الأربعاء، 27 أبريل 2016

دلائل وفاة المسيح الناصري من القرآن الكريم [5─10] (غرابة قول المعارضين، والاستيناس بقول محمد ﷺ)

ونحن في شهر رجب، ذلك الشهر المعظم، نجد أنفسنا في مواجهة موضوعين يتعلقان بنفس العلة، ففي السابع والعشرين من هذا الشهر الكريم يحتفل المسلمون بمناسبة تحظى بكثير من الأهمية في الأوساط الإسلامية ألا وهي رحلة الإسراء والمعراج، ففي شأن الإسراء قال الله تعالى:
«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» [الإسراء] وفي شأن المعراج قال سبحانه: «وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى* مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى» [النجم] ويتبلور فكر المسلمين التقليديين عن هذه الرحلة المباركة أن الرسول محمد قد انتقل فيها سواء إلى المسجد الأقصى أو إلى السماوات العلى بجسمه وروحه معًا، بأن ترك مكانه وانتقل إلي هاتين النقطتين! ولندع مؤقتًا شأن الإسراء ─في هذا الموضوع على الأقل لحين إفراد له موضوع مستقل─ ولنركز على حادث المعراج، ففيه نواجه معارضات قرآنية صريحة تقف أمام هذا التصور التقليدي الذي تبناه المسلمون اليوم! إذ يقول الله لرد هذا الزعم الخرافي في معرض رده على دعاوى المشركين حين قاموا بسرد طلبات تعجيزية من أجل أن يحققها الرسول محمد لتكون شاهدة على مصداقيته بالنسبة لهم فذكر الله من ضمن ما قالوا:



لقد طلب معارضي محمد ﷺ منه أن يصعد إلى السماء ويبقى فيها فرد عليهم أن سبحان الله هل ترونني أكثر من بشر أرسلت إليكم؟ ومع هذه الآية نجد أنفسنا الآن أمام أربعة مواجهات عند قراءتنا لها، وهذه المواجهات هي كالتالي:▬
 
المواجهة الأولى، إذا افترضنا أن حادث المعراج قد تم قبل هذا الطلب من المشركين، فلما لم يستشهد به الرسول ويقدمه كحجة عليهم، لا سيما أنه أثبت رحلته الإسرائية ─على الأقل─ بإجابة جميع تساؤلاتهم حولها، وإن كانوا لم يصدقوه أيضًا!.

المواجهة الثانية، إذا افترضنا أن حادث المعراج لم يكن قد حصل بعد، فهل يمكن أن نعتبر أن وقوعه فيما بعد هذه الآية استجابة إلهية لطلب المشركين ليقيم عليهم الحجة؟ إذا افترضنا ذلك جدلاً فلماذا قال الله في هذه الآية «قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا» أي لماذا نبّه الله نبيه ليقول لهم أن ذلك ليس من مقتضى الحكمة ولا المنطق، فلست أنا إلا بشر، وما تطلبونه مناف لقانون الله «سبحان ربي» الذي عينه للبشر «هل كنت إلا بشرًا» وما الرسل إلا بشر وأنا بشر «رسولا».

المواجهة الثالثة، وهي صُلب موضوعنا، فإذا كان الله عز وجل قد أمر رسوله بأن يقول لقومه الذين طلبوا منه الصعود إلى السماوات والبقاء فيها، بأن ذلك منافي لقوانين الله في الطبيعة البشرية وذلك حين ذكر الأمر «قل سبحان ربي»، وبرر ذلك بعلّة «هل كنت إلا بشرًا رسولًا» فلِكون الرسول بشر، فلا يمكنه ولا تُمَكِّنهُ طبيعته البشرية على الصعود بجسمه المادي إلى السماوات العلا فضلا عن المكوث لأكثر من ألفي سنة! فهل يكون من العقل والمنطق والمقبول أن يقول سبحانه الكلام ثم يخرقه في موضع آخر؟ بل والطامة الكبرى أن يكون أجراه سبحانه في المسيح ─أي قبل محمد─ وأنكر مقبولية إجراءه في محمد؟! إن هذا لشيء عجاب.

المواجهة الرابعة، وهي مهمة الرسول، فحينما قال ﷺ «سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولا» ردًا على طلبهم أن يرقى في السماء أي أن يصعد إليها ويبقى فيها، قصد أن مهمة الرسول أن يبقى وسط من بُعث فيهم لا أن يتركهم ويبقى في السماء، ففضلًا عن كون طلبهم منافي للعقل والمنطق، فهو منافي للحق أيضًا وهو طلب خبيث رده الله، وكان رده عامًّا يقع على حال كل الرسل والبشر.

ومن هذه المواجهات الأربعة يمكن أن نستنتج التالي:▬

1/ أن لا محمد صعد إلى السماء، ولا المسيح عليه السلام أيضًا صعد، فضلاً عن انعدام بقاءه فيها إلى الآن.
2/ أنه إذا قبلنا بصعود المسيح إلى السماء فقد عرّضنا الله سبحانه للتناقض وقوله عز وجل في القرآن للإلغاء.
3/ أن هذا الرد المُلقن من الله لنبيه يجبر كل قارئ للقرآن وكل معتقد في أمور خرافية أن يتدبر أكثر فيما يقرأ ويعتقد.
4/ أن الدين الذي أساسه القرآن ليس فيه ما ينافي المعقول أو يخالف المقبول أو يكسر القانون أو يخرق المنطق.

وعلى هذه الاستنتاجات المستخلصة من الآية موضوع حديثنا يجب أن نرسو على مرسى موحد، وعلى من يعارض مرسانا هذا فليعلن عن مكمن معارضته فيه بكل صراحة. ولكن قبل ذلك فليعلن هل يقبل بصعود وبقاء أنبياء أو أحد الانبياء إلى السماء ويجعل كلام الله في مهب ريح الأعداء مُعرض للنقض؟ أم يكون السيد المسيح لم يصعد إلى السماء وهو باق حي مختبئ في مكان ما على هذه الأرض؟‼
قد يقول المعترض "إن مثل هذا الكلام يؤول"، فليأت بتأويله إن كان من المؤولين! ومنهم من يقول "ولكن هناك من الأحاديث النبوية التي تصرح بصعود الانبياء وبقاء بعضهم في السماء"، وهنا نقول نحن أيضًا أن تلك الأحاديث تؤوَل في ضوء صريح القرآن العظيم وحكمة الله العليم. أما هم فنسألهم؛ على أي ضوء تؤولون القرآن الكريم أنتم؟!
يقولون: "ولكن الأحاديث تقول ان عيسى ابن مريم "سينزل من السماء" آخر الزمان، وهذا كلام واضح وصريح! كما أن هذا الكلام الجديد يلغي معجزة المعراج المُثبتة.."

وعن النزول من السماء فهذا الكلام فنده حضرة الإمام مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في عديد من المواضع نختار لكم منها الاقتباس التالي← من كتابه حمامة البشرى:

أما عن الادعاء بأن هذا الكلام يلغي حدث المعراج المُثبت، فهذا كلام فارغ وليس قائم على دليل، وحقيقة الأمر سنفرد له موضوع مستقل به إذا شاء الله تعالى.

:.

الاثنين، 25 أبريل 2016

دلائل وفاة المسيح الناصري من القرآن الكريم [4─10] (تطمين الله له رغم عدوان أعداءه)



 نواصل بفضل الله عرض أدلتنا المستقاة من منهل الجماعة الإسلامية الأحمدية حول وفاة السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وفاة طبيعية، بعد أن رفعه الله أي نصره نصرًا عزيزًا مظفرًا وذلك ضمن عشر أدلة قرآنية تثبت ذلك.
قال الله تعالى:
 من المهم جدًا أن يستوعب جميع المسلمين خاصة أن الله عز وجل عندما يتكلم في شيء ذي بال فإن هذا الشيء حتمًا لا يقتصر على المحدودية المادية، بل على العكس لا يعطيها كثير أهمية، بمعنى أن الله عز وجل لا يقصد ولا يهتم بحالة الجسد المادي بقدر ما يقصد ويهتم بالحالة الروحانية لصاحب هذا الجسد والنتائج المترتبة على هذه الحالة، ويعمل الله سبحانه من أجل رفعة وترقي هذه الحالة الروحانية ما يفسد به أعمال منكريها، فيلقي لهم الله عز وجل فتاتًا مادية ضيقة يجعلهم منتشين لفترة، ظانين بأنهم انتصروا في حين أن الله في الحقيقة هو خادعهم وناصر عباده أبدًا.

لماذا أقول هذا الكلام؟ 

أقول هذا الكلام لأن كل ما كان يهم اليهود في وقت المسيح الناصري هو إصابة دعوته في مقتل، فوجّه له قومه اتهام بأنه ملبوس من الجن! «هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين» [متّى] «إن معه روحًا نجسًا» [مرقس] وقالوا إنه مجدف يعني يتكلم بالكفر! «واذا قوم من الكتبة قد قالوا في انفسهم: "هذا يجدف!"» [متى] واتهموه بأنه شخص مُضل! «يا سيد، قد تذكرنا ان ذلك المضل قال وهو حي: أني بعد ثلاثة ايام اقوم» [متى]. ثم لمّا لم تجدي كل هذه المحاولات العدوانية منهم نفعًا قرروا أخيرًا أن يقتلوه، وهذا الفعل هو أيضًا في سبيل إلحاق الخزي بدعوته لتتبدد وتتلاشى، فأخذوا يتحينون أي فرصة لإثبات عليه تهمة جزاءها القتل في شريعتهم حيث ورد:  
«وأنت تكلم بني اسرائيل قائلا: سبوتي تحفظونها، لأنه علامة بيني وبينكم في أجيالكم لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم، •فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم. من دنسه يقتل قتلًا. أن كل من صنع فيه عملًا تقطع تلك النفس من بين شعبها. •ستة ايام يصنع عمل، وأما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدس للرب. كل من صنع عملًا في يوم السبت يقتل قتلًا. •فيحفظ بنو إسرائيل السبت ليصنعوا السبت في أجيالهم عهدًا أبديا. •هو بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد» [خروج]. 
 وعلى أساس ذلك أخذوا يترصدونه «فصاروا يراقبونه: هل يشفيه في السبت؟ لكي يشتكوا عليه. •فقال للرجل الذي له اليد اليابسة: "قم في الوسط!" •ثم قال لهم: "هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفس أو قتل؟". فسكتوا» [مرقس] كانت هذه عيّنة التهم التي افتعلها اليهود «ولهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون ان يقتلوه، لانه عمل هذا في سبت» [يوحنا] ثم لمّا لم تنفع مكايدهم الخبيثة لإبطال مفعول دعوته «فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه» [يوحنا] أما كيفية القتلة فرأوا أنها لا بد أن تكون مرتبة شرائعيًا أيضًا بحيث يكون لها الأثر لتبديد دعوته وإفشالها بأن يلحقوا بها اللعنة الإلهية، وبذلك يجعلوه ملعونًا هو نفسه في قتلته «وإذا كان على إنسان خطية حقها الموت، فقتل وعلقته على خشبة، •فلا تبت جثته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم، لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا» [تثنية].
فقرروا يصلبوه ─أي يقتلوه صلبًا─ «فقال الوالي: "واي شر عمل؟" فكانوا يزدادون صراخا قائلين: "ليصلب!"» [متّى] ليتلقى لعنة الصلب بعد موته عليه ─سواء قتل وعلقوه جثة عليه فيَلقى تشهيرًا باللعنة، أو يعلق عليه ويموت عليه فيلقى اللعنة مباشرة─ وبهذا يترسخ عند الناس بحسب عقيدتهم أنه كذاب لعنهُ الله لكذبه، فتصير دعوته إلى زوال.

وفي مقابل كل ذلك المكر العدواني، ما كان أمام السيد يسوع المسيح إلا أن يدعو ربه حتى يُحدِث الله أمرًا من عنده، ويُعلي كلمته رغم إرادات أعداءه... فتقدم السيد المسيح مادًا يديه داعيًا متضرعًا ومُلحًا في الدعاء إلى ربه لعلمه المسبق من ربه أنه حتمًا سيستجيب بهذه الطريقة التي علمها له ربه، إذ قال هو نفسه وكذلك علّم تلاميذه: «اسالوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. •لان كل من يسال ياخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له. •ام اي انسان منكم اذا ساله ابنه خبزا، يعطيه حجرا؟ •وان ساله سمكة، يعطيه حية؟ •فان كنتم وانتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات، يهب خيرات للذين يسالونه! •فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم، لان هذا هو الناموس والانبياء» [متّى] فتقدم السيد المسيح على هذا الأساس داعيًا بتذلل وتضرع مرة «حينئذ جاء معهم يسوع الى ضيعة يقال لها جثسيماني، فقال للتلاميذ:«اجلسوا ههنا حتى امضي واصلي هناك».•ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدا يحزن ويكتئب. •فقال لهم:«نفسي حزينة جدا حتى الموت. امكثوا ههنا واسهروا معي». •ثم تقدم قليلا وخر على وجهه، وكان يصلي قائلا:«يا ابتاه، ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس، ولكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت» [متّى] وثانية «ثم جاء الى التلاميذ فوجدهم نياما، فقال لبطرس: «اهكذا ما قدرتم ان تسهروا معي ساعة واحدة؟ •اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. اما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف». •فمضى ايضا ثانية وصلى قائلا:«يا ابتاه، ان لم يمكن ان تعبر عني هذه الكاس الا ان اشربها، فلتكن مشيئتك» [متّى] وثالثة «ثم جاء فوجدهم ايضا نياما، اذ كانت اعينهم ثقيلة. •فتركهم ومضى ايضا وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه» [متّى].


وهناك سؤالين لكل من يقرأ هذا الكلام، هما؛ أولًا، هل هناك شك في استجابة الله لتضرع ودعاء نبيه؟ الثاني، ماذا كان يدعو السيد المسيح، أكان يدعو لنجاته البدنية الجسمانية، أم كان يدعو من أجل إنجاز وانتصار دعوته التي كلفه الله إياها؟!

ولعل ذلك الحدث يذكرنا بما وقع يوم بدر مع نبينا محمد رسول الله ، «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ» [مسلم]
وهنا تلتقي الحالتين العيساوية والمحمدية، بل والنبوية عمومًا ولا نكون مبالغين إذا قلنا والبشرية كافة، فإن الله الذي قال «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» [البقرة] فإنه تعالى حتمًا يكون صادقًا، ولما نقول إثر ذلك "صدق الله العظيم" لا نكون بكل تأكيد مازحين أو غير موقنين، ولما كان ذلك كذلك، ونعلم أن أكثر الناس ابتلاءً هم الانبياء، وأنهم مستجابي الدعاء عند ربهم حتمًا، لأنهم استجابوا لربهم تمامًا، فلمّا كانت دعوة محمد قد لقيت استجابة ربها حيث قال «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم...» أفلا تكون لدعوة المسيح عليه السلام شيء من هذه النوعية من الاستجابة الربانية؟ بلى، لقد استجاب الله دعوة مسيحه، وأبلغه بتلك الاستجابة بلاغ الرب لنبيه فقال عز وجل: «.. إني متوفيك...» نعم هي كلمة واحدة، ولكنها في الحقيقة تحمل في طياتها الكثير من المعان والغايات والأهداف للمتدبرين.

يتعجب البعض ويقول: "لماذا لم يريحنا الله ويوضح قولته ويصرح بموته بجلاء؟ يا أخي لماذا لم يقل إني مميتك ويخلصنا؟‼" وهذا التصور السطحي يُمكن أن نعذر متصوره فيه حتى حين، وذلك الحين هو عندما نقرأ عليه ما قبلها من آية، لخصت ما أوردناه أعلاه من اقتباسات إنجيلية صورت حالة المكر الذي مكره أعداء المسيح ضده، إذ قال عز وجل قبل الآية موضوع حديثنا: «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ» [آل عمران] ثم قال عز من قائل: «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ» [آل عمران] فمتوفيك هنا هي كلمة قيلت أثناء أفاعيل المكر العدواني ضد مسيح الله، فهي = استجابة الله لدعاء نبيه وطمأنته إياه، وإخباره بتلك الاستجابة، فكأنه سبحانه يقول لنبيه عليه السلام بهذه الكلمة فقط «متوفيك» (لا تقلق؛ ستنجو، وستموت سالمًا بعد أن تتم مهمتك التي بعثتك من أجلها) بينما لو قال الله في وسط هذا الكلام (يا عيسى إني مميتك) فهو بالتأكيد يعني ما يقول، والقصد حينها يكون الموت وقتها‼ فكلمة «متوفيك» شملت معنيي النجاة والموت الطبيعي سالمًا معًا بعد إتمام المهمة، بينما كلمة (مميتك) فهي تقتصر في مثل هذا السياق على معنى الموت الوقتي حالًا، كما أنها لا تحمل أي بُشرى، والبشرى من أهم خصائص استجابة الدعاء من الله. فاستعمال كلمة «متوفيك» هي من مقتضيات البلاغة القرآنية، أما من يُصرّ علينا ويقول: "إن كنتم صادقين في ادعائكم هذا فكان لزامًا على الله أن يقول (مميتك) بصراحة" ونرد ونقول أن ذلك الإصرار منهم من مقتضيات السطحية في الفهم وقلة التذوق البلاغي بكل أسف.

إذًا فقد كانت كلمة «متوفيك» استجابة لدعاء المسيح وإخباره عليه السلام بهذه الاستجابة وتفاصيلها، وهي أن يبلغ النهاية الطبيعية له، أي بالوفاة طبيعية في وقتها الطبيعي.
ولا يقتصر جواب الدعاء في ذلك على بُشرى الطمأنة وتفاصيلها فحسب، بل تعداه إلى مجال التحدي، فقال عز وجل لنبيه إنك وفي وسط كل هذا الانعدام المادي التام لكل تصورات وأشكال النصر والظفر، ناهيك عن  تبدد كل وسائل النجاة المحضة أصلًا سأرفعك، أي ستكون أنت الأعلى. وهنا يحضرني قول الله سبحانه لنبيه الكريم موسى «قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى» [طه] وأجول بهذا القول بين إخوتي المعتقدين بأن قول الله لنبيه عيسى: «ورافعك إلي» يعني آخذك إلى السماء عندي! فهل كان قصد الله مع نبيه موسى أن سيجعله في دور أو طابق علوي وفوقي يسكنه ويكون فيه فوق أعداءه يعتليهم؟! بالطبع إن هذا تصور ساذج جدًا بل وأحمق للغاية من الوهلة الأولى، فالصواب هو أن المعنى يكون ناصرك ومظهر هذ النصر علنًا، وفي حال المسيح ابن مريم عليه السلام، نجد من يقول: "لكن هذا الحرف الجاّر «إليّ» الآتي بعد «رافعك» يعبر عن هذا الرفع المادي من الله على عبده المسيح"! والقائل بذلك يتعرض لورطة تجعله ممن يحدون الله بمكان واتجاه، ويجسمونه سبحانه، ولا أدري كيف يفهمون قوله تعالى: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [العنْكبوت] والقول: «فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ* وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» [الصافات].

وخلاصة هذه القضية، أن «ورافعك إليّ»  فهي لا تعني أن الله رفعه وأجلسه بجواره كما يظُن الكثيرين وكما يقول بذلك المسيحيين أيضًا «وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ» [بولس:أفسس].
والحق أنها كقوله تعالى لرسوله محمد «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» [الطور] إن الظن بأن «أعيننا» في هذه الآية هي الأعين المادية وليس كناية عن الحفظ والاجتباء، فذلك يعد تجسيد للإله سبحانه، وكذلك فإن الظن بأن «إليه» الواردة في قوله «بل رفعه الله إليه» [النساء] هي تعبير عن مكان معين بجوار الله هو تجسيد للإله سبحانه كذلك وتعالى الله عن ذلك، فالله محيط بالمكان والزمان، وليس معنى «رفعه إليه» أنه موجود في السماء وليس موجود في الأرض جل وعلا، إن «رفعه الله إليه» = أدخله في بوتقة الحفظ الإلهي مع حتمية النصر الفعلي. وهذا ما يتضح من اجتماع كلمتي «ورافعك» + «إليّ» في آيتنا. كما قال في نبينا «إنك بأعيننا» وكما قال في فلك نوح «تجري بأعيننا» أي بحفظنا وعنايتنا وأمرنا، وكقول إبراهيم خليل الرحمن «إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» [الصافات] فأين ذهب إليه بالله عليكم يا سادة إلا أن يكون قَصَدَهُ بقلبه وأخلص النية والهجرة إليه عز وجل؟

وللاطلاع على حقائق رفع الله لنبيه المسيح ابن مريم بعد أن بشره بنجاته ووفاته طبيعيًا بعد إتمام رسالته يمكن تحميل هذه الصفحات↓ من كتاب "المسيح الناصري في الهند" [مرزا غلام أحمد]


 وإليكم اقتباس من الكتاب حول هذا الشأن، رفع المسيح ابن مريم أي نصره أيما نصر.



 :.

الجمعة، 22 أبريل 2016

دلائل وفاة المسيح الناصري من القرآن الكريم [3─10] (طبيعته البشرية واللّا استثنائية بشيء)



في هذه الحلقة من الحلقات العشر التي خصصناها لتبيان دلائل موت المسيح عيسى الناصري، سيكون تركيز كلامنا حول ثلاث محاور قرآنية رئيسية لإثبات البشرية بل وإثبات اللّا استثنائية أيضًا في هذه البشرية له عليه السلام، وهذا ما نصبو إليه ونهدف لتخليص عقول الناس من خرافات لصقت بها على مر السنين ولتنزيه حكمة الله القديم من الخروقاتٍ سبحانه.

ولدينا في سبيل ذلك ثلاثة مواضع قرآنية رئيسية؛ ونبدأ ببعض كلمات نوردها بفضل الله:


[المحور الأول] مماثلته عليه السلام لآدم في الخلق وما يترتب على ذلك:
يقول الله تعالى:


ويقول البعض هنا أن المماثلة هي مماثلةِ الإعجاز في الخلق وليس مماثلة في الطبيعة البشرية، وهذا الكلام صحيح من جهة واحدة فحسب، ألا وهي أن المماثلة في الخلق وليس في "الإعجاز في الخلق" لأن كل خلق الله جل جلاله معجز عند كل مؤمنٍ، بل وكل مسلم، ولا يَعتبر امرئٍ أن عموم خلق الله عاديّ في أمره سبحانه بينما خلق شخص أو اثنان من مجموع الخلق كله كانا بطريقة مغايرة يتمحور فيهما إعجازه جل جلاله خالق الكون وما فيه، إلا أن يكون ذلك الشخص بالضرورة قد سَفِهَ عقله وأصبح من سخيفي الكلام عديمي الفكر الهام.


إذًا فلنتفق أن كل خلق الله تعالى معجز، بل إن مبدأ الخلق في حد ذاته معجز لكل أنواع المخلوقين. فالله عز وجل هو خالق الأشياء من عدم وذلك هو عين عين الإعجاز.


فالمسألة الآن، أين هو وجه المماثلة بين آدم والمسيح بل والانبياء جميعًا عليهم السلام؟!

إن المماثلة كما أنها في الخلق بكونه من تراب، فهي تنفي الغرابة التي يبالغ في استغرابها الناس اليوم على الرغم من انكشاف كثير من الخبايا والأسرار والحقائق حول كل من نظرية التطور والميلاد العذري، وأنهما في النهاية يُنتجان إنسان بشري سَوِيّ في أحسن تقويم. فخلق عيسى عليه السلام كخلق آدم عليه السلام خلق كالخلق والدليل قوله عز وجل «خلقه من تراب» فهذه الكلمة أولًا تنفي وجود آدم عليه السلام من غير أبوين ─لكن ليس هذا موضوعنا الآن ولنا فيه وقفة مستقلة─ وذلك لاتصالها وربطها قصدًا بوجود عيسى عليه السلام فعيسى له على الأقل أم، فالمماثلة في الوجود تكون منتفية هنا لأن أحدهما له أم والآخر ─حسب تصور البعض─ ليس له أبوين أصلًا‼

فماذا إذًا؟!

إن المماثلة في الخلق من تراب = المماثلة في خلق جميع البشر كافة عمومًا، وفي ذلك قال الله تعالى: «أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا» [الكهف] وقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ» [الحج] وقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ» [الروم] كما قال: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا» [فاطر] وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» [غافر] هل لاحظتم هذه الآيات↑؟


إذًا فلَمّا يقول ربنا ياسادة «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكأنه يقول في اختزال رائع وبديع غير مخلٍ ولا مُقل يهدف للقصد بأن خلق عيسى هو كخلق البشر جميعًا وخلق آدم أيضًا هو كذلك كخلق البشر جميعًا لا فرق بينهما في الخلق ولا فرق بينهما وبين بقية البشر في الخلق. فهما من تراب وهم من تراب، عيسى من تراب كمثل آدم من تراب كمثل كل البشر من تراب. نعم هكذا وبكل هذا التأكيد الذي ذكرناه هنا يذكر القرآن المجيد بوضوح ذلك الأمر للمتدبرين والباحثين الصادقين.


المماثلة إذًا هي في الحقيقة مماثلة جميع الانبياء بالبشر عمومًا، فهم بشر كالبشر. قال تعالى: «قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» [إِبراهيم] والمماثلة في البشرية تقتضي حتمًا المساوة، وتلك المساواة تكون في الخلق والوجود والموت. أي البداية والحياة والنهاية
والمعجز الرائع في هذه الآية بين أيدينا الآن «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أنها أجملت كل ما طرحناه شرحًا هنا الآن ببساطة تحمل في طياتها دقائق المعرفة التي لا يدركها إلا متدبر بقلب صاف لينهل من منهلِ شاف.




ويضطرنا هذه القول الأخير إلى [المحور الرئيسي الثاني] في تبيان الطبيعة البشرية واللا استثنائية لسيدنا عيسى عليه السلام ألا وهو مشابهته عليه السلام لمن قبله، وحاجته إلى المأكل للبقاء:  
 قال تعالى:




تورد هذه الآية مسألة الفناء الذي يصيب كل المخلوقين ومنهم الانبياء بلا استثناء، وفيها يجعل المسيح ابن مريم مساويًا في الطبيعة والوجود لجميع الرسل الذين قضوا من قبله فيقول «ما المسيح ابن مريم إلا رسول» (فما لكم رفعتموه فوق تلك المرتبة؟) ولا أدري ما هو أبسط من ذلك لإثبات عند المعاندين طبيعة المسيح الطبيعية غير الاستثنائية، ولكن الله ما زال يؤكد ويتمم الحجة على الجاهلين فيقول معقبًا «قد خلت من قبله الرسل» وكأن سبحانه يقول (ما المسيح ابن مريم إلا كمثل الذين أرسلوا وقضوا من قبله، وسيقضي مثلهم في وقته الطبيعي المقدر له، ودليل ذلك أولًا أنه مولود! وذكر أمه عليها السلام دليل على ذلك، وكان هو وأمه تلك الصديقة يمارسان حياتهما البشرية الطبيعية كباق البشر، وقد أجمل سبحانه وتعالى ذلك في كلمتين فقط إذ قال «كانا يأكلان الطعام» كناية عن أن أكل الطعام يترتب عليه الإخراج والجوع والعطش والحاجة وكناية عن الحياة بتفاصيلها، وانعدامه كناية عن الفناء واللّا وجود أي الموت. وفي ذلك إشارة أيضًا إلى المشابهة في هذه الحوادث مع جميع الرسل من قبله، الذين كانوا يأكلون الطعام ويترتب على فعلهما هذا ما ذكرناه آنفًا كمثل بقية البشرية جمعاء.


ومعنى «كانا يأكلان الطعام» فمن ناحية أنهما أصبحا في خبر كان! أي مات كليهما عليهما السلام وخبرهما أنهما كباق البشر يأكلان الطعام، وهو السبب المادي للبقاء الجسدي الدنيوي، فالواضح من قوله تعالى «كانا» أي أنهما أمسيا الآن لا يأكلان! وبالتالي هما ليسا حيين.

وبمعنى آخر أنهما بشر يموتان مثل موت بقية البشر جميعا بعد سنين حياتهما الطبيعية لهما بلا استثناء زمني يُذكر، انظر كيف بين الله الآية بيانًا واضحًا للمتدبرين ثم انظر كيف اختلق المفسرون ضلالا للغافلين فسبحان الله الحكيم.




[المحور الثالث] مماثلته لنبي الله يحيى في مراحل الحياة والموت:
قال الله تعالى في أمر نبيه يحيى بن زكريا عليهما السلام:




ويقول الله على لسان نبيه المسيح عيسى الناصري ابن مريم: ↓



الجدير ذكره هنا أن ليس معنى ما قيل في شأن المسيح بهذه الصيغة↑ أنه ما زال حيًا، وإلا لاعتُبر نبي الله يحيى حيًا هو الاخر إلى الآن بحسب تطابق الصيغتين في نفس السورة الكريمة. وبما أن نبي الله يحيى قد مات كموت البشر فبحسب الصيغتين المشابهتين هنا إذًا تكون هذه الآية  مثبتة لموت عيسى عليه السلام بحسب الطبيعة البشرية كما مات نبي الله يحيى عليه السلام "بسلام".


فكثيرًا ما يستشهد المسلمين التقليديين بهذه الآية على كون المسيح حيًا في السماء إلى الآن! ولا أدري من أين أتوا من هذه الآية بافترائهم هذا؟‼ متغافلين ومعهم من أوحوا إليهم بهذا التغافل عن كون هذه الآية تثبت مشابهةً ومماثلة ولا تثبت تفردًا، سيقول لي قائل: "ولكن المسيح ابن مريم بالفعل كان متفردًا في ولادته"! والرد على ذلك الادعاء يكون أولًا بالإحالة إلى محورنا الرئيسي الأول وآيته الأولى في موضوعنا هذا «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» ومتعلقاتها من الآيات التي ذكرناها في إطار مماثلة الانبياء لباق البشر دون استثناء في الخلق أو الحياة أو الموت.

كما يمكن تحميل الصفحات التي تحتوي على ما يخص ذلك الموضوع منفصة عن مجموع الكتاب وعددها 22 صفحة من هنا وهي بعنوان [الفصل الأول ▬ بنوة يسوع المسيح]


وثالثًا نحيل المدعي بتفرد ولادة المسيح ابن مريم إلى قول الله على لسانه «والسلام علي يوم ولدت» ونسأله ─أي المدعي─ لماذا هذا اقول مشابهًا لصيغة قول الله عن يحيى عليه السلام «والسلام عليه يوم ولد»! فهل في ميلاد يحيى فيه تفرد يُذكر؟!

نعم، هناك (تفرد) يُذكر، وهو أنه ولد من عجوز فانٍ وسيدة عاقر! والمسيح ولد من أم فقط، إذًا فالمتدبر هنا يلاحظ أن الله يريد إبراز قدرته وليس تمييز خلقه بأن أحدهما متفرد ومتميز عن الآخر في الخلق، وبالتدبر أكثر سيجد المتدبر أن الله سبحانه شابه ما سميناه نحن بتفرد حالة ولادة عيسى بحالة ولادة يحيى‼ يعني أن الله يريد يقول لكم يا أصحاب الأفق الضيق (أم حسبتم أن حالة ولادة يحيى وحالة ولادة عيسى كانوا من آياتنا عجبًا؟!) أي ليس غريبًا ولا عجيبًا عندي ولكن أجريه في الخلق على الدوام ولكنكم فقط لا تربطون.


ثم أن ما يفعله الله هنا بخصوص هذه القدرة يندرج تحت قوله تعالى «كن فيكون» فالخالق واحد ومادة الخلق واحدة فلا يأتي ساذج سطحي قصير النظر في النتائج يرى من وُلد من أم فقط ومن ولد من عاقر ومن أوجد ─بتصوره─ بلا أبوين! فيقول مناقضًا قوله بعضه بعضًا: "سبحان الله خرق الطبيعة بمعجزاته عز وجل"‼ ونقول تصويبًا وتصحيحًا له ولأمثاله سبحان الله ما كان ليخلق القانون ويخرقه بيده وبقدرته حاشاه، إنه هو العليم الحكيم.


:.