماء أحد هؤلاء الإخوة الذين قد مُحيت أسمائهم وكان في متن النص التذكاري الحجري الذي خلّفه أمنحتب الثاني والد الإخوة المتصارعين على العرش؛ فلا غرابة في أن يكون هؤلاء الإمراء أو أحدهم على الأقل قد التحق بعصبة المنادين بعبادة آتون. 
[] إما قبل موت أبيهم أمنحتب الثاني كميول شخصي مما جعل كهنة آمون يصطَفوا تحتمس خصيصًا لهذه الرؤيا المنامية.
[••] أو يكون التحاقهم بزمرة أتون بعد وفاة أبيهم واغتصاب تحتمس للعرش نكايةً فيه ولم يكونوا يكنون كراهية سواء للكهنة أو الرموز المقدسة، وأنه قد تم استغلالهم فيما بعد. 
[•••] أو أن يكون تحتمس نفسه قد مسّه فكر عبادة آتون في حماسة صغره.. 
ولو أن الميل للرأي الأول قد يكون ممكنًا (أي أن إخوة تحتمس كانوا ينظرون لمجموعة آتون نظرة إعجاب لهذا تم وقوع الاختيارعلى تحتمس دونهم) إلا أن الرأي الأخير هو الذي حصل، فقد بدا أن تحتمس كان ميالًا لفكرة عبادة أتون [المرجع السابق]، والغريب أن ذلك كان في حد ذاته دافعًا لاصطفاءه من قِبل كهنة آمون لبرمجته وإغراءه بمنحه العرش، وذلك بعد دراسة ومتابعة شخصيته القوية والأنانية من بين إخوته، وذلك يتضح مما وصف به تحتمس الرابع نفسه على اللوحة التي صنعها بعد اعتلائه العرش وإيفاءه لطلب أبو الهول منه في الرؤيا المعهودة بأن يزيح عنه الرمال.. ووضعها بين مخلبي التمثال إذ كتب فيها عن نفسه واصفًا طفولته: 
«وعندما كان جلالته طفلًا... كان جسمه مثل حامي والده "حور"، وقد كان مثل الإله نفسه..»
[سليم حسن، موسوعة مصر القديمة ـ ج5، ص11، ط مكتبة الأسرة 2001] 
يعني أنه كان مثالًا للملتزم دينيًا للإله المعبود آمون وقويًا، أو أنه كان مثل أبيه في الالتزام الديني نفسه.. ومما لا شك فيه أن تحتمس لم يكتب هذه اللوحة إلا بإشراف كهنوتي كامل، ويتضح تمامًا عدم النزاهة إطلاقًا في تلك العملية الإلتوائية برمتها من أولها إلى آخرها من قِبل جميع الأطراف فقد كانت سياسية قذرة بامتياز للقضاء على أي نفوذ ديني آخر مُقبل، ولو كان ذلك على حساب حقوق الآخرين وحياتهم. ومن أحد مظاهر الدونية في تلك القصة أن حتى اللوحة الحجرية التي سُجّل عليها إبراء تحتمس الرابع وعده لأبي الهول المُشار إليها قد نُهبت من أحجار معبد الوادي لخفرع [جيمس بيكي، مرجع سابق].

♦ مصير تُحتمس وسؤال أخير قد يثور

♣ لم تسلم مقبرة تحتمس الرابع من التخريب الكامل تقريبًا مع معبده الجنائزي بعد وفاته بفترة وإبان حقبة الصراع الديني آنذاك، ما دعا الملك "حور مُحب" آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر إلى إصدار التعليمات بإعادة دفن تحتمس الرابع في المسكن المُقدس بالبر الغربي مع مومياوات أخرى إلى جانب مومياء أبيه أمنحتب الثاني.

من هنا أصبح لدينا العلم اليقين بأن أنف أبو الهول إنما كُسرت قصدًا وعمدًا في تلك الفترة المُلبدة بغيوم قاتمة من تداخل الدين مع سياسة الدولة والصراع المرير من أجل فرض الفكر الديني الواحد من كافة الأطراف سواء كان الطرف الذي ظهر بأنه موحد للآلهة في واحد (أي إخناتون) أو الطرف الذي يرفض ذلك التوحيد (كهنة آمون)، فلم يكن أيهما بريء من ذلك العنف والفشل الحاصل، غير أن الاتهام الفعلي إنما يقع على إخناتون وزمرته أخيرًا يقينًا ودون أدنى شك في ذلك.
♣♣ ولكن قد يتساءل البعض بعد ما سردناه من أحداث بينت الفاعل الفعلي حول عملية تهشيم أنف تمثال أبو الهول التي تمت إبان سلسلة الصراعات الدينية التي اندلعت بين كهنة آمون والملك إخناتون الذي دعا إلى توحيد العبادة لآتون.. فلما كان الفاعل هو إخناتون وقد انتهت دعوته لعبادة آتون بموته؛ فلماذا لم يقم أنصار وكهنة المعبود آمون بالتمثيل بآثاره وتماثيله بل وحتى مقبرته مثلما تم مع أنصار آمون وتماثيلهم؟!
وللجواب على هذا السؤال يجب معرفة من خلف إخناتون على عرش مصر ممسكًا بمقاليد الأمور، ومدى سيطرته على أفعال كهنة آمون التي يمكن أن تحدث.
لقد خلف إخناتون على العرش وريثه الطبيعي والشرعي ابنه توت الشهير باسم (توت عنخ آمون) غير أنه لم يعتلي العرش بطبيعة الحال من فوره بهذا الاسم بل كان له اسم آخر متصل بآتون كما كان مُراد أبيه إخناتون (خاصة وأن توت كان صغيرًا، تسع سنوات وقتها) فبدأ كولي للعهد ووريث للعرش باسم «توت عنخ آتون» [زاهي حواس، دورية ناشيونال جيوغرافك العربية ـ عدد مارس 2011] ولكنه وخلال السنتين الأوليين من تسلمه زمام المُلك غادر هو وزوجته (عنخ إسن با آتون) مدينة أبوهما إخناتون وغيرا اسمهيما إلى توت عنخ آمون وعنخ إسن آمون وأعلنا رفضهما بدعة إخناتون (بالتأكيد تحت ضغط سياسي ديني) فعاودا الإيمان بعقيدة آمون [المرجع السابق] وجدير بالذكر أن وقت وجود الملك توت على العرش وفي صغره كان الوصي عليه هو القائد العسكري العام لجيوش أبيه إخناتون وهو القائد حور مُحب والذي أصبح وزيرًا للملك توت بعد ذلك، فعلى الرغم من عودة عبادة آمون على الساحة بدون منازع واندثار ذكر آتون ورجوع الأسرة الملكية إلى الخضوع لآمون دون سواه إلا أن ذلك تم وفي السلطة ابن الملك إخناتون المتمرد على آمون وقائد جيوشه أيضًا أي الملك توت والملك حور، وإن كانا عادا إلى عبادة آمون في سبيل استتباب الأمور وعودة الاستقرار.
ثم وبالإضافة إلى ذلك، فقد خلف توت عنخ آمون ابن الملك المارق إخناتون، وزيره والوصي عليه أي القائد العسكري القوي حور مُحب، والذي بدوره حفظ مكانة من قبله وحافظ في العموم على استقرار البلاد وقام على وضع إصلاحات كبرى وعمل على توسّع الإمبراطورية المصرية في عصره.
♦ فلسفة كسر الأنوف في الحضارة المصرية القديمة

بعدما أثبتنا بالحجج والبراهين الكثيرة أن الأنف لأبي الهول إنما كُسر في التاريخ المصري القديم وتحديدًا في وقت الأسرة الثامنة عشر المصرية وبالضبط إبان حكم الملك إخناتون بواسطة حملته الشاملة في سبيل إبادة أي ذِكر أو رمز للإله آمون.. دعونا نعرف عموم الفلسفة المصرية القديمة حول مثيلات تلك الفعلة "كسر الأنف".
♣ لقد كانت عند المصري القديم عقوبة الإخلال بالشرف (الوظيفي أو المهني في المنصب) وبالطبع عظماء المجتمع لم يكن من السهل عقابهم أو مواجهتهم بما يقترفونه من قرارات جائرة ضد البعض لكن غير الراضيين عنهم كانوا يستغلون الفرصة بعد موتهم لتشويه أنوفهم ليقابلوا الرب بدليل الذنوب لأنهم يؤمنون أن الجسد وعاء الرب وأن الأنف هو السبيل لإمكانية عودة الروح للجسد في الحياة الأخرى. وقد تحدثت النصوص المصرية القديمة كثيرًا عن عقوبة جدع "قطع" الأنف وصم الأذن، وهناك عقائد أخرى له تصف تهشيم الأنف بأنه قتل حقيقى لأنها مكان التنفس وكنا نرى زوجة المتوفى تقدم زهرة اللوتس أمام أنف زوجها فعندما تهشم أنفه لن يستطيع التنفس ثانية عند عودة روحه؛ أو أن يُقدم أمام أنف الملك مفتاح الحياة [مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار بجمهورية مصر العربية في تصريحات له في جريد "فيتو" المصرية سجّله محمود عبدالباقي 5/3/2018م]
♣♣ فبهذا تجتمع جميع خيوط إثبات التهمة (أو الثأر) على المصري القديم نفسه ويُبَرّأ منها كل من نابليون وحملته الفرنسية في القرن الثامن عشر على مصر بشهادة صور الدانماركي نوردين قبلها؛ وكذلك براءة المتصوف صائم الدهر في العصر المملوكي بشهادة المقدسي، والتباس شهادة المقريزي فيه مع نصوص على لوحة تُحتمس تخالف وتُكذِّب ما قاله.
♣♣♣ كما تُبرّأ عوامل التعرية الجوية كذلك من هذه الفعلة تمامًا، وذلك أمام طغيان أساليب وعادات المصري القديم في التعامل مع المعارضين سواء الدينيين أو السياسيين أو حتى مع الأجداد المباشرين إذا ما كان ذكرهم طاغي على العصر الآني لفرعون ما أو لمصلحة حالية بدت فالحي عندهم أولى من الميت مهما كان هذا الميت! 
فإذا قيل بأن الأنف هي أضعف مكان في التمثال لذلك فقد سقطت ─كما يُشاع─ فإن البنّاء المصري القديم ليس بهذا الغباء مع ذكاءه المعروف هندسيًا أن يُهمل تقوية الأنف وهو يعلم أنها أضعف ما في التمثال ويدعها دون تدعيم مُضاعف، ولو أني لا أتفق مع رؤية أن الأنف هي أضعف نقطة في التمثال بل على العكس هي أقواها من الناحية الهندسية.. وإن المصري القديم الذي يهتم في بناء التماثيل بشكل أولى حرصًا على الكمال بما سيكون في الحياة الآخرة، وأن الأنف هي مكان دخول نسمة الحياة للمتوفى ويجب أن يبرز ذلك الأنف في تماثيله بادئ ذي بدء ودون احتمال كبير للفقد لأسباب طبيعية. وإلا فلن يستطيع المبعوث للحياة في الدار الآخرة أن يتنفس جراء ما لقيت صروحه من معاملة سيئة. فهذا إذًا يهدم هذه الفرضية ويُبرء كذلك عوامل الجو والتعرية تمامًا.

♦ تصحيح وتوبيخ

♣ ولكن رغم ما ذكرناها آنفًا ولو أن كثيرين لم يكونوا يحيطون به علمًا، فلا أدري كيف غاب عن معظم الآثاريين هذا الأمر! بل لِما سكت عنه معظمهم!؟ إلا أن هناك فوق ذلك من يصفون أنفسهم بالعلماء والمؤرخين فيدلسون على الناس، فقط لاختلاف عقيدته مع عقيدتهم، فهو مثال سيء للأسف للمصري المسيحي [عزت أندراوس مؤلف موسوعة أقباط مصر الإلكترونية] الذي لا يُحب سلمًا ولا وطنًا ولا يبتغي سلامًا ويواظب على التحريض ضد بلده ويكن طاقة كبيرة من العنصرية المقيتة ضد الإسلام والمسلمين، ويعتبر كل تاريخ مصر مزيف ومزور ويجب تصحيحه فقط لصالح التاريخ القبطي حصرًا والمسيحي عامةً‼
♣♣ فحول رأيه فيمن كسر أنف تمثال أبو الهول فهو يجنح إلى أن المتهم المُبرأ صائم الدهر بأنه هو الذي قام بالعملية، وليس في ذلك مؤاخذة كبيرة، فغالبية البحاثة السطحيين قد وقعوا في هذا الغلط التاريخي، غير أن جنوح جهبذنا المُفتري [أندراوس] ذهب إلى أبعد من ذلك بسبب نقله الجزافي والحاقد الأخرق من "ويكيبيديا الموسوعة الحرة" التي عرّفت صائم الدهر بأنه من كبار علماء الشافعية في اليمن ويرجع نسبه إلى علي بن أبي طالب زوج السيدة فاطمة ابنة رسول الله ﷺ، فاستغل هذا الحاقد مدعي العلم أن المتصوف صائم الدهر المُتهم في كسر أنف أبو الهول هو نفسه ذاك العالم في الفقه الشافعي باليمن، على الرغم من وضوح اسم "الفقيه الشافعي" بأنه أبا بكر صائم الدهر وهو من اليمن ولد ومات فيها ولم يُذكر عنه قدومه إلى مصر. وأما الآخر فهو محمد صائم الدهر "متصوف" مصري توفي في مصر [الرحالة العثماني أوليا جلبي، الرحلة إلى مصر والسودان وبلاد الحبش 1672 ـ 1680م، ج3، ص255، ط1 المركز القومي للترجمة (الصفصافي أحمد القطوري) س2010] ولم يذكر ذهابه إلى اليمن كذلك
♣♣♣ غير أن مُدعينا المُزيف للحقائق الواضحة بغية الفتنة استغل تشابه اللقبين بين الشخصين، فحمّل الدين الإسلامي ونبي الإسلام مسؤولية تهشيم أنف أبو الهول! لأن حفيد نبي الإسلام ─كما زعم─ صائم الدهر والذي يرجع نسبه إلى رسول الله ﷺ هو الفاعل! للنيل من الإسلام والنبي ولو أن عند هذا المزور بعض شرف وإنصاف بشكل عام لما حمّل الأب إثم ابنه أصلًا في إثم الجرم، بغض النظر عن أنَّ مُسلمًا ارتكبه أم لا؛ ولكن ماذا أقول فيه وهو مسيحي يعتقد بأن الأبناء يحملون وزر الآباء حتمًا كمل حملت البشرية وزر آدم وخطيته قسرًا وكما عوقب الابن الأقنوم مكان أبيه الإله المازوخي هدرًا بحسب معتقده وهنا لا يحضرني إلا تلك المقولة الإنجيلة: «لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!»
[إِنْجِيلُ مَتَّى 7/ 2-5]
لم تنتهي أزمة هذا المؤرخ المزور عند هذا الحد أيضًا، بل إنه أخذ يُشْعر ويمدح في حملة نابليون الفرنسية بعد تبرئتها من التهمة ─والذي لم نختلف نحن فيها أيضًا─ غير أنه كمؤرخ (مُطّلع) يجب أن لا يغيب عليه أمر ذلك التمثال المُهين للحضارة المصرية القديمة برمتها، والذي صُنع في فرنسا تكريمًا لشامبليون مُصورًا وهو يطأ وجه ورأس أحد أشهر الملوك في مصر القديمة "إخناتون" ومع ذلك فهو (أي ذلك المزور إندراوس) لا يزال يستمر في تلميع حضارات الغرب ووصف تاريخ بلاده بالمزور كليةً! فحقًا إن لم تستحي فافعل ما شئت
 :.