♦أولًا/ أحاديث الباب في صحيح البخاري
ورد الحديث في صحيح البخاري في باب "صفة إبليس وجنوده" كتاب "بدء الخلق"، وفي نفس الباب من هذا الكتاب وردت الأحاديث التالية التي تبدو أنها تناقضه وتناقض فكرته بالتفرد لعيسى ابن مريم بالتنزه من مس الشيطان..:—
☐حديث ① «لَوْ أنّ أحَدَكُمْ إذا أتى أهْلَهُ قالَ: جَنِّبْنِي الشَّيْطانَ وجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنِي، فإنْ كانَ بيْنَهُما ولَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطانُ، ولَمْ يُسَلَّطْ عليه» وقد ورد في نفس كتاب "بدء الخلق" من الجامع الصحيح للبخاري وفي نفس الباب "صفة إبليس وجنوده"
▐ فإذا كان الزعم بأن ابن مريم الوحيد هو الذي لم يصبه الشيطان بطعنة بحسب الفهم الشائع عن ذاك الحديث، فهذا الحديث يقر بأن الشيطان لا يضر أي مولود لأبوين دعيا بالدعاء المذكور مخلصين الامر لله، بل لا يُسلط عليه الشيطان أصلًا.
☐ حديث ② وقد ورد في نفس الباب أيضًا وذات الكتاب من صحيح البخاري عن علقمة قال: «قَدِمْتُ الشَّأْمَ، فَقُلتُ: مَن ها هُنا؟ قالوا أبو الدَّرْداءِ، قالَ: أفِيكُمُ الذي أجارَهُ اللهُ مِنَ الشَّيْطانِ على لِسانِ نَبِيِّهِ ﷺ؟ حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عن مُغِيرَةَ، وقالَ: الذي أجارَهُ اللهُ على لِسانِ نَبِيِّهِ ﷺ يَعْنِي عَمّارًا..«
▐وهذا الحديث كذلك ينص على كون شخص آخر من بني آدم قد أجاره الله من الشيطان، وإن إجارة الله للشخص لتعني أن الله يعطيه العهد بالحماية والأمن، وصرف الشيطان عن قصده فيه، ودافع الله عنه وأنقذه.
)صحيح إن تلك الإجارة كانت بعد إسلام عمار لكنها مع الحديث السابق، أن الشيطان يتجنب الإنسان منذ ولادته، توافق المعنى بأن ليست الحماية من الشيطان موقوفة على ابن مريم فحسب إنما هي لكل من آمن واتقى(
⌂⌂⌂
♦ ثانيًا/ الحديث في أبواب أخرى في البخاري
وفي باب ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ من كتاب "أحاديث الأنبياء" ورد الحديث «سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ، يقولُ: ما مِن بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إلّا يَمَسُّهُ الشَّيْطانُ حِينَ يُولَدُ، فَيَسْتَهِلُّ صارِخًا مِن مَسِّ الشَّيْطانِ، غيرَ مَرْيَمَ وابْنِها ثُمَّ يقولُ أبُو هُرَيْرَةَ: "وإنِّي أُعِيذُها بكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ" [آل عمران: ٣٦]» في باب ﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ وهو من كتاب "التفسير" ويورد نفس رواية الحديث لكن مع ذكر مريم وابنها، أي عدم تفريد عيسى عن مس الشيطان.
⌂⌂⌂
♦ ثالثًا/ الحديث في صحيح مسلم
أما في صحيح مسلم فيذكر الحديث بذات اللفظ الذي ورد في الجامع الصحيح في البابين الأخيرين هكذا "ما مِن مولودٍ وُلِدَ، إلّا نَخَسَهُ الشيطانُ، فيَستهِلُّ صارخًا مِن نخْسِةِ الشيطانِ، إلّا ابنَ مريمَ وأُمِّهِ" أي جمع مع عيسى أمه في الوقاية من نخسة الشيطان وقت الولادة.
ونجد أن الحديث يقع في كتاب "الفضائل" باب "فضائل عيسى" ولا يخصص عيسى وحده بهذه الأفضلية أيضًا، بل في كلتا روايتيه في هذا الباب يجمع أمه معه.
⌂⌂⌂
♦ رابعًا/ نتيجة نقد الحديث
فبعد عرض كافة الروايات لهذه الحديث في الصحيحين، والأحاديث المتصلة بها في أبوابها (يعني المصنفة موضوعيًا ضمنها) خلصنا إلى:
❶عدم تفرد عيسى المسيح من بين جميع الخلق بالوقاية من مس الشيطان، وأن هذا الحديث كان تمييزًا له عن قومه فقط، أي جميع بيت إسرائيل فحسب، ذلك بسبب غفلتهم الدائمة وجنوجهم المستمر عن منهج الله.
❷ليس ذلك فحسب بل قدمت الأحاديث عدم تفرد المسيح حتى في إطار بيت إسرائيل نفسه، فقد أكدت الأحاديث حمل أم المسيح لهذه الميزة قبله ومعه أيضًا، ولكن لكونها انثى لم يلتفت المسيحيون بكونها منزهة عن مس الشيطان لقول بولس: «وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي» (١ تيم٢/ ١٤)..
❸والمعروف بحسب الإسلام وبحسب كلام نبينا ﷺ قوله: «كانَ النَّبيُّ يُبعَثُ إلى قومِه خاصَّةً وبُعِثتُ إلى النّاسِ عامَّةً» فكان هذا قصده في حديثه عن ابن مريم وعدم مس الشيطان له، إذ حصره في قومه فقط ليس أكثر. بينما لما تكلم عن عموم أمته، وقد بُعث للناس أجمعين، فقد قصد بأن الشيطان يتجنب ذرية كل من يدعو بالدعاء الذي ذكره مخلصًا، وذلك على العموم وبلا حصر.
⌂⌂⌂
♦ خامسًا/ المقارنة مع نصوص الإنجيل
ومع عدم التفرد المُطلق للمسيح من مس الشيطان الواضح من الأحاديث النبوية دونًا عن بقية الخلق، نجد المسيحيون أنفسهم، وبناء على نصوص إنجيلية واضحة، يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن الشيطان كان له السلطان التام عليه، إذ ابتدأ معه منذ ولادته (لو ٢/ ٢١-٢٢)، إذ لما ولد يسوع كان يحتاج "هو وأمه" للتطهير بواسطة الختان له، وبانقضاء فترة النفاس لأمه. فهنا هو لم تلازمه الطهارة منذ بدءه، علاوة على تسببه في تلويث أمه.
ولو نظرنا بالمقارنة في نفس الحدث مع النبي الأعظم محمد ﷺ لوجدنا عنه حديثًا مشهورًا يذكر فيه: «مِن كَرامَتِي على ربِّي أنْ وُلِدتُّ مختونًا ولم يرَ أحدٌ سوْأَتِي» فقد لازمته ﷺ الطهارة منذ أن كان في بطن أمه.
⌂⌂⌂
◇ نرجع إلى يسوع الإنجيلي وعلاقته بالشيطان..
✟ إذ اختبره إبليس كما في (مت ٤/ ١-١١) (مر ١/ ١٣) (لو ٤/ ١٢): حيث لازمه لأربعين يومًا متصلة يجربه ويختبره ويُعلّمه.✟كما لازمه بقية حياته (لو ٤/ ١٣): حيث أعلن لوقا أن إبليس تركه بعد اختباره الأربعيني فقط لفترة قصيرة وليس طوال الوقت.
✟ وكذلك وجههُ وأمره وقام يسوع الإنجيلي بتنفيذ أوامره (مت ٨/ ٣١-٣٤) (مر ٥/ ١١-١٦) (لو ٨/ ٣١-٣٥): كما نرى في حادثة طلب الشياطين منه أن يقتل قطعان ترعى من الخنازير، بغض النظر عن حقوق الرعاة الذين يملكونها، وبغض النظر حتى عن أدنى رحمة للحيوان.
★★★ فبناء على السابق ذكره، نطلب من المسيحيين التزام نصوص كتابهم التي لا تنزه معبوهم بالقدر الكافي، بل تثبت تأثير الشيطان عليه تمامًا، فعليهم ألا يلجئوا إلى كتب الغير لالتماس النزاهة المفقودة عندهم لمعبودهم فيها.. فهي لا تسعفهم. فإن هذه الكتب –كما اتضح– لا تخص المسيح وحده بهذا التنزيه، بل إنها تمنح هذا التنزيه أيضًا لمن هو أعلى منه بل ولأقل منهما في حال التقوى.
◆ فيا أعزائي المسيحيين إن #الترقيع_في_العقيدة_المسيحية
في
هذه الحالة لن يفيد، فكتابكم فيه الفتق (يعني المزق) بوضوح، وكتب غيركم ليس فيها
الرتق (يعني الترقيع) الذي تطلبونه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق