السبت، 28 يناير 2017

إنهم يُكذّبون الله.





طالما حيرتني كلمات هذه الآية! إذ كنت دومًا حين اقرأها أو أسمعها يدور في ذهني اعتراض أنه كيف يكون المعترضين لا يكذّبون المبعوث السماوي؟!! بل إن هذا هو الذي حصل ويحصل بالفعل على أرض الواقع، فكيف يقول الله: «إنهم لا يكذبونك»؟ حتى أن المعترضين أنفسهم يقولون مُصرين متفاخرين: "بل نكذبه هو، وإنا بما أتى به كافرون.. وإنا بالله ورسله لمؤمنون وإنا لله وإنا إليه راجعون" هكذا يقولون، فهم يكذبون ومُكذبون ويزعمون تصديق كل ما هو من الله إلا هذا الذي يرفضونه خاصة. فكيف يقول الله: «إنهم لا يكذبونك»؟! 

 واحترت.. حتى هُديت في لحظة من لحظات تفكري المتأخرة فَفُهّمت أنه ولأن بعث الهُدىَ من الله سنة إلهية ثابتة حين انطفاء النور وحين يكثر الخبث ويزيد الشر والفجور فيكون هذا الهدى متمثلًا في مبعوث يحمله حتمًا ويرسله الله، لذا فحين يتعرض هذا الشخص المبعوث من الله للتكذيب فإنما هو في الواقع تكذيب ونكران لسنن الله الثابتة وعاداته التي عَوَّد عليها خلقه رحمة منه بهم.


يقول حضرة المسيح الموعود هنا شارحًا هذا الأمر: «وإن كنتم لا تعلمون سنن الله أو تريبون، فانظروا إلى سننكم التي عليها تداومون. وإنكم تسقون زروعكم على أوقاتها، ولا يرضى أحد منكم أن لا يستعمل آلات الحرث عند حاجاتها، وإذا بُشّر مثلا أحدكم بجدارٍ من بيته يريد أن ينقضَّ ظل وجهه مصفرًا، ويقوم ولا يرى بردًا ولا حرًا، ويطلب المعمار ويرم الجدار، شفقة على نفسه وعلى الأهل والبنين. فكيف يُظنّ السوء بالله الكريم الرحيم، ويقول إنه لا يبالي ضعف دينه القويم، مع رؤيته هذا الخلل العظيم؟ ألا ساء ما تحكمون، وتظلمون ولا تقسطون.» [لجّة النور ص22]
وبالفعل، فالواقع يؤكد ذلك تمامًا، فرسول الله ﷺ الذي لم يكُن ليُكَذَب إذ قد عُرف خاصة بين قومه بالصادق الأمين، وكان مؤمَنًا دون غيره حتى بعد دعوته على أمانات القوم لثقتهم في صدقه وأمانته المُطلقة، فهم لا يكذبونه هو شخصيًا على أية حال، ولكنهم بآيات الله يجحدون، والجحود هو ما يكون ضد الاعتراف بالشيء ولا يكون إلا مع علم الجاحد به في قرارة نفسه أن هذا الشيء صحيحًا.
وهذا عين ما حدث مع مسيح الله الموعود من قِبَل عدوه اللدود زعيم فرقة أهل الحديث المولوي محمد حسين البطالوي، إذ كان قبل دعوة حضرة سيدنا أحمد عليه السلام أنه هو المسيح الموعود قد وصفه البطالوي وقال عنه: "أنه رجل مثابر في خدمة الإسلام، بالقلم واللسان، والحال والمال، وغير ذلك، حتى أنه من النادر أن تجد له مثيلًا بين المسلمين. ومن اعتبر قولنا هذا مبالغة.. عليه أن يقدم لنا أسماء ثلاثة أو أربعة ممن قدموا للإسلام خدمات مثل ما قدم هذا الرجل، وعليه أن يعدد لنا بضعة أشخاص بمثل هذه الصفات الذين اضطلعوا بأعباء خدمة الإسلام بالمال والنفس والقلم واللسان والحال أيضًا" [مجلة إشاعة السنة مجلد7 عدد6 ص169-170 في التعليق على كتاب البراهين] إذًا فإنهم لا يكذبونه، فما كان ليُكَذب عليه الصلاة والسلام أصلًا، بل كان يجب أن يكون قبل دعواه نبراسًا غير مُنكَر القول لتقوم الحجة من بعد على من أنكر، وليتجلى قول الله دائمًا: «فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله أفلا تعقلون».
وإنه ليجدر بنا القول في هذا المقام بأن قول البطالوي في حق حضرة الإمام قبل دعوة حضرته لا يهمنا فيه أبدًا مدحًا ولا إعلاء الشأن أو تقريظًا بقول أو تعزيزًا بفعل، فإن حضرته مرفوعٌ ذكره سلفًا وأزلًا من الله العزيز؛ إنما المهم في قول هذا اللدود هو إحاطته علمًا آنذاك بحال التردي للدين وأهله، وانعدام من يذب عنهم ومن يرد على العدو بالحق حقده وجهله. ثم لمّا توسم حضرة سيدنا أحمد وسام المسيح الموعود والإمام المهدي المعهود من الله الحميد المجيد، أنكر هذا اللدود فعل الله وجحد! على الرغم من انمحاء أي أثر في زمانه لصادقٍ أمين ونافع سوى هذا الأحمد بحسب قوله سالف الذكر فلقد حقد، فأعماه حقدا عن حقٍ قاله وأقره، وعن عادة إلهية يعلمها ويحفظ:
«وهو الذي يُنزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد» إن الغيث لنافع، وليس لعاقل أن ينكر نفع الغيث، بل يُقره ويعلمه ويروج له. ولما يكون الجفاف والجدب قد طال، واستطال معه القنوط وسوء الأحوال.. فينزل أخيرًا المطر صيبًا نافعًا، فيخرج من ينكر هذا المطر ويرفضه فماذا يكون؟ يكون جاحدًا لرحمة الله ومنكرًا لآياته البينات، وبالتالي فلا مجال لنقول أن رفض المُنكر للغيث لفساده..، فمعلوم عنده نفع الغيث ومعلوم لديه حاجة الناس والأنعام والحرث ومرئيٌ له وطأة الجدب والجفاف.. فلما لا يكون مقابل كل ذلك منه إلا الإجحاف فقد ظلم وأنكر آيات الله بعدما صدَّق وعلم.
يقول حضرة المسيح الموعود في كتابه "لجّة النور": «فهذا هو الأمر الذي اقتضى مُصلحًا بينهم من السماء، وكذلك جرت عادة الله في السابقين من أهل البغي والغلواء. وقد كتب الله قصة قوم نوح وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم صالح في القرآن، وأشار إلى أنهم أرسلوا كلهم عند الفتن والفسوق وأنواع العصيان، وما عُطّلت هذه السنة قط وما بُدلت، وما كان الله نسيًا كنوع الإنسان. فكفاك هذا لمعرفة سنن الله إن كنت تطلب دليلًا، ولن تجد لسنة الله تبديلًا» [ص35].
يبقى من يقول: "لكن لا نبي بعد محمد ﷺ وهو خاتم النبيين فكيف يكون؟" فلا جواب لهذا الاعتراض إلا السؤال: ألا تنتظر أنت نفسك نبيًا هو المسيح عيسى ومبعوثًا سماويًا هو المهدي الذي تنتظر؟ فإن كنت من أولئك فاعلم أن ذلك حق، وفهمك عطبٌ وباطل، فلا تنتصر لفهمك القاصر على آيات الله وسننة التي علمتها فتكون من الظالمين الملعونين الذين قال الله فيهم: «فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين».
.:

السبت، 21 يناير 2017

الجماعة الإسلامية الأحمدية، والإيمان مربط الفرس


بسم الله الرحمن الرحيم .. نحمده ونصلي على رسوله الكريم

 *
إن الجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة مرغوبة عمومًا. ومن حيث التعاليم والفكر والتفسيرات فهي تُعد الأبرز من بين كثير من الجماعات المتميزة، ولكن هناك ملاحظات مهمة وجب تبيانها:
أولًا■ يجب أن نعلم أن الجماعة الإسلامية الأحمدية مبنية أساسًا على الإيمان ببعثة المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام، في الوقت المُحدد والمناسب والضروري، وليست مجرد منهج جميل يمكن أن نبدله بغيره قد نراه فيما بعد أفضل من وجهة نظرٍ ما. فالمنهج الأحمدي مبني في الأصل على الإيمان بالمبعوث السماوي وليس العكس.