السبت، 4 ديسمبر 2021

الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس (نظرية التطور)

لو تأملنا بنظرة سريعة في هذه الآيات من سفر التكوين، للمسنا تلقائيا مراحل زمنية قضتها البشرية حتى نشأة الإنسان، ويبدو أن أصول هذه النشأة التطورية خرجت من الماء.

النشأة الأولى (أصل الإنسان) «تكوين 1/ 21»

فيُذكر في الآية الأولى بين أيدينا، أن الله خلق كل نفس حية تدب، يعني جميع الحيوانات بما في ذلك البشر، خلقهم من الماء. أي أننا كنا مخلوقات مائية، ثم خرجنا منها (أو أن الماء انحسر عن هذه المخلوقات) لنواجه مرحلة تطورية جديدة.

★★ بداية الوجود البشري «تكوين 1/ 26-30»

ثم دخل ذلك الخلق الأول في مرحلة عليا أكثر تطورًا (وقد شبهه الله به «كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ» أي من حيث قدرته على التسلط والتحكم بتسخير كل ما دونه)، فاستطاع –كما تذكر الآيات الثانية بين أيدينا– أن يسخّر كل المخلوقات دونه. وأخذ يتغذى على سمك البحر، والطير، وكل الحيوانات الأرضية العاشبة. حتى وصل الكائن البشري في رحلة تطوره بنوعيه (ذكور وإناث) إلى صورته التي هو عليها الآن.

وكان البشر في هذه الفترة همج عدوانيين متفرقين، يسكنون الكهوف ويطاردون بعضهم بعضًا، وقد يقضي بعضهم على بعض لا لشيء سوى للغُربة بينهم.

★★★ ظهور الإنسان «تكوين 2/ 7»

وظلت هذه الحالة الهمجية البشرية حتى وجد الغرباء في انضمامهم بعضهم إلى بعض شيئًا من الألفة والأمن المرغوب، والتآنس بالتجمع، فكان عنصر الإنسان، الذي اختار منه الرب الإله آدم واصطفاه كنبي.

هذا ما نراه بالنظرة السريعة على الآيات.

أما بالنظرة التحليلية والتأملية الفاحصة، فبها نتأكد مِن هذا الذي ذكرناه، إذ نجد التمايز النوعي والمرحلي البادي من كلمات [خلقَ] و[عملَ] و[جَبل] في كل آية من الآيات موضوع الفحص.

فالخلق في فقرة "تكوين 1/ 21" هو الإنشاء من عدم، ومعنى الخلق هو إبداع الأشياء التي لم يكن لها وجود[1]. والفاعل في الفعل [خلق] هو الله دائمًا.

★★ أما العمل في الفقرات "تكوين 1/ 26-30" فهو صنع في الشيء، وإحداث أمر في هيئته، وحين ينسب الفعل [عمل] إلى الخالق فيفهم بإنه ما قد سبق الله وأعده لنا لنجتاز فيه[2].

★★★ أما الجبْلُ في "تكوين 2/ 7" فهو الطبع على الشيء[3]؛ بمعنى إيجاد الطبع الإنساني يكون في الخلق الذي تم إيجاده من عدم، ثم إعداده بالعمل فيه سلفًا ليكون بشرًا. ولا يتأتى هذا الأمر إلا من الله حصرًا رعاية لهذا الخلق.

فلذلك نقول إن نظرية التطور في نشأة الإنسان يدعمها الكتاب المقدس بوضوح وقوة، لذا فهي من مظاهر الإعجاز العلمي فيه.

هذا ولا يخفى على القارئ الواعي المسافة ما بين أماكن ذكر هذه الآيات في متن السفر [تكوين 1/ 21][تكوين 1/ 26-30][تكوين 2/ 7] ما يعبر عن الفترات الزمنية المنقضية والمعبرة عن مراحل التطور.

ولمن قام ليعترض من الأخوة المسيحيين بالقول: "أيام الخلق هي أيام الأسبوع وليست حقب زمنية" فأواجهه بقول المفسرين المسيحيين الذي يجهله، حيث قيل: "ويعتقد بعض المفسرين أن لفظة [يوم] لا تعتبر بالضرورة مدة أربع وعشرين ساعة، ويقولون أنها بالأرجح تشير إلى مدة جيولوجية طويلة الأمد. ولتأييد رأيهم يقولون أنه كثيرًا ما استعملت لفظة [يوم] في الكتاب المقدس للدلالة على مدة أكثر من يوم شمسي، كيوم الأشرار، ويوم النقمة، ويوم الدينونة، ويوم الخلاص، وألف سنة في عيني الرب كيوم واحد؛ مزامير 90/ 4 ورسالة بطرس الثانية 3/ 8"[4].  

باختصار لمن لم يفهم الموضوع:

القصة كلها تقع في هذه الفترة الزمنية [تكوين 1/ 21][تكوين 1/ 26-30][تكوين 2/ 7]

أولا: خلق الله جميع الأحياء من الماء، وقد ذكرت في "تكوين 1/ 21" وقد خرجت كل نفس حية تدب من الماء تتلمس طريقها على الأرض ومنها الكائنات التي ستصبح بشر بعد ذلك. وقد استُعمل فيها كلمة "الخلق" يعني البدء من لا شيء.

ثانيا: المرحلة البشرية، وقد ذُكرت في هذه الآيات "تكوين 1/ 26-30" ووصف فيها المخلوق البشري بأنه الكائن الأعلى في المملكة الحيوانية، ووصف فيها أنوع غذائه. وقد استعمل في حالة ظهوره كلمة "العمل" يعني إحداث شيء فيما هو موجود.

ثالثا: ظهور آدم، الإنسان الاجتماعي العاقل المتآنس، وقد ورد ذكره في "تكوين 2/ 7" وكان استعمال معه كلمة "جبلَ" يعني طبعه بصفات فريدة ومغايرة عما كانت موجودة فيما تم عمله في السلف السابق الموجود منذ بدء خلق الكائنات.

 

المراجع



[2] قاموس الكتاب المقدس تحت كلمة [عمل، أعمال]

[3] معجم أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد، تأليف سعيد الخوري الشرتوني اللبناني، تحت كلمة [جَبَلهُ]

[4] قاموس الكتاب المقدس تحت توضيح كلمة [خلق، خليقة]