① شبهة غبية
من سوء حظ من عارض الجماعة الإسلامية الأحمدية بما شاع كذبًا بأن إمام هذه الجماعة حضرة المسيح الموعود الإمام المهدي مرزا غلام أحمد عليه السلام ما هو إلا صنيعة الاستعمار البريطاني في الهند! متغافلين جهلًا أو قصدًا أن الاستعمار البريطاني لو كان صانعًا عميلًا من هذا النوع لكان محرضًا ومؤهلًا له لتكون دعوته مقتصرة على كونه الإمام المهدي وكفى، لا ليكون مسيحًا موعودًا أولًا قبل أن يكون إمامًا مهديًا، فترى الجاهل يروج هذا الأمر ومنتشيًا بجهله!
إن المسيحيين أيضًا ينتظرون قدوم المسيح ولكن بأن يأتي منهم ليقيم الدين المسيحي ويدين الأمم بحسب كتابهم المقدس، فبالله كيف يُقدِم البريطانيين وهم رؤساء وأتباع الكنيسة الأنجليكانية على صناعة شخص والإيعاز إليه لكي يقوم بهدم عقيدتهم من أصولها؟! هل في أدمغة صانعي هذه الشبهة مُخ يصور لهم هذا الكلام؟! أشك..
لقد ادّعى كثيرين على مر الزمان أنهم المهدي المنتظر، وحتى في وقت الاحتلال الإنجليزي لبلادهم هناك من ادعوا بهذا الادعاء، ولكن لم يفكر ولا واحد من هؤلاء أن يذكر بأنه هو المسيح الموعود أيضًا! لم يدّعي هذا الادعاء الثنائي ─مسيحًا موعودًا وإمامًا مهديًا معًا─ إلا شخص واحد فقط من بين كل الأدعياء، هو حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام، وما كان ذلك من عند نفسه إنما مصداقًا لقول النبي ﷺ: «وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ».
إذن فالمروج لفكرة صنيعة الاستعمار هذه فضلًا عن أنه غبي لأنه يردد دون وعي، فهو جاهل أيضًا ويفخر بجهله المُخجل لأنه لا يعلم ويردد دون علم، وربما يُصر عليه أيضًا بعد قراءة هذا الكلام! فإذا صوبنا له معلوماته أخذته العزة بالإثم..
② طيب لماذا تركه البريطانيين؟!!
لم يكن إعلان حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام بأنه مسيحًا موعودًا ومهديًا معهودًا قائم على شيء من هوى البريطانيين لأنه ببساطة أمر يخالف عقيدتهم بل ويهدمها هدمًا ويقوض من أعمالهم التبشيرية للمسيحية التي هم عليها، غير أن السلطات البريطانية لاعتزازهم واحترامهم لمبدأ إنساني هام بالنسبة لهم وهو حرية الضمير والمعتقد لم يتعرضوا له مباشرة، وقد كان ما يهمهم بشكل أولى المصلحة الاقتصادية والعمل على استتباب الأمن في سبيل تلك المصلحة. إلا أن الأغبياء من المسلمين المعاندين قاوموه وعادوه بغير سبب مقنع، بل اتبعوا اهواءهم واخترعوا ادعاءهم الغبي فوق غباءهم المحض فقالوا بأن البريطان هم من صنعوه!
③ تعارض التهم
والجدير بالذكر أن الاتهامات الموجهة لحضرة المسيح الموعود بالعمالة لصالح الإنجليز ضد بني وطنه إنما كانت بعد وفاته وبعد استقلال الهند، أما أثناء حياته ووقت وجود الإنجليز فقد كان حضرة المسيح الموعود متهمًا من المشايخ بمعاداة الإنجليز ومحرضًا للناس ضدهم!
فيا أعزائي، نحن نعلم جميعًا بأنه عندما تتعارض التُهم فالمُتهم بريء. فلقد كان المشايخ المعارضين لحضرة المسيح الموعود دائمًا ما يوشون ضده افتراءً عند الحكومة الإنجليزية؛ بأنه كان يعمل ضدها.. وعندما رحل الإنجليز عن الهند تحولت التُهمة إلى أنه كان عميلًا للإنجليز!
ولا شك أن هناك أغبياء يصدقون التهمتين معًا! فقد انتقل الخُبث من الآباء إلى الأحفاد بكل بساطة. والخبيث ليس شريفًا في المعارضة إنما يتلون بحسب ما يملي عليه إلهه "هواه."
إن المسيح الموعود صنعه الله على عينه، إذ هيأ لمبعوثه السُبل الضرورية للانبعاث والانتشار، وترك قليلًا من المعوقات ليميز الخبيث من الطيب ويأبى الله إلا أن يتم أمره ولو استاء المعاندين.
④ المسلمون والإنجليز في الهند
وبهذا الوضع وإن كانوا لم يقصدوا به مصلحة للناس، بل ليتمكنوا من تنفيذ مصالحهم فقط، غير أنه أعطى المسلمين فرصة الظهور بعد أن كانوا في محل الخائف المغمور.
⑤ من لم يشكر الناس...
فإذا كان الحال كذلك، أفلا يكون أولى للمسلمين في الهند (بعد أن كانوا مُقطعي الأوصال) أن يفضّلوا المستعمر البريطاني في الهند، ويشكروا صنيعه على ما قدمه من عدل وأمن بحجز السيخ التطرفين عنهم؟!
فإذا كان المسيحيين الإنجليز أعداء للمسلمين في الهند، فعداوتهم لا تبرز بمظاهر القتل والإبادة، بل هي عداوة عقدية ودينية غايتها تحويل المسلمين إلى متنصرين، أما السيخ المتطرقة فعداوتهم للمسلمين عداوة وجودية تستلزم إبادتهم من أجل إقامة دولتهم.
أفلما يظهر منادٍ في تلك الأجواء يعلن شكر البريطانيين على ما قدموه من خدمات أمنية عامة، وتوفير مساحات فكرية ودعوية لم تكن موجودة، بتأمين مناخ من العدل والاستقرار، ويعلن تقديره صنيعهم هذا يتم تخوينه! فكيف تحكمون؟!
⑥ فطرة إنسانية وآية قرآنية
ثم أليس للمخونين في هذا الشأن معرفة بهذه الآية القرآنية الكريمة التي تقول: «الم• غُلِبَتِ الرُّومُ• فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ• فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ• بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» فعلامَ سيفرح المؤمنون حينئذ بحسب الفهم التقليدي لهذه الآية يا تُرى؟!، أليست فرحتهم بغلبة الروم المسيحيين على المجوس الفرس الوثنيين، أيمدح الله الخونة! بل ويسميهم مؤمنين؟ كان النبي ﷺ وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس وكلاهما كافر، لكن لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك سورة الروم... وكذلك يوسف الصديق كان نائبًا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون وفعل من العدل والخير في كنفهم ما قدر عليه، وأطاعهم وشكرهم ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان..
فما لكم تخالفون الفطرة والقرآن الكريم لنصرة أهوائكم وأفقكم السطحي العقيم.. ما لكم!! كيف تحكمون؟؟!!
⑦ هدي نبوي وهدي محمدي
فليس من المستغرب أن يكون هذا هو نهج جميع النبيين، إذا حصل اضطهاد، فهذا عيسى ابن مريم «ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: "يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟" فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: "لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ". فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً. فَقَالَ لَهُمْ: "لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟" قَالُوا لَهُ: "لِقَيْصَرَ". فَقَالَ لَهُمْ: "أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ"» فهل كان عيسى المسيح بذلك القول عميلًا للرومان خائنا لقومه ومتواطئًا ضدهم؟! كلا وحاشاه عليه السلام، بل كان معارضيه هم الخبثاء والمنافقين، وأرادوا الإيقاع به لدى الرومان، متواطئين هم ضده عندهم! فهم الخائنون.. فلما تنكرون يا عباد الله سُبل الله وأسبابه للنجاة؟! وما لكم لا تنصفون وعن سُبل الافتراء لا تتقون؟!
وهذا رسول الله ﷺ، يقدم نموذجًا، إذ أرسل المُضطهدين من المسلمين الأولين إلى نجاشي الحبشة المسيحي قائلًا لهم: «إنَّ بأرض الحبشةِ ملِكًا لا يُظلَمُ أحدٌ عنده، فالْحقوا ببلادِه حتى يجعل اللهُ لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتُم فيه» فما أشبه الحال بالحال، وقد قال نبينا ﷺ: «بدأ الإسلامُ غريبًا وسيَعودُ غريبًا فَطوبى للغُرباءِ» وكأن عمل الأمس منه ﷺ مثبِتًا لفعل اليوم عمن تبعوه بإحسان ولم يخونوا…
لقد سمع عمرو بن العاص المستوردَ بن شدادَ يحدث عن النبي ﷺ بقوله: «تقومُ الساعةُ والرومُ أكثرُ الناسِ». قال له عمرو: "أبْصِرْ ما تَقُولُ". فقال المستورد: "أقُولُ ما سَمِعْتُ مِن رَسولِ اللهِ ﷺ" فقال عمرو: "لَئِنْ قُلْتَ ذلكَ، إنّ فيهم لَخِصالًا أرْبَعًا: إنّهُمْ لأَحْلَمُ النّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وأَسْرَعُهُمْ إفاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ ويَتِيمٍ وضَعِيفٍ، وخامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وأَمْنَعُهُمْ مِن ظُلْمِ المُلُوكِ" فسؤالي لآن للذين يخونون الشاكرين بعد هذه "الحسنة الجميلة" التي سماها عمرو، أي الفريقين تخونون بعدُ إن كنتم صادقين وغير منافقين؟!
⑧ ومن أقوال السلف
فيقول في ذلك المضمار شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: "يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور" إذن فلا شك أن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها في البلدان من أسباب البقاء ومن دواعي إقبال الناس على أولئك الحكام، وقال أيضًا: "أن الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة"، ويُروى: "أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة" فلهذا أُسديَ حضرة مرزا غلام أحمد الشُكر لتلك الحكومة البريطانية المُحسنة الكريمة على ما قدمته من إنصافٍ وعدل لعموم أديان الهند ومنها دين الإسلام بعد أن كانت حقوقه في مهب الريح وأهله من المظلومين المنسحقين...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق