نواصل بفضل الله ومنته علينا تقديم الأدلة القرآنية عن موت المسيح ابن مريم عليه
السلام
تلك آية بينة وعلامة مباشرة على موت المسيح ابن مريم الذي من الناصرة، فتدبر وكن من العاقلين، واحذ أن تكون من الجاهلين.
وأقدّم الآن ثاني الإشارات القرآنية من
عشرة أدلة عن موت المسيح ابن مريم عليه السلام وخلاصتها "انتهاء المتابعة والرقابة".
وهنا يسأل الله عز وجل نبيه المسيح ابن مريم ويجيب على لسانه عليه السلام فيقول سبحانه:
وفي هذه الآية خاصة عدة نقاط مفصلية هامة:▬
أولها؛ قوله عليه السلام: «ما قلت لهم» وليس في القرآن أي تعقيب من
عيسى ابن مريم (الناصري) ليصحح بنفسه لقومه ما افتروه. كما تبين قولته «ما قلت
لهم» أنها فترة مرت وانقضت وهي كلمة تؤكد على انتهاء مهمة المسيح ابن مريم، وكل ما
فيها انقطع ─بما في ذلك حياته هو نفسه─ سواء بعلاقة المسيح بقومه وإلا لكان قال
(ما أقول لهم) كناية عن الماضي مع ما سيأت، أو سواء بعلاقة قومه به، فإنه هو
شخصيًا بهذا التصريح قد تبرأ من فعلهم الماضي بعد موته وفعلهم الحالي وفي المستقبل.
والجدير بالذكر أن هذا القول «ما قلت لهم» يندرج تحت قوله تعالى «يوم
يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب»
[المائدة]
ثاني هذه النقاط؛ قوله عليه السلام: «وكنت عليهم شهيدًا» وهذا يبين
انتهاء شهادته عليهم، وأصبحت في الزمن الماضي، وهي أيضًا يشملها قول الله تعالى «يوم يجمع الله
الرسل فيقول ماذا أجبتم» [المائدة] إذ تبين انقطاع السيد المسيح تمامًا عن قومه وما أحدثوه في دينهم.
ويبرر لذلك عليه السلام بأكثر من مبرر فيقول أولًا «ما قلت لهم» ثم يؤكد «وكنت
عليهم شهيدًا» معقبًا لدعم هذا التأكيد بقوله «ما دمت فيهم».
ولا يغيبن عن البال
هنا أن المسيح عيسى ابن مريم كان مُكلفًا بتبليغ رسالته لبني إسرائيل سواء الموجودين
في أرض فلسطين أو في أرض السبي، يعني لا يصح لقائل أن يقول: "أن «ما دمت
فيهم» تعني معهم في الدنيا، لأن هجرته عليه السلام من فلسطين إلى بلاد الشرق يعني
أنه ما عاد في أهل فلسطين، ووجوده في فلسطين يعني أنه ليس في أهل الشرق"، فذلك خطأ، فهو عليه السلام في الفئتين ما دام في الدنيا عمومًا، وما كانت من ضرورة
لهجرته إلى مكان وجود بقية القبائل العشرة الإسرائيلية إلا لإسقاط وتفتيت الادعاء
اليهودي بقتله صلبًا عليه السلام، فتلك الهجرة تؤكد تأكيدًا تامًا ماديًا ويقينًا
بما لا يدع مجالًا للشك أو الارتياب أن الله عز وجل نجاه من الصلب الذي أراده له
اليهود ليكون ملعونًا في شريعة الرب.
ثالثًا؛ قوله «ما دمت فيهم» وهي كما قدمنا تبين أنه ما عاد في الدنيا،
ونقول أيضًا أنه بقولها صرّح بأنه ما عاد حيًا! ودليل ذلك من القرآن أن النبي موسى
عليه السلام حينما ترك قومه قاصدًا ميعاد ربه رجع ولم يدّعي أنه لم يكن فيهم، إذ
هبَّ لإصلاح ما قد لحق بهم وما أحدثوه وقال: «رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك
وأنت أرحم الراحمين» [الأعراف]، بل إن نبي الله يوسف قد قال رغم ما قد حصل خارجًا عن إرادته: «وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي إن ربي غفور رحيم»
[يوسف].
لفد قال الانبياء سلام الله عليهم جميعًا مثل ذلك لأنهم كانوا حاضري الحدث وإن
لم يعاينوه، إلا أنهم اعتبروا أن أي خلل يحصل وهم أحياء فإنهم مسؤولون عنه تمامًا وحتمًا
وذلك من مقتضى اعترافهم بتحمل مسؤوليتهم كاملة والتي ألقيت عليهم، فما تعودوا الإنكار أو
الفرار من المسؤولية حاشاهم جميعًا، ومن ضمنهم بكل تأكيد يأتِ المسيح ابن مريم
عليه أفضل السلام، وما كان منكرًا حاشاه، بل إن الحاصل فعلًا هو أن ما حصل كان خارج عن
معلوميته وإرادته ووجوده تمامًا لأنه بكل بساطة ما عاد حيًا. وهو مستعد لتحمل كافة
المسؤولية ما دام حيًا وهكذا صرّح «ما دمت فيهم».
رابعًا؛ قوله: «فلما توفيتني» وقبل أن نغوص في طبقات الترقي حول هذا
الكلمة بعلاقتها بما سبقها وما لحقها، فلنبين أولًا البديهي عن معناها اللغوي الذي
يصر الكثيرون على كونه يحتمل كذا وكذا من المعان مما هو ليس بمعقول ولا مقبول!
ففي اللغة توفي = مات. هكذا ورد في كل المعاجم العربية ونورد منها "ويقال للميت: توفاه الله" (مقاييس اللغة) "توفيت الشيء استوفيته؛ [إذا أخذته كله] حتى لم تترك منه شيئًا" (مقاييس اللغة)، "توفاه الله أي قبض روحه. والوفاة الموت" (مختار الصحاح)، "والوفاة المنية.. وتوفي فلان، وتوفاه الله، إذا قبض نفسه" (كتاب العين)، "وتوفي فلان وتوفاه الله تعالى، وأدركته الوفاة" (أساس البلاغة)...
هذا↑ ما صرحت به لغة العرب، التي نزل بها القرآن فلا معنى للحديث حول
هذه الكلمة بأي معنى غريب آخر مخالف لما صرحت به العربية.
← إن الأمر في نطقه عليه السلام هذه الكلمة «فلما توفيتني» يعد إعلان عن نهاية مرحلة
وبداية أخرى، فالمرحلة المنتهية هي «وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم» وقد فصّلنا مراداتها،
وحين قال: «فلما توفيتني» انتهت تلك المرحلة الأولى بكل تفاصيلها، وتأكد وضعها في
الزمن الماضي التام وكأنه يقول: (كنتُ فعالًا ما دمت حيًا، فلما متُّ، بدأت مرحلة
مختلفة عن تلك التي انقضت إذ «كنت أنت الرقيب عليهم» أي صرت أنت وحدك الفعال يارب،
فقد انتهت رقابتي فيهم ومتابعتي إياهم وشهادتي عليهم بمجرد موتي، وصرت سبحانك وحدك
«على كل شيء شهيد» سواء عليهم في الماضي أو عمومًا في الحاضر والمستقبل فإنك الحي
الذي لا يموت).
تلك آية بينة وعلامة مباشرة على موت المسيح ابن مريم الذي من الناصرة، فتدبر وكن من العاقلين، واحذ أن تكون من الجاهلين.
:.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق