الخميس، 21 أبريل 2022

⟨حصر بالتصريحات اليسوعية المائعة، في إثبات الألوهية الضائعة⟩

 

الوحدانية واللا محدودية

من المعلوم عند المسلمين والمسيحيين واليهود على حدٍ سواء أن الله غير منظور وغير محدود. ولقد قال الله جل جلاله بتصريح قرآني متناهي الوضوح والتحديد والدقة في القرآن العظيم: «إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ» فشمل هذا التصريح إعلان عن الذات الإلهية، والإعلان بوحدانيتها، والتكليف الصادر منها، العام (العبادة) والخاص (الصلاة والذكر).

المحدودية بالتجسد

ولكن لما أراد الله تنفيذ خطة الخلاص للبشرية بتنازله ليتجسد، بأن يموت قتلًا وهو متجسد (بحسب الزعم المسيحي)، أفليس من المنطقي أن يعطينا تصريحًا جليًا لا شك فيه، ولا مواربة مثل ذاك الذي ذكره بوضوح وقوة «إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ»؟!

لماذا لا نجد ذلك في الإنجيل فيما يخص المسيح!؟ ألعله لا يوجد! أم أنه موجود وغير بيِّن؟! فبهذا كأنه لم يوجد أصلًا، فما من عقيدة صحيحة تُبنى على أوهام وتهيؤات.

التصريحات المائعة

فلماذا لا نجد في العهد الجديد إلا كلمات مائعة لا تُسمن ولا تُغني من جوع حول نسبة الألوهية ليسوع!؟

فهل كلمة «رب السبت» أو «أنا هو» تكفيان لجعل شخص ما مرئي ومادي، مهما عظم شأنه، وعلا عمله أن يكون إلهًا؟!

أليست كل مرحلة تتطلب تعريفًا جديدًا لمعطياتها، خاصة إذا حصل تغير جذري في المعطيات الأساسية؟! 

لقد كنا ننتظر تصريحًا أوضح وأجلى وأقوي من قول الله في ملكوته، وهو المحجوب بذاته عن الأنظار: «إِنَّنِیۤ أَنَا ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِی وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِیۤ» أو حتى يضاهيه؛ لكننا فوجئنا به متجسدًا يتحرج من نطق اسمه وصفته بوضوح وسط تلاميذه، ويخشى إعلان نفسه بجلال وقوه بين أعداءه!!

أإيمانٌ على الموائع؟!

فلِما الحرج وهو بين تلاميذه من إعلان اسمه وصفته؟! ولِما الخشية (التي عبر عنها بالصمت) وهو بين أعدائه! ما دام عالمًا أن نتيجة المخطط الخلاصي هو موته؟؟! ولا أحد سينال منه بشيء إلا إذا أتى وقته؟! فإذا كان هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، فلماذا يتكلم عن نفسه هنا بألغاز حمالة أوجه، ولا يُفهم منها أنه إلها إلا بتفسيرات متكلفة على كلماته!!؟

ولمّا هو تحرج وخاف من إعلان نفسه واسمه في الجسد، كيف يمكنكم مطالبتنا بالإيمان به بناء على: لا اسمٌ واضح، ولا وصف ناصع، ولا عمل مُعجز إلجائي (بحيث لا يُلجئ رائيه إلا إلى الاعتراف به إلهًا)؟؟؟ (لاحظ أن كل "معجزة" عملها يسوع لم تكن من النوع الإلجائي لجعله إلهًا، بل قيل على لسان الناس بعد أحدها، بل وأكبرها: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ») كما أنه لم ينفرد بتلك المعجزات أصلًا، فكيف تحكمون!

تثبيت التصريحات المائعة

نعم يسوع رب السبت

إن كلمة «رَبُّ السَّبْتِ» لا تعني إلا المحافظ على السبت ومُعطيه حقه، [بدليل] أن الله في العهد القديم لم يُذكر ولم يُعرف بهذا الوصف ولا مرة مطلقًا… فهي لا تعني أبدًا أنه ذو سلطان على السبت، بل رب السبت أي مقيمه فحسب [بدليل] قوله: «السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. إِذاً ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضاً» بمعنى، كما جعل الله السبت لرفعة الإنسان روحيًا، فأنا أرفع السبت أيضًا لمقامه الروحي، بعد أن جعلتموه جامدًا ماديًا. فلو كان ليسوع سلطان ألوهي على السبت بحيث يقدر أن يلغيه لقال (أنا إله السبت).

نعم هو ابن الله

كما أن كلمات «أَنَا هُوَ» في الأناجيل، لا تعبر بذاتها عن كينونة إلهية أبدًا، [بدليلين] أنها أولًا لم تكن في ولا مرة ردًا على سؤال (هل أنت الله؟)، بل كانت ردًا طبيعيًا على تساؤلات «أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟» فكان الرد اليسوعي «أَنَا هُوَ» أي أنا هو ابن الله، وقد بينا بوضوح صامت ماذا تعني هذه الكلمة في كل الكتاب المقدس[1] وثانيًا أنه خاف في مرات أخرى كادت تصل إلى درجة الإنكار، لأن يقر بها صراحةً، فاستعمل أسلوب الدرء، ليرد عن نفسه تهمًا تلاحقه، فقال في رده على نفس السؤال: «أَنْتَ قُلْتَ!» يعني لم أدعي أنا ذلك، إنما أنت الذي قلت.

يسوع معادلًا لله؟!

وحتى هذه الكلمة (الواضحة) لم تصدر من فم يسوع، إنما هي فهم قوم لا يفقهون، ثم استلمها المسيحيون كعقيدة... وتفصيلها هكذا:-

«وَلِهَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ عَمِلَ هَذَا فِي سَبْتٍ. فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: "أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" هنا [انتهى كلام يسوع المسيح] وهنا [ابتدأ توضيح من الكاتب لسوء فهم اليهود، فقال:] فَمِنْ أَجْلِ هَذَا كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ [بحسب فهمهم] بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللَّهَ أَبُوهُ مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِاللَّهِ”. ثم قدم كلام يسوع الذي يوضح فيه موقفه قائلًا: "لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ» يعني أنه ينفي أمامهم معادلة نفسه بالله، وخضوعه لكل أوامره. ولكنهم (أي اليهود) هم الذين فهموا ذلك لأنهم كانوا يتصيدون له خطأ.

المقارنة البشرية والكينونة القبْلية

مساكين والله هم المسيحيين، ووالله إني لأشفق عليهم، شفقة الأخ الحزين، فإنهم يفتشون الكتب بحثًا عن تصريح واحد واضح يسد الرمق إثباتًا لألوهية شخص! ولا يجدون، فيغرقون الدنيا بكلمات عادية، اعتبروها هم تصريحات تثبت الألوهية، وها نحن نحصرها، ولعل آخرها قول يسوع: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ». فأولًا ألا يلاحظون أن مقارنة يسوع نفسه ببشر تنفي عنه صفة الألوهية؟! ثم مفاضلة نفسه عن بشر تنفي عنه الألوهية أكثر وأكثر، ومن ذا الذي قال أن الوجود الروحي لا يمكن أن يسبق الوجود المادي، بل هو سابقه، فوجود يسوع في عالم الروح سبق وجود إبراهيم في عالم الدنيا بعلم الله، فإن الله يعلم مصير الأمم، وقدّر لها الرحمة، تنالها حين تشرف على التهاوي. فحتى المؤمنين مختارين عند الله بالروح قبل وجودهم الجسماني، ألم يُقال «كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ» أفيكون المؤمنين بذلك آلهة!!

الآية «ذَاكَ يُمَجِّدُنِي لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ» يو ١٦/ ١٤، ١٥

حول هذه الآية، فبالاطلاع على أكثر من نسخة، من نسخ الكتاب المقدس المترجمة، وجد أنها وقعت تحت كثير من تغيير علامات الترقيم، ما أدى إلى اختلاف القراءة فيها.

إذ وجدنا جملة "كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي" موجود معها في نفس سياقها كلمة "وَيُخْبِرُكُمْ" تسبقها، وبهذا يكون الشكل كالتالي ”ويبين لكم جميع ما للآب هو لي“ [هكذا وردت في إحدى الترجمات] فيكون المفهوم الواضح منها، تمامًا مثل ما يُفهم من الآية القرآنية ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ﴾ والحديث «مَن أطاعَنِي فقَدْ أطاعَ اللَّهَ، ومَن عَصانِي فقَدْ عَصى اللَّهَ»[2]

إذن فكما يقدم الإنجيل في هذه الآية، سيخبرنا الروح القدس بهذه التعاليم، الواردة من الله، بأن كل ما هو له عز وجل (أي ما يجب أن يُقدم له تعالى من جهتنا، من فروض الامتثال والطاعة، والحب، ينبغي أن يكون لمبعوثه أيضًا) [بدليلين] أولهما أن ما سبق وتكلم عنه المسيح في نفس الإصحاح كان سياق وعظي إرشادي تعاليمي، وليس سياق عقائدي ألوهي مطلقًا. والثاني، قوله أن هناك كثير من الأخبار ليقولها، ولكنهم لن يستطيعوا تحملها الآن. فإذا كان أقصى ما يمكن عدم استطاعة فهمه عند البشر هو طبيعة الإله، فكيف يكون قد قصد يسوع من قوله: «كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي» هو الإشارة إلى الطبيعة الألوهية وإرادة عبادتها!!!؟ وإلا فهذه لوحدها كفيلة لإثبات أن يسوع لم ينطق بكلمة فيها أمر بعبادته أبدًا طوال حياته.

هوامش



[2] تم الاستعانة بالآية القرآنية والحديث النبوي فقط للتوضيح، وليس للاستشهاد أو الاستدلال.