يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
وهناك آية قريبة الشبه لهذه الآية وردت في سورة
النساء الآية 172 وبيانها أنها دعوة إلى أهل الكتاب جميعهم وتنبيه لهم
بأن الله سبحانه لا يمكن أن يكون بالشكل الدنيوي الذي تصورتموه له سبحانه، وأن
المسيح ما هو إلا بشر طبيعي من بشر طبيعي وهو رسول مقدس، فكل ما أضفيتموه عليه
مبالغة في الإطراء هو لا يرضي الله تعالى...
أما آيتنا التي بين أيدينا الآن ففيها مشابهة
لتك التي مرت وتكلمنا فيها تفصيلًا في الحلقة [6─10] وقد عنونّا تلك الحلقة بعنوان (نهي الله عن المبالغة في أمره عليه السلام) غير أن آية حلقة اليوم ففيها إجمال موضوعي
أكبر، نستخلص منه ما هو خاص بخصوص أمر المسيح عيسى ابن مريم ورأي المسلمين في أمره!
فقول الله تعالى: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فإذا كان هذا الكلام يُقصد به المسيحيين فهو جزء من قوله السابق: "أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعا وهو السميع العليم؟" والجواب تقديري محذوف هو قول النصارى بأنه عليه السلام ابن حقيقي لله وشريك له في الملك ويُعبد... على الرغم من أن إنجيلهم لا يقول بأي من ذلك الكلام أبدًا*. فيرُد الله عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى لسان كل مؤمن قائلًا: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فلا تتبعوا أسلوب المغالاة في الدين، إذ أن الدين في حد ذاته نقيًا، وحتى المكتوب فيه إلى أوان نزول تلك الآية بل وإلى الآن! غير أن الغلو فيه ألغىَ ومحى المكتوب وصُيرت أقوال علماءهم ترنو على ما هو مكتوب في كتبهم، فرأوا معانٍ مغايرة للمقصود فوصلوا لغايات مخالفة للهدف المعهود. وبيان ذلك الغلو أنهم اتبعوا غير الحق، والحق هو إحكام الشيء وصحته، فلما تخلوا عن إحكام الألفاظ وإسنادها إلى صحتها وقعوا في غلوهم فيما تصوروا، فاتبعوا ما قد قيل باطلًا من قبل، فضلوا به وأشاعوه فأضلوا كثيرين.
فقول الله تعالى: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فإذا كان هذا الكلام يُقصد به المسيحيين فهو جزء من قوله السابق: "أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعا وهو السميع العليم؟" والجواب تقديري محذوف هو قول النصارى بأنه عليه السلام ابن حقيقي لله وشريك له في الملك ويُعبد... على الرغم من أن إنجيلهم لا يقول بأي من ذلك الكلام أبدًا*. فيرُد الله عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى لسان كل مؤمن قائلًا: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فلا تتبعوا أسلوب المغالاة في الدين، إذ أن الدين في حد ذاته نقيًا، وحتى المكتوب فيه إلى أوان نزول تلك الآية بل وإلى الآن! غير أن الغلو فيه ألغىَ ومحى المكتوب وصُيرت أقوال علماءهم ترنو على ما هو مكتوب في كتبهم، فرأوا معانٍ مغايرة للمقصود فوصلوا لغايات مخالفة للهدف المعهود. وبيان ذلك الغلو أنهم اتبعوا غير الحق، والحق هو إحكام الشيء وصحته، فلما تخلوا عن إحكام الألفاظ وإسنادها إلى صحتها وقعوا في غلوهم فيما تصوروا، فاتبعوا ما قد قيل باطلًا من قبل، فضلوا به وأشاعوه فأضلوا كثيرين.
ولا يغيبن هنا أيضًا أن المقصود بأهل الكتاب
في هذه الآية بادئ ذي بدء هم المسلمون، فأنهم أهل الكتاب الأعلى والمهيمن ، فهم الذي جاءهم
كتاب من الله فيه برهان وتبيان لكل ما استغلق فهمه على من قبلهم من أهل الكتب
السابقين.
وما يجعلنا نقول أن هذه الآية تخص أيضًا أمة
النبي محمد ﷺ هو التخصيص المذكور فيها بقوله تعالى «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل» إذ نعلم
جميعًا أن مناط ضلال من كانوا قبل هو الإفراط والغلو في أمر أنبيائهم حتى ألهوهم أو نسبوا في حق الله من أجلهم ما لا يليق «وقالوا اتخذ الله ولدًا» [البقرة] وهذا يعني أن
قوله تعالى «وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل» يُقصد
به أن عقيدة الغلو هذه قد صدّروها وأشاعوا بها وروجوها حتى أضلوا بها الكثير، وكان
الذين اتبعوهم في هذه العقيدة ─بطريق الغلو─ هم أمة الإسلام، ولكن سيقول قائل:
"مَن مِن أمة الإسلام الموحدة بالله تعالى يقول بأن لله سبحانه وتعالى ولد؟‼"
والرد على هذا القول تشير إليه الآية «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا» إذ نجد أنها لا تحدد ماهية هذا الغلو، ولكنها
تشير إلى الهوى الذي اتبعوه وأوقعهم في الغلو، ومنه صرّح بأن المسلمون سيتبعون هذا
الهوى ولكن بطريق يوقعهم في غلو يعزز من عقيدة الذين قالوا: «اتخذ الله ولدًا» [الكهف].
وقد أشار حضرة سيدنا أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام إلى ذلك في كتابه العظيم (مرآة كمالات الإسلام) وقال:
بمعنى، إن الذين قادهم هواهم وأوقعهم في المغالاة في شأن
نبيهم فقالوا إن المسيح ابن مريم هو ولد الله.. وهو بذلك يكون إلهًا، فاقتضى ذلك
منهم إحياءه إلى الأبد بجوار الله في السماوات. وتبعهم في ذلك الهوى المسلمون،
فقالوا كما يقولون بحياة المسيح منذ زمن كبير جدًا وحتى الآن! فوقعوا في جزء من
الغلو الذي غالاه الذين قالوا «اتخذ الله ولدًا»
وإن لم يقولوا مثل قولهم إلا أنهم غالوا مغالاتهم، وقد نهاهم الله عن ذلك، فما
انتهوا إلا من رُحم.
إذًا فالاتباع هنا هو تبعية الغلو في الدين
عمومًا، وليس في ماهية وشكل ذلك الغلو خصوصًا. فكل ما هو غير طبيعي أو غير منطقي
أو غير معقول هو مرفوض في شأن العقيدة والدين، وإن الإشارة على كون اعتقاد ما عند
المسلمين هو من قبيل الغلو في الدين من عدمه يكون في المماثلة التي يمكن أن تحصل
في شأن العقيدة الإسلامية مع معتقدات سابقة «بل قالوا
مثل ما قال الأولون» [المؤمنون] (وهذا لا يعني خطأ كل المشابهات القصصية
فشأن العقائد يختلف عن أحداث الأمور القصصية) وعلى العكس من ذلك؛ فالتيقن من صحة
المعتقد الإسلامي يكون بطريقة «فإن آمنوا بمثل ما
آمنتم به فقد اهتدوا» [البقرة] ولا يكون الإيمان بمثل ما آمنا إلا إذا كان
ما آمنا به ─من جهة العقيدة─ خلاف ما يؤمن به الأولون.
بمعنى، أن المسلمين التقليديين هم الذي يقولون
مثلما قال المسيحيون في شأن المسيح (بأنه حي في السماء)! لأن المسيحيين هم السبّاقين
في ذلك القول وليس العكس. فواجبنا كمؤمنين أن لا نغلو في ديننا ونُقر بموت المسيح
ابن مريم كما يموت البشر طبيعيًا، ويكون على الأولين الإيمان بما نؤمن ليهتدوا..
أما المسلمين الأحمديين فهم الذين قد أنعم الله
عليهم بفضله وبرحمته أن آمنوا بمبعوث الله لما سمعوه مناديًا للإيمان، وقد كشف الله
عليه حقائق غابت عن الأمة طويلًا جراء عديد من الأحداث والتشويشات التي أدت إلى
اختلاق ما لا يُقبل في أمر العقيدة والدين. وعلى أساس هذا الإيمان بمبعوث السماء المسيح
الموعود والمهدي المعهود الذي بشر بمقدمهِ خاتم الانبياء والمرسلين محمد المصطفى ﷺ آمنّا وأقررنا بموت المسيح ابن مريم ذلك الرسول الإسرائيلي المكرم، وأن النازل آخر
الزمان هو المسيح المهدي من أمة خاتم النبيين لكل العالمين.
:.
* لم يرد الإنجيل أي كلام أو إشارة تدل على تأليه أو طلب عبادة المسيح ابن مريم، حتى في رسائل القديس بولس الذي يُعزا إليه إدخال عقائد مختلفة عما جاء به المسيح الناصري عليه السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق