الأربعاء، 28 أبريل 2021

هل أجرى يسوع المسيح شيئًا من أعمال الألوهية؟ (الخلق)

إن الجواب المباشر والمختصر على هذا السؤال هو النفي التام، أي لا، لم يقم يسوع المسيح بأي شيء من أعمال الألوهية مطلقًا.

• الموضوع (يسوع خالق)!

نشرت إحدى صفحات التنصير المسيحية فيديو يروج لعدد من الأسئلة وأجوبتها التي تستهدف العقول الساذجة بالتدليس والتلبيس فكان أحدها يقول التالي:

«لماذا يعطي الله المسيح لو كان نبيا مثل باق الأنبياء أن يخلق ويحيي العظام وهي رميم ويعرف الغيب؟ فهذه الأعمال خاصة بالله!»

وبطبيعة الحال، يعتمد القائمين على صفحة مثلها على قلة وعي أكثر متابعيهم والمتأثرين بهم.. فيطلقوا بالونات هذه الكلمات موقنين بأنهم لن يُراجعوا فيما قالوا..

• الرد بالتفصيل

ولكن الحقيقة ومن واقع الكتاب المقدس أيضًا تَثبُت بما قلناه في بداية كلامنا، أي أن يسوع المسيح لم يقم بأي أمر من أعمال الخلق الإلهي أبدًا، فالأناجيل الإزائية الأربعة المعروفة لم تذكر عن هذه الفكرة شيء على الإطلاق، بل ذكرت كما سنشير إلى خلاف ذلك تمامًا، أي أنه مخلوق كباقِ الخلق.

- أما قصة أن يسوع قام بخلق طيرًا وجعلها تطير، فيجدُر بنا أن نذكر أن جمع الكنائس بلا استثناء رفضت تلك الأناجيل التي ذكرت حول هذه القصةِ خبرًا عنه، بل واعتبرتها قصصًا موضوعة وخرافية وغير قانونية. ومن الأناجيل المنحولة[1] التي أوردتها: إنجيل توما الإسرائيلي الذي يعود إلى القرن الثاني الميلادي، وإنجيل الطفولة الذي يرجع تدوينه إلى القرن السادس الميلادي لمّح إلى القصة أيضًا، وإنجيل متى المنحول في القرن السادس..

أما الأناجيل الأربعة القانونية (التي اعتمدتها الكنيسة واعتبرتها نصوصًا مقدسة) فلم تُشر إلى قصة الخلق هذه لا من قريب ولا من بعيد!

فما نرى سلوك أمثال هؤلاء المُنصرين إلا تلبيسًا على البسطاء للتأثير عليهم؟؟!!

فتعالوا لنرى الحقيقة من واقع النصوص..

• في أناجيل العهد الجديد

وبالدخول في سياق الأناجيل المرضي عنها لدى الكنائس، نجد فيها إقرار يسوع المسيح بأن الله وحده هو صاحب الخلق والأمر فيقول: «إنَّ اللهَ قادِرٌ عَلَى أنْ يَخلِقَ مِنْ هَذِهِ الصُّخُورِ أولاداً لإبْراهِيْم»[2] [3]؛ فلم ينسب المسيح فعل إمكانية الخلق لوجوده الشخصي الواقف أمام الناس كما هو واضح بجلاء.

وفي إنجيل يوحنا يُذكر: «فِي البَدْءِ كانَ الكَلِمَةُ مَوْجُوداً، وَكانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ، وَكانَ الكَلِمَةُ هُوَ اللهَ. كانَ الكَلِمَةُ مَعَ اللهِ فِي البَدْءِ. بِهِ خُلِقَ كُلُّ شيءٍ، وَبِدُونِهِ لَمْ يُخلَقْ شَيءٌ مِمّا خُلِقَ»[4] وباختصار نقول حول هذا النص بناء على اعتقاد المسيحيين أن يسوع المسيح مبدئيًا لم يصف نفسه في أي مكان في الكتاب بأنه كلمة الله! بل حينما أراد وصف نفسه قال: «أنا هُوَ الطَّرِيِقُ وَالحَقُّ وَالحَياةُ»[5] يعني ما هو إلا أنه الوسيلة الموصلة إلى الله، وأنه صادق في دعواه، وأن اتِّباعه ذي جدوى ومبشر بالنجاة والفوز، وهذا كما لا يخفى هو كذلك وصف أي نبي.

ثم حين نأتي على القول: «بِهِ خُلِقَ كُلُّ شيءٍ» فمن ذا الذي يقول إنها تعني أن يسوع خالق؟! أيُعقل أن يفهم قولي: "رَفَعْتُ الرافعة" بأنه هو نفسه القول: (رَفَعْتُ بالرافعة)! فما هذا إلا تشبيه البلهاء الجُهَّل، إذ أن الفرق شاسع للغاية.

فسيفساء بيزنطية في مونريلي، صقلية. القرن الخامس عشر تصور المسيح بأنه خالق العالم

فكأن الله يقول (خلق الله الكون بواسطة فلان)[6] ولكنه لم يقل (خلق فلان الكون) ففلان هذا ما هو إلا سببًا تم إيجاده من الخالق لاستمرار عملية الخلق؛ وهذا معنى "به خُلق كل شيء" فلم يكن المُشار إليه في هذه الفقرة الإنجيلية هو خالق شيء بالمرة.

وفي هذين الأمرين يلتقي معنا بولس الرسول أيضًا فيقول: «اللهُ واحِدٌ، وَالوَسِيطُ بَينَ اللهِ وَالنّاسِ واحِدٌ هُوَ الإنسانُ يَسُوعَ المَسِيحِ»[7] فهو أولا يُقر بأن يسوع إنما هو وسيلة صادقة ومبشرة، وثانيًا يقر بأنه واسطة بين الله الخالق وخلقه كالرافعة (المثال أعلاه)، ولا بد أن تكون الواسطة مخلوقة.

ولا ندري ماذا نُسمي شخص مولود من رحم امرأة وقد شهد الكتاب المقدس بذلك[8] إلا أنه مخلوق! حتى أنك تسمع كلمة الأشقاء في لبنان إذا ولد لديهم مولود قالوا: "خِلق".

• بيان حقائق القرآن الكريم

وكذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[9] أيعني ذلك أن هذا الماء المادي هو قديمًا أزليًا كقِدم الله وأزليته عز وجل؟! كلا وحاشا. فكذلك القول في إنجيل يوحنا «بِهِ خُلِقَ كُلُّ شيءٍ» والذي يُستبعد أن يكون قُصد به يسوع أصلًا كما وضحنا.

أما عن قول المسيح في القرآن الكريم: {أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ}[10] فليعلم حول هذا كل عاقل أولًا بأن ذلك ليس خلقًا من عدم (كما بينّا)، وهذا الأمر فقط ينفي كونه خالقًا أصيلًا. فإن الذي يتفرد بهذا الأمر أي الخلق والإيجاد من عدم هو الله عز وجل وحده فقط ولا أحد سواه أبدًا. أما المسيح فقد استعمل الطين الموجود مسبقًا أصلًا، ثم استعان بالله.

وثانيًا فلا بد أن نفهم المعنى المفيد الناتج عن تحويل الطين إلى طير، فنسأل هنا: ما الذي ستستفيده البشرية من مجرد تحويل طين الوحل المادي إلى عصفور يطير؟! لا شيء، إلا أن المعنى المقصود والمفيد للإنسان والبشرية من جعل الطين طيرًا هو أنه يحول تلك النفوس المادية التعيسة التي تخوض في وحل وطينة الدنيا الدنية، يحولها إلى نفوس نورانية سعيدة تطير في سماء الروحانية، إنه "يخلق من الفسيخ شربات" كما يُقال في المثل المصري الشعبي، أي يجعل من ذلك النتن حُلوًا وعذبًا وسُكّرًا…

ثالثا لو كان مقصود الخلق في الآية أنه خلقًا حقيقيًا من عدم، وليس تحويلًا من حالة طينية رديئة إلى حالة روحانية مُضيئة، لما أعقبها في الآية بذكر ما هو أقل منها في الشأن المادي. فإذا قلت مثلًا أنني قادر على حمل وزن طن، أي ألف كيلو جرام، فلا يُعقل أن أستطرد متابعًا لأقول وكذلك قادر على حمل خمسين كيلوا جرامًا وعشرين وأقل فأقل، فذلك مما لا يستقيم مع المنطق والعقل بل ونصف العقل أيضًا، إذ ذكر القرآن عن المسيح قوله: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}[11] ذلك كله بعدما ذكر أنه يخلق!! إذ يُلاحظ هنا أنه يتدنى في الأعمال الإعجازية ولا يرتفع، وإلا فكان الأولى أن يذكر بأنه يخلق في آخر هذه الأعمال، ولكن هذا لم يحدث، ما يعني أن كل هذه الأعمال إنما هي تحويل من حال إلى حال، فيحول الأشقياء المغروزين في طين الدنيا إلى سعداء مُحلقين في فضاء الروحانية، وهذا هو الخلق من الطين طيرًا، ويُبرئ الأكمه، أي يفتح بصائر العميان الذي كانوا يرون ولكنهم لا يبصرون، مصداقًا لقول الله عز وجل: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[12] وكذلك عن البرص[13] فالمقصود به مرض روحي يصيب الإنسان، فيأتي المبعوث الرباني ويبرئ كل من كان به مصاب، ويؤهله لاستقبال أشعة شمس الروحانية بكل ارتياح وسعادة وصفاء بعدما كانت تؤذيه ولا يُطيقها في السابق.. 

أما عن إحياء الموتى، فقد تكلمنا حول هذا الموضوع تفصيليًا ويمكن الاطلاع عليه في الرابط أدناه[14] وعن قوله "وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" فهذا يدخل في موضوع الغيب الذي سنسبره عما قريب استكمالا لجواب السؤال

 

 

الهوامش والمراجع



[1] منحولة أي كتابات لا تعبر عن العقيدة الرسمية للكنيسة.

[2] لو 3/ 8

[3] اعتمدنا في اقتباسات الكتاب المقدس لهذا الموضوع على نسخة الكتاب المقدس "الترجمة العربية المبسطة (ت.ع.م)" عن المركز العالمي لترجمة الكتاب المقدس 2009.

[4] يو1/ 1-3

[5] يو 14/ 6

[6] ومن مثل هذا القول في التراث الإسلامي: "روى عبد الرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء. قال: يا جابر، إن الله تعالى قد خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى.." [المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للقسطلاني، المكتبة التوفيقية، القاهرة ج1، ص48] ولم يُذكر بعد مثل هذا القول وأمثاله كثير أن محمدًا خالق!

[7] 1تم 2/ 5

[8] قال القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية: «لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ» غلا 4/ 4-5

[9] (سورة الأنبياء: 31)

[10] (سورة آل عمران: 50)

[11] (سورة آل عمران: 50)

[12] (سورة الحج: 47)

[13] البرص يعد من الاضطرابات الصبغية الجسدية المتنحية، وفقدان صبغة الميلانين، ومن أعراضه في حال التعرض لأشعة الشمس أن يصاب المريض ويعاني من بعض الحروق. ومن أسبابه جود بعض العيوب الجينية المتعددة التي تجعل الجسم غير قادر على إنتاج الميلانين أو حتى العمل على توزيعه، ومن الممكن لهذه العيوب الجينية أن تنتقل بين الأجيال أي وراثيًا.