نقدم اليوم دليل قرآني جديد حول طبيعة المسيح عيسى ابن مريم البشرية وحتمية وفاته، لأن بدون ذلك يتعرض الدين للتخلخل والضعف، فهو متعلق مباشرة بحق الله حصرًا، وإلا فحكمته سبحانه معرضة للشبهات.
في هذه الآية الكريمة يكلمنا الله بصراحة وبوضوح منقطع النظير ويقول لنا وينبهنا
أن لا نغلو في ديننا، ويضيف بقوله تعالى مشيرًا إلى نقطة هامة من موضوع الغلو
في الدين ألا وهي إطراء المسيح عيسى ابن مريم، حتى يتطور هذا الإطراء إلى إخراجه
من المرتبة البشرية الطبيعية وهو مبعوث الله إلى الخلق، وإدخاله في إطار من الاستثنائية.
لقد نهى الله عن ذلك، ولكنه لم يكتف عز وجل بمجرد النهي، بل قدم سبحانه عدد غير
قليل من الإضاءات على ما قد ضللنا في اعتقاده.
في البداية يجب أن ننوه بأن هذه الآية تخاطب كل أهل الكتاب، بمن فيهم المسلمين.
بل هم الأولى هنا في تلقي الخطاب مبدئيًا، فاستهل خطابه توجيهًا لليهود فحضهم على أن لا
يتفوهوا بكلام لا يليق بالله تعالى ثم أسقط هذا الحض على المسلمين فأخبرهم بحقيقة
المسيح والتي يشترك في الاعتقاد الفاسد فيها كل أهل الكتاب فقال: «إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى
مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله».
* يجب أن نعرف أولًا ما هو الغلو؟ والغلو هو الارتفاع في وصف الشيء ومجاوزة فيه القدر والحد الطبيعي وإدخاله في إطار غير المعقول. فإذا كان الله قد نهانا عن الغلو في هذه المسألة، فإنه يقصد بكل وضوح أن لا نرفع الموضوع إلى ما هو فوق الطبيعي بأي حال!
لكن قد يقول قائل إن هذا النهي موجه للمسيحيين خاصة، إذ ألّهوه عليه السلام فنرد عليهم بالنقاط التالية بعد عرض الحديث النبوي التالي:
* يجب أن نعرف أولًا ما هو الغلو؟ والغلو هو الارتفاع في وصف الشيء ومجاوزة فيه القدر والحد الطبيعي وإدخاله في إطار غير المعقول. فإذا كان الله قد نهانا عن الغلو في هذه المسألة، فإنه يقصد بكل وضوح أن لا نرفع الموضوع إلى ما هو فوق الطبيعي بأي حال!
لكن قد يقول قائل إن هذا النهي موجه للمسيحيين خاصة، إذ ألّهوه عليه السلام فنرد عليهم بالنقاط التالية بعد عرض الحديث النبوي التالي:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بَاعًا بِبَاعٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمْ مَعَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ إِذًا» [مسند أحمد]ولتفصيل وتحليل هذه الآية نعرض تلك النقاط:
1/ فقوله: «إنما المسيح ابن مريم رسول
الله» يعني به تأكيد أن المسيح ليس إلا بشر، فهو ابن مريم ─أي مولود─ وهو مقدس
مبرء لأنه رسول الله. ونفي عنه غير ذلك مما أشيع حوله، سواء كانت هذه الإشاعة
سالبة لبراءته ولقداسته كما اعتقد اليهود، أو كانت مضفية عليه ومانحة له هالة فوق
هيئته كما اعتقد المسيحيين وتبعهم في ذلك المسلمين! فقوله «إنما» يقصد
تحقيق الشيء على وجهٍ (أي تأكيد كون المسيح أنه ابن مريم ─وفي ذلك تحقيق
البشرية─ وهو رسول الله، وفي ذلك تحقيق الرسولية القدسية) مع نفي غير ذلك عنه،
سواء كان الاستثناء في البشرية، أو الرفع لدرجة الألوهية، فهي ─أي «إنما»─ تفيد معنى الحصر المقصود به «وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا».
2/ وقوله: «وكلمته ألقاها إلى مريم»
وهذه الجزئية ليست عائدة على المسيح عليه السلام، فلا تكون (رسول الله وكلمته) فالكلمة
هنا بمعنى الحكم أو الأمر، فعيسى ابن مريم هو رسول الله إلى البشر؛ أتى بأمر الله
وحكمه إلى مريم، و (الْإِلْقَاءُ) كَالْإِمْلَاءِ وَالتَّعْلِيمِ، فليس المسيح
بشخصه هو كلمة الله كارتباط من نوع الارتباط الجنسي ─أي من ذات جنس الله─ إنما هو
كما بين الله في الآية أنه رسوله،
والكلمة أي أمره؛ هو الحكم والتعليم الذي ألقاه إلى مريم.
وهذا رد على نوعين من الادعاءات المفتراه، أولًا رد على المسيحيين
الذين يقولون: «وكان الكلمة الله» [يوحنا]
فيرد هنا الله ويقول: «إنما المسيح عيسى ابن
مريم رسول الله. وكلمته ألقاها إلى مريم» فليس المسيح هو بذاته الكلمة، ولكنه عليه السلام نتاج الكلمة، أي
الحكم الإلهي والتعليم الرباني المُملى إلى مريم الصدّيقة. وبذلك لا يكون الله
تعالى هو ذاته الكلمة، ولا يكون المسيح عليه السلام هو ذاته الكلمة أيضًا، إنما
الكلمة هي أمر الله وحكمه الصادر منه تعالى إلى مريم الصدّيقة، والتي بدورها صدقته
وقبلته «وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا» [التحريم]
فكان جزاء تصديقها أن كان منها المسيح رسول الله.
ثانيًا هي رد على عامة المسلمين الذين يدّعون بأن المسيح ابن مريم هو
نفسه الكلمة، يضاهون بذلك قول من سبقهم، فيستبعدون عليه الموت رغم بشريته التي
يقرون بها. فوقعوا في شرك اللاهوتية والناسوتية، فيقولون بأنه عليه السلام هو بشر
نعم ولكنه كلمة الله أيضًا، لذا فينكرون الموت عليه ─ولو مؤقتًا─ لمدة تخرق المنطق
البشري، والقانون الإلهي في البشر! فرد الله عليهم ظنهم وقال: «إنما
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله. وكلمته ألقاها إلى مريم» فهو
عليه السلام نتيجة تصديق مريم بحكم ربها وبكلماته تعالى. ولو تدبروا قليلًا في
اعتقادهم القاصر هذا، بقولهم وهل تموت كلمة الله؟! رغم أنهم فيما سبق يقرون
ببشريته وبقاءه إلى حين وسينزل ثم يموت! فكأنهم يقرون بموت كلمة الله ولكن ليس إلا
مؤخرًا أي بعد حين‼ فعجبًا لهذا التناقض.
3/ أما قوله تعالى: «وروح
منه» فهو كذلك يحمل عند عامة المسلمين أحمالًا لا يحتملها، إذ ظنوا أن
اللفظ عائد على المسيح حصرًا، والحق أنه عائد إلى مريم خاصة، ودليل ذلك في أكثر من آية «فأرسلنا إليها روحنا» [مريم] و «والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا» [الانبياء]
و «التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا»
[التحريم] وقوله «فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا
له ساجدين» [الحجر][ص] ونستنتج من مجموع هذه الآيات أن نفخة الروح إنما تخص
المنفوخ فيه، فلفظة "روح" هنا متعلقة بالكلمة الملقاة إلى مريم، فإذا
كانت الكلمة هي حكم الله وأمره، فالروح هو النعمة الناتجة عن تصديق الكلمة.
وفي ذلك يقول حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في كتاب نور الحق حول الآية «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الجاثية]:
فكذلك نقول أيضًا أن ليس الروح عائد بشكل خاص على المسيح، إنما في الأصل إلى مريم التي كان منها المسيح، إذ لما تقبلت هي الأمر الإلهي بعناية وصدق، نبتت فيها النعمة الربانية، «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» [الروم].
وفي ذلك يقول حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في كتاب نور الحق حول الآية «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [الجاثية]:
فكذلك نقول أيضًا أن ليس الروح عائد بشكل خاص على المسيح، إنما في الأصل إلى مريم التي كان منها المسيح، إذ لما تقبلت هي الأمر الإلهي بعناية وصدق، نبتت فيها النعمة الربانية، «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» [الروم].
من كل ذلك نخلص إلى أن السيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ما هو
إلا رسول لا يختلف عن بقية الرسل في الطبيعة البشرية المطلقة، أما الكلمة الإلهية
والروح فهما أوامر الله ونعمهِ، وليست هي ذات الله بحال. وعلى من يعترض، فليقل لنا
لماذا قال الله عز وجل فيما بعد هذا الكلام: «فآمنوا
بالله ورسله» فإذا كانت اعتراضاتهم فيها شيء من الصحة لقال سبحانه (فآمنوا
بالله ورسوله) كتفضيل خاص لهذا الرسول ─المسيح عيسى ابن مريم─ لكنه لم يقل ذلك
ودحض سبيل المعترضين، وساوى بين رسوله المسيح وبقية رسله من قبله ومن بعده، فقال
عز من قائل: «إنما
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ... فآمنوا بالله ورسله».
فإن أي اعتقاد يخالف ذلك يكون كما قرر الله تعالى؛ ما هو إلا غلو في الدين،
نهانا الله عنه بكلام صريح مبين. وأي غلو أكبر والقول بأن المسيح حي منذ أكثر
من ألفي سنة لا زال قائم على ألسنة المسلمين؟
لقد أبرز الله في هذه الآية قول في غاية الأهمية، لما قال: «لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ
وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ» ثم
سرد تفاصيل طبيعة المسيح، وكأنه سبحانه يريد منا أن ننزهه تعالى في أنفسنا من شوائب فكرنا
التي مست حكمته عز وجل وأساءت، فالحق أن الله لم يقل بما يقوله عامة المسلمين اليوم
عن المسيح، بل قال بكل جلاء إنما هو رسول، كالرسل، كالبشر، مات بسلام، فلا تحرفوا
الكلام لتمجدوه.. فتحطوا من قدر الخالق الديان سبحانه.
:.
:.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق