الأحد، 26 يونيو 2016

إثبات موت المسيح الناصري عليه السلام [إجماع الصحابة] "مع إزالة شبهة حمقاء"



لقد استلمنا موضوع إثبات موت السيد المسيح ابن مريم عليه السلام بالدليل والبرهان القرآني مع الشرح والتفصيل في عشر حلقات متتالية. وفي الواقع لقد وصلنا إلى حالة من التشبع اليقيني والمنطقي إلى أن المسيح ابن مريم ما هو إلا بشر كالبشر حَيا كحياتهم ومات كما يموتون لا أكثر ولا أقل.

أما اليوم، فهناك من الناس من لا يكفيهم قول القرآن! فلجأوا إلى الشوارع الخلفية، ليس إلى الحديث فهو كذلك لا يسعفهم، فلجأوا إلى أقوال وهمية ظنية "طارئة" لأحد الواضعين نسبوها لأحد كبار الصحابة هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا: "أن عمر بن الخطاب قال الآتي بعد معرفته خبر وفاة النبي: "من قال أن محمدًا مات قتلته بسيفي هذا* وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم** وإنه سيرجع كما يرجع عيسى" واعتبروا أن تلك هي "عقيدة عمر في رفع المسيح إلى السماء".
[لقد ظن بعض المعارضين الحمقى لحضرة المسيح الموعود أن حضرته قد أقر بهذا القول في أحد كتبه، خلافًا لما يدعو إليه! ولقد بينا حقيقة الأمر في نهاية هذا الموضوع، وكشفنا حمق مُدعيه والحمد لله]
 
وبذلك ظن هؤلاء أن إجماع الصحابة مجروح ─بل وغير موجود أصلًا─ في مسألة موت المسيح عيسى ابن مريم.
والواقع عكس ذلك تمامًا، فهذه الحادثة ─مع بطلانها─ لهي إثبات واضح وجلي وقطعي على إجماع الصحابة رضوان الله عليم أجمعين على موت المسيح الناصري عيسى ابن مريم عليه سلام الله.
فمبدئيًا؛ لم يرد في الأثر الصحيح قول ابن الخطاب لمثل هذا المقال الذي نسبه إليه المبطلين المعارضين، أما القول الذي ورد عن عمر فهو كالتالي: «والله ما مات رسول الله ﷺ ... والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فيقطعن أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم حتى يُفني الله عز وجل المنافقين» [البخاري][ابن ماجة][أحمد]
■ أما عن هذا القول ─أو حتى المزعوم─ عن عمر بن الخطاب فقد كان رضي الله عنه في حالة حزن شديد وغضب غير متصور نشأ عن عدم تقبله رضي الله عنه لفكرة موت الرسول، فأدى ذلك به إلى حجب عقله حينها وأدخله في غيبوبة وهو في حالة اليقظة الجسدية، فقال ما قال لفرط حبه الشديد لرسول الله وعشقه غير المتناهي له وبالتالي فلا يؤخذ بقوله ─رضي الله عنه─ وقتها لقول رسول الله ﷺ «رفع القلم عن ثلاثة... وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» [النسائي]
والآن، وبإيرادي لهذا الحديث الأخير سأجد بعض السطحيين يقفز لي ويقول إني أتهم عمر رضي الله عنه بالجنون! حاشاه. فهذا لا يصح الرد عليه لأنه لا يفهم  لا الحديث ولا ألفاظه.

■ المهم؛ فهذا القول العُمري ─الفعلي أو المزعوم─ هو ناشئ عن فرط العشق للرسول وهو يندرج تحت هذا الحديث النبوي سالف الذكر. هذا وقد رده زجر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وإسكاته، والذي أدى به إلى "فواقه" إذ تلى أبو بكر قول الله عزو جل: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...» والواضح من كلام أبو بكر في هذه الحالة أنه يقصد بـ (خلت) أي ماتت لأنه لا يعقل أن يَرُدّ أبو بكر على ادعاء ما بما لا يناسبه.
فلما سمع عمر ذلك قال: «والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقِرتُ حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي قد مات» [البخاري]
إذًا لقد أفاق ابن الخطاب من غيبوبته.

■ فنحن الآن أمام شرح الصديق شخصيًا بشكل عملي لهذه الآية «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [آل عمران] وكان القصد من إيراد هذه الآية خاصة لِما يتطلبها حال ابن الخطاب ومن في حاله، وما قال! فلقد ادعى عمر ادعاء وادُعيَّ عليه آخر الآن هما:  
(1) عدم موت الرسول وبقاءه حيًا. 
(2) وأنه رفع إلى السماء كما حدث مع عيسى ابن مريم. 
فجاء رد الصديق ينفي هذين الادعائين معًا: 
(1▬2) فذكر «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل» لنفي ادعاء المُدعين ببقاء عيسى ابن مريم حي في أي مكان أو أي رسول سابق أيًا كان فالكل قد مات. 
(2▬2) ذكر «أفإن مات أو قتل انقلبتم...» لتأكيد موت الرسول لعمر وللجميع وللتذكير والتنبيه على عدم الانقلاب على هذه السنة الإلهية فلا نكون كالذين سبقوا وضلوا..

[والجدير بالذكر هو اجتماع الصحابة في ذلك الوقت وقد سمعوا جميعًا كلام أبا بكر الذي قصد فيه هدم تلك الادعاءات الطارئة المضطربة لبعض المصدومين والمكلومين لفقدان حبيبهم
فأقر من وعى وأناب من ذُهل لحين. ولكن في الأخير اجتمع الكل على أن كل الرسل قبل محمد قد خلت أي ماتت كما مات محمد ﷺ]

لذا فيا أيها السادة الأفاضل، لقد صرح القرآن الكريم بموت عيسى عليه السلام ولقد فصلنا ذلك تفصيلًا في مدونتنا المتواضعة هذه، أما الاستشهاد بقول عُمر ─الحقيقي أو المُدعى عليه─ لتأكيد حياة المسيح، فهو استشهاد واه وباطل، إذ يقوم على تصرف غاضب لعمر ─رضي الله عنه─ حَجب عقله وقت غضبه، فلا يؤخذ بقوله حينها، لقول رسول الله ﷺ: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» [البخاري] فـ «لا» في هذا الحديث ناهية وليست نافية، بمعنى أنه يمكن أن يحكم شخص وهو غضبان فيكون حكمه باطل لأن عقله يُحجب عن طرف وينحاز لآخر، فيضيع الحق. ولكن يبقى القاض في حد ذاته نزيه النفس الا أن غضبه حجب عقله وقت حكمه هذا.

وبعد كل هذا التفصيل لأسباب قول عمر لهذا الكلام ─نقصد الحق منه وليس المُدعى عليه─ يَرِد اعتراض آخر ضحل في الاطلاع إذ يقول معترضه: "فاقد العقل لن يخترع قولًا غير موجود" ورد ذلك الاعتراض غير المُطلع هو أولًا أن هذا القول عن عمر من اختراعكم أنتم ولم يرد على لسان عمر في أي أثر موثوق. ثانيًا؛ ثم إذا افترضنا جدلًا قوله إياه فإن عُمر بن الخطاب كان له مطالعات كثيرة في كتب السابقين، حتى أنه جاء الرسول بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب فقرأه على النبي فغضب، فقال: أَمُتَهَوِّكُونَ [أي متحير] فيها يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به. [أحمد] وحتى بدون هذه الحادثة الواردة في مسند أحمد، فإن المسلمين قد خالطوا اليهود والنصارى في المدينة وبكل تأكيد قد عرفوا واطلعوا على كثير من عقائدهم، والتي من أهما عقيدة صعود المسيح إلى السماء وبقاءه فيها حيًا.

إذًا فحُب عمر المفرط للنبي جعله لا يتقبل فكرة موته بسهولة وأدى به ذلك إلى البحث عن مبرر من معلومات خالطوها جميعًا والتي كان يعرفها رضي الله عنه وكل ذلك في حالة من اللاوعي نتجت عن الصدمة بفراق من أحب، فلم يخترعها ─رضي الله عنه─ كما قال المعترض. ولعل ابن الخطاب تذكر هذا الموقف الذي دار بينه وبين الرسول حين تلى أبا بكر آية «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل...» فانخلع قلبه جراء تأثير الحقيقة الذي أفاق عليها فهوى أرضًا.
■ ولكن لماذا ورد هذا الحديث عن عمر؟!
الجواب بسيط وهو أن هذا الحادث حصل ضمن الأحداث الشعورية المؤثرة فيما بعد الوفاة النبوية مباشرة فذكر كما ذكرت، ولا يتضمن أي مسألة من مسائل العقيدة، بل وضعها الواضعون ومن بنى على أساس هذه الواقعة مسائله العقائدية فقد بنى اعتقاده على ظن واه وباطل وعليه أن يراجع نفسه مم ينطلق وعلاما يقف.
:
تعقيب مهم جدًا؛ لا شك أن الجثمان النبوي الطاهر كان مسجىَ في بيت السيدة عائشة وقت حدوث ما حصل من عمر ورد أبا بكر. فقد ورد أن أبا بكر ─رضي الله عنه─ أقبل على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة ─رضي الله عنها─ فتيمم النبي ﷺ وهو مسجىَ ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى فقال بأبي أنت يانبي الله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. [البخاري]

ومعلوم أن اعتقاد القانعين بحياة المسيح في السماء قائم على رفعه بروحه وجسده لا يفترقان! فهذا الحديث ينفي ثلاث ويثبت ثلاث، يثبت بطلان القولان الوارد عن ابن الخطاب والمنسوب إليه حينها لقيامه على ولا شيء إلا الغضب المحض. كما يثبت بطلان عقيدة الرفع السماوي من أساسها إذ قامت على ظن مذبذب وقاعدة عقائدية مخالفة لدين الإسلام. ويثبت موت المسيح ابن مريم لقول الصديق «لا يجمع الله عليك موتتين» مع تلاوته «خلت من قبله الرسل» مما يؤكد موت المسيح، فمن ظن برجوعه فيما بعد ليموت أيضًا فقد ضل وظلم.
أما نفيه فينفي عقيدة الصعود بكل أشكالها سواء بالجسد والروح، أو بالروح فقط. وينفي تصور من ظن أن عقيدة عمر هي رفع المسيح إلى السماء. لأن عقيدة عمر متعلقة بعقيدة الصديق، كما أنه رأى بنفسه الجثمان الشريف مسجى وقد فارقته الروح، رغم أن معلوماته من أهل الكتاب حول الصعود أنه يكون جسدًا وروحًا، ما يدل على ذهول وبلبلة وتضارب أفكار مخلخلة نتيجة صدمة. وأخيرًا ينفي أي اعتقاد غير منطقي ولا معقول في هذا الشأن، لتسليم الصديق في حينه وعزمه على قطع الشك باليقين عند المصدومين.


▬▬▬
* الشمائل المحمدية للترمذي المتوفي سنة 279هـ، ص661 - 662 بتعليق المواهب اللدنية لإبراهيم بن محمد الباجوري الشافعي المتوفي سنة 1277هـ، ص648، طبعة 2001

** الملل والنحل للشهرستاني المتوفي سنة 548هـ، ط2 دار الكتب العلمية 1992، ص10 ـ 12. وقد ورد هذا الكلام في إطار تبيان الشبهات التي وقعت في الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول، إذ أورد الشهرستاني بيانه كالتالي: الصورة



  *


وهذا السند مُقدم لبعض الاغبياء الحمقى الذين أقدموا بحمقهم وجهلهم على الإتيان بنص أردي ─غير مترجم─ من أحد كتب حضرة المسيح الموعود سيدنا أحمد عليه السلام، وأخذوا يحتجون به على أنه يخدم مقصدهم! ولكنه في الواقع يكشف جهلهم وحمقهم وغبائهم. ففي الواقع كان حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام يستشهد بكلام الشهرستاني بأن مثل هذه الإضافة← "وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم" إنما هي شُبهة من اختلاق وترويج المنافقين وخصماء الإسلام.
ولكنهم ─أي بعض المعارضين لحضرة المسيح الموعود─ أظلم من أن يكونوا محايدين أو موضوعيين. ذلك إضافة إلى حُمقهم فعزاهم الله إلى جهلهم فما أن رأوا عظمة لهثوا وعضوا عليها فكسَّرت أسنانهم. 

وهذه هي محاولاتهم الفاشلة↓

وأرفق مع منشوره هذا↑ مقتبس مصور من كتاب لحضرة المسيح الموعود «تحفة غزنوية» بالأردية غير مُترجم، فأخذ الجزء العربي منه الذي هو في الحقيقة استشهاد مقتبس من ملل ونحل الشهرستاني وليس إقرارا كما تصور المعارض الأحمق.
 وهذه هي الصورة الأخرى الذي يقصدها ذلك المعارض

فالحمد لله الذي هدانا لهذا

:.

الاثنين، 20 يونيو 2016

دلائل وفاة المسيح الناصري من القرآن الكريم [10─10] (نهي الله عن الغلو في ديننا)



يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
وهناك آية قريبة الشبه لهذه الآية وردت في سورة النساء الآية 172 وبيانها أنها دعوة إلى أهل الكتاب جميعهم وتنبيه لهم بأن الله سبحانه لا يمكن أن يكون بالشكل الدنيوي الذي تصورتموه له سبحانه، وأن المسيح ما هو إلا بشر طبيعي من بشر طبيعي وهو رسول مقدس، فكل ما أضفيتموه عليه مبالغة في الإطراء هو لا يرضي الله تعالى...
أما آيتنا التي بين أيدينا الآن ففيها مشابهة لتك التي مرت وتكلمنا فيها تفصيلًا في الحلقة [6─10] وقد عنونّا تلك الحلقة بعنوان (نهي الله عن المبالغة في أمره عليه السلام) غير أن آية حلقة اليوم ففيها إجمال موضوعي أكبر، نستخلص منه ما هو خاص بخصوص أمر المسيح عيسى ابن مريم ورأي المسلمين في أمره!

فقول الله تعالى: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فإذا كان هذا الكلام يُقصد به المسيحيين فهو جزء من قوله السابق: "أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعا وهو السميع العليم؟" والجواب تقديري محذوف هو قول النصارى بأنه عليه السلام ابن حقيقي لله وشريك له في الملك ويُعبد... على الرغم من أن إنجيلهم لا يقول بأي من ذلك الكلام أبدًا*. فيرُد الله عليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى لسان كل مؤمن قائلًا: «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم» فلا تتبعوا أسلوب المغالاة في الدين، إذ أن الدين في حد ذاته نقيًا، وحتى المكتوب فيه إلى أوان نزول تلك الآية بل وإلى الآن! غير أن الغلو فيه ألغىَ ومحى المكتوب وصُيرت أقوال علماءهم ترنو على ما هو مكتوب في كتبهم، فرأوا معانٍ مغايرة للمقصود فوصلوا لغايات مخالفة للهدف المعهود. وبيان ذلك الغلو أنهم اتبعوا غير الحق، والحق هو إحكام الشيء وصحته، فلما تخلوا عن إحكام الألفاظ وإسنادها إلى صحتها وقعوا في غلوهم فيما تصوروا، فاتبعوا ما قد قيل باطلًا من قبل، فضلوا به وأشاعوه فأضلوا كثيرين.

ولا يغيبن هنا أيضًا أن المقصود بأهل الكتاب في هذه الآية بادئ ذي بدء هم المسلمون، فأنهم أهل الكتاب الأعلى والمهيمن ، فهم الذي جاءهم كتاب من الله فيه برهان وتبيان لكل ما استغلق فهمه على من قبلهم من أهل الكتب السابقين.
وما يجعلنا نقول أن هذه الآية تخص أيضًا أمة النبي محمد هو التخصيص المذكور فيها بقوله تعالى «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل» إذ نعلم جميعًا أن مناط ضلال من كانوا قبل هو الإفراط والغلو في أمر أنبيائهم حتى ألهوهم أو نسبوا في حق الله من أجلهم ما لا يليق «وقالوا اتخذ الله ولدًا» [البقرة] وهذا يعني أن قوله تعالى «وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل» يُقصد به أن عقيدة الغلو هذه قد صدّروها وأشاعوا بها وروجوها حتى أضلوا بها الكثير، وكان الذين اتبعوهم في هذه العقيدة ─بطريق الغلو─ هم أمة الإسلام، ولكن سيقول قائل: "مَن مِن أمة الإسلام الموحدة بالله تعالى يقول بأن لله سبحانه وتعالى ولد؟‼" والرد على هذا القول تشير إليه الآية «ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا» إذ نجد أنها لا تحدد ماهية هذا الغلو، ولكنها تشير إلى الهوى الذي اتبعوه وأوقعهم في الغلو، ومنه صرّح بأن المسلمون سيتبعون هذا الهوى ولكن بطريق يوقعهم في غلو يعزز من عقيدة الذين قالوا: «اتخذ الله ولدًا» [الكهف].

 وقد أشار حضرة سيدنا أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام إلى ذلك في كتابه العظيم (مرآة كمالات الإسلام) وقال:
  

 بمعنى، إن الذين قادهم هواهم وأوقعهم في المغالاة في شأن نبيهم فقالوا إن المسيح ابن مريم هو ولد الله.. وهو بذلك يكون إلهًا، فاقتضى ذلك منهم إحياءه إلى الأبد بجوار الله في السماوات. وتبعهم في ذلك الهوى المسلمون، فقالوا كما يقولون بحياة المسيح منذ زمن كبير جدًا وحتى الآن! فوقعوا في جزء من الغلو الذي غالاه الذين قالوا «اتخذ الله ولدًا» وإن لم يقولوا مثل قولهم إلا أنهم غالوا مغالاتهم، وقد نهاهم الله عن ذلك، فما انتهوا إلا من رُحم.
إذًا فالاتباع هنا هو تبعية الغلو في الدين عمومًا، وليس في ماهية وشكل ذلك الغلو خصوصًا. فكل ما هو غير طبيعي أو غير منطقي أو غير معقول هو مرفوض في شأن العقيدة والدين، وإن الإشارة على كون اعتقاد ما عند المسلمين هو من قبيل الغلو في الدين من عدمه يكون في المماثلة التي يمكن أن تحصل في شأن العقيدة الإسلامية مع معتقدات سابقة «بل قالوا مثل ما قال الأولون» [المؤمنون] (وهذا لا يعني خطأ كل المشابهات القصصية فشأن العقائد يختلف عن أحداث الأمور القصصية) وعلى العكس من ذلك؛ فالتيقن من صحة المعتقد الإسلامي يكون بطريقة «فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا» [البقرة] ولا يكون الإيمان بمثل ما آمنا إلا إذا كان ما آمنا به ─من جهة العقيدة─ خلاف ما يؤمن به الأولون.

بمعنى، أن المسلمين التقليديين هم الذي يقولون مثلما قال المسيحيون في شأن المسيح (بأنه حي في السماء)! لأن المسيحيين هم السبّاقين في ذلك القول وليس العكس. فواجبنا كمؤمنين أن لا نغلو في ديننا ونُقر بموت المسيح ابن مريم كما يموت البشر طبيعيًا، ويكون على الأولين الإيمان بما نؤمن ليهتدوا..
أما المسلمين الأحمديين فهم الذين قد أنعم الله عليهم بفضله وبرحمته أن آمنوا بمبعوث الله لما سمعوه مناديًا للإيمان، وقد كشف الله عليه حقائق غابت عن الأمة طويلًا جراء عديد من الأحداث والتشويشات التي أدت إلى اختلاق ما لا يُقبل في أمر العقيدة والدين. وعلى أساس هذا الإيمان بمبعوث السماء المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي بشر بمقدمهِ خاتم الانبياء والمرسلين محمد المصطفى آمنّا وأقررنا بموت المسيح ابن مريم ذلك الرسول الإسرائيلي المكرم، وأن النازل آخر الزمان هو المسيح المهدي من أمة خاتم النبيين لكل العالمين.
 :.
* لم يرد الإنجيل أي كلام أو إشارة تدل على تأليه أو طلب عبادة المسيح ابن مريم، حتى في رسائل القديس بولس الذي يُعزا إليه إدخال عقائد مختلفة عما جاء به المسيح الناصري عليه السلام.