الثلاثاء، 30 أبريل 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الثاني

 اثنين البصخة، وهي لفظة أرامية تعني (الفِصحا) أي العبور─

أولًا - القراءة ██

    المزامير ١١٨/ ٢٢

»٢٢ الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ«

    متى ٢١/ ١٨- ٤٦

شجرة التين تيبس

»١٨ وفي الصُّبحِ إذ كانَ راجِعًا إلَى المدينةِ جاعَ، ١٩ فنَظَرَ شَجَرَةَ تينٍ علَى الطريقِ، وجاءَ إليها فلم يَجِدْ فيها شَيئًا إلّا ورَقًا فقط. فقالَ لها: «لا يَكُنْ مِنكِ ثَمَرٌ بَعدُ إلَى الأبدِ!». فيَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ. ٢٠ فلَمّا رأى التلاميذُ ذلكَ تعَجَّبوا قائلينَ: «كيفَ يَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ؟». ٢١ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التّينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. ٢٢ وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ«

السؤال عن سلطان يسوع

٢٣ ولَمّا جاءَ إلَى الهَيكلِ تقَدَّمَ إليهِ رؤَساءُ الكهنةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وهو يُعَلِّمُ، قائلينَ: «بأيِّ سُلطانٍ تفعَلُ هذا؟ ومَنْ أعطاكَ هذا السُّلطانَ؟». ٢٤ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «وأنا أيضًا أسألُكُمْ كلِمَةً واحِدَةً، فإنْ قُلتُمْ لي عنها أقولُ لكُمْ أنا أيضًا بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا: ٢٥ مَعموديَّةُ يوحَنا: مِنْ أين كانت؟ مِنَ السماءِ أم مِنَ النّاسِ؟». ففَكَّروا في أنفُسِهِمْ قائلينَ: «إنْ قُلنا: مِنَ السماءِ، يقولُ لنا: فلماذا لم تؤمِنوا بهِ؟ ٢٦ وإنْ قُلنا: مِنَ النّاسِ، نَخافُ مِنَ الشَّعبِ، لأنَّ يوحَنا عِندَ الجميعِ مِثلُ نَبيٍّ». ٢٧ فأجابوا يَسوعَ وقالوا: «لا نَعلَمُ». فقالَ لهُمْ هو أيضًا: «ولا أنا أقولُ لكُمْ بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا«

مثل الابنين

٢٨ ماذا تظُنّونَ؟ كانَ لإنسانٍ ابنانِ، فجاءَ إلَى الأوَّلِ وقالَ: يا ابني، اذهَبِ اليومَ اعمَلْ في كرمي. ٢٩ فأجابَ وقالَ: ما أُريدُ. ولكنهُ نَدِمَ أخيرًا ومَضَى. ٣٠ وجاءَ إلَى الثّاني وقالَ كذلكَ. فأجابَ وقالَ: ها أنا يا سيِّدُ. ولَمْ يَمضِ. ٣١ فأيُّ الِاثنَينِ عَمِلَ إرادَةَ الأبِ؟». قالوا لهُ: «الأوَّلُ». قالَ لهُمْ يَسوعُ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ العَشّارينَ والزَّوانيَ يَسبِقونَكُمْ إلَى ملكوتِ اللهِ، ٣٢ لأنَّ يوحَنا جاءَكُمْ في طريقِ الحَقِّ فلم تؤمِنوا بهِ، وأمّا العَشّارونَ والزَّواني فآمَنوا بهِ. وأنتُمْ إذ رأيتُمْ لم تندَموا أخيرًا لتؤمِنوا بهِ.

مثل الكرامين

» اِسمَعوا مَثَلًا آخَرَ: كانَ إنسانٌ رَبُّ بَيتٍ غَرَسَ كرمًا، وأحاطَهُ بسياجٍ، وحَفَرَ فيهِ مَعصَرَةً، وبَنَى بُرجًا، وسَلَّمَهُ إلَى كرّامينَ وسافَرَ. ٣٤ ولَمّا قَرُبَ وقتُ الأثمارِ أرسَلَ عَبيدَهُ إلَى الكَرّامينَ ليأخُذَ أثمارَهُ. ٣٥ فأخَذَ الكَرّامونَ عَبيدَهُ وجَلَدوا بَعضًا وقَتَلوا بَعضًا ورَجَموا بَعضًا. ٣٦ ثُمَّ أرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ أكثَرَ مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بهِمْ كذلكَ. ٣٧ فأخيرًا أرسَلَ إليهِمُ ابنَهُ قائلًا: يَهابونَ ابني! ٣٨ وأمّا الكَرّامونَ فلَمّا رأوا الِابنَ قالوا فيما بَينَهُمْ: هذا هو الوارِثُ! هَلُمّوا نَقتُلهُ ونأخُذْ ميراثَهُ! ٣٩ فأخَذوهُ وأخرَجوهُ خارِجَ الكَرمِ وقَتَلوهُ. ٤٠ فمَتَى جاءَ صاحِبُ الكَرمِ، ماذا يَفعَلُ بأولئكَ الكَرّامينَ؟». ٤١ قالوا لهُ: «أولئكَ الأردياءُ يُهلِكُهُمْ هَلاكًا رَديًّا، ويُسَلِّمُ الكَرمَ إلَى كرّامينَ آخَرينَ يُعطونَهُ الأثمارَ في أوقاتِها». ٤٢ قالَ لهُمْ يَسوعُ: «أما قَرأتُمْ قَطُّ في الكُتُبِ: الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ هو قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كانَ هذا وهو عَجيبٌ في أعيُنِنا! ٤٣ لذلكَ أقولُ لكُمْ: إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنزَعُ مِنكُمْ ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمَلُ أثمارَهُ. ٤٤ ومَنْ سقَطَ علَى هذا الحَجَرِ يتَرَضَّضُ، ومَنْ سقَطَ هو علَيهِ يَسحَقُهُ!». ٤٥ ولَمّا سمِعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَرّيسيّونَ أمثالهُ، عَرَفوا أنَّهُ تكلَّمَ علَيهِمْ. ٤٦ وإذ كانوا يَطلُبونَ أنْ يُمسِكوهُ، خافوا مِنَ الجُموعِ، لأنَّهُ كانَ عِندَهُمْ مِثلَ نَبيٍّ«

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

 يأخذنا عمل السيد يسوع الإنجيلي تجاه شجرة التين إلى ثلاثة مواضيع وهي:

١ -أن يسوع عندما جاع لم يفكر إلا في شجرة التين غير المثمرة، رغم كون عدم إثمارها ليس لعيبٍ فيها بل لأن الموسم ليس موسم ثمرها (مرقس ١١/ ١٣) فكيف تثمر ثمر في غير موعده؟! وهذا الموقف يرشدنا إلى عدم معرفة يسوع الإنجيلي بالغيب، الذي هو من أهم متطلبات الألوهية المزعومة تجاهه، فضلًا عن عدم إدراكه للوقت كإنسان يغفل ويخطئ.

٢ -إنه عندما لعن شجرة لم تثمر بسبب أن ليس الوقت وقت إثمارها يصبغه بصبغة كونه سريع الغضب على توافه الأمور وعلى ما لا محل للغضب عليه.. كما يجبر هذا الموقف المتأملين على تصور يسوع الإنجيلي تسوقه شهواته (شهوة البطن) فضلًا عن أنه يحكم على أساسها.. فإذا كان هذا موقفه مع شجرة لم تعطه ثمر بغير إرادة منها، اللعن، فكيف بمن رفضوه على أيامه بإرادة على غير عناد؟ أو من رفضوا زعم ألوهيته على أيام أتباع هذه العقيدة لفظًا لهذا الاعتقاد..! الحق لقد صرح يسوع الإنجيلي بمصير أولئك فقال: «أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» لوقا ١٩/ ٢٧ فإذا كان هو لم تسعفه الحياة لتنفيذ ذلك بيده، إلا أن اتباعه طبقوه بحذافيره كما يقدم لنا التاريخ والواقع.

٣ -ويحيلنا هذا كله إلى تذكر قراءة اليوم الأول في زكريا ٩/ ٩ إذ نُسب إلى يسوع الوصف «هو عادِلٌ ومَنصورٌ وديعٌ» لنتأمل فيه ولنقرر أنه لا يطابق ولا يوافق أحوال يسوع الإنجيلي على الإطلاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  وفي الجدال الذي دار في الهيكل نستطيع أن نخرج بموضوعين أحدهما لاهوتي وآخر تاريخي.

  أما الموضوع الأول فمن أين ليسوع السلطان/ الإذن ليعلم في الهيكل؟ كان هذا سؤال الكهنة له، ولكنه لم يقدم جوابًا مباشرًا بل عمل أعمالًا توحي بأنه يفعل كل ذلك بإذن الله[1] وعلى خلفية هذا الموضوع فقد أثار يسوع قضية لاهوتية تعطي جوابًا لسؤالهم وهي من أعطى الإذن ليوحنا ليقوم بالمعمودية، أكان الإذن من الله أم من نفسه اخترع ذلك؟

ولما كان يوحنا نبيًا بارًا مقبولًا عند الشعب ولكنه كان مرفوضًا لدى الكهنة، حتى أنهم أوشوا ضده وأسلموه للسلطات، فقد خشي الكهنة أن يردوا على هذا السؤال المحرج لهم، فإن قالوا إن أعمال معموديته كانت بإذن من الله أدانوا أنفسهم كونهم لم يخضعوا له ويتبعوه، وإن قالوا إنها اختراع من عند نفسه وقعوا تحت سخط الناس عليهم.

أما المسيح فقد تلقى معموديته بيد يوحنا لاستقبال الإذن الإلهي بخضوعه له أولًا وبناء عليه تقدم وسط قبول الشعب ليعلم في الهيكل ولم يستطيع الكهنة منعه كونه كان من أنصار يوحنا المحبوب.

ومن ذلك نستخلص الجواب المباشر وهو كما تلقى يوحنا الإذن من الله ليقوم بالمعمودية كذلك أنا تلقيت الإذن من الله للتعليم في الهيكل.

  وفي قضية أخرى طرحها يسوع في "مَثَل الكرامين" وهي انتقال ملكوت السماوات من بيت إسرائيل إلى أمة أخرى تعطي حقه، ولما كان يسوع من بيت إسرائيل فبالتأكيد لا يعقل أن يكون هو المعني بالنبوءة «الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ» بل الصواب هو أن إسماعيل، وهو الابن البكر لإبراهيم والذي اصبح مرفوضًا ومُغتالًا معنويًا من قبل اليهود هو المقصود بتلك النبوءة «رأسَ الزّاويَةِ»، فرأس الزاوية هي الأساس التي يقوم عليها البناء، وبجودتها يتحدد متانة البناء.. فقد كان إسماعيل هو المرفوض عند اليهود، وقد أتى يسوع في آخر السلسلة الإسرائيلية ليخبر اليهود بهذا الخبر، فقد رفضوا الكثيرين، ولكن كان أول رفضهم موجه تجاه إسماعيل مبدأ البناء، ومن إسماعيل تخرج أمة عظيمة (تكوين ١٧/ ٢٠) ينتقل إليها امتياز إقامة ملكوت السماوات بحقه كما أخبرهم يسوع بعدما أخفقوا هم. إذن فيسوع في هذا الكلام كان مخبر عن غيره لا مثبتًا النبوءة على نفسه.



[1] معجم اللاهوت الكتابي ص ٤٢٨

 

الاثنين، 29 أبريل 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الأول

 ─أحد السعف، ويعرف أيضًا بأحد الشعانين ومعناها (رب خلصنا)─

██أولًا - القراءة

    زكريا ٩/ ٩

مجيء ملك صهيون

«٩ اِبتَهِجي جِدًّا يا ابنَةَ صِهيَوْنَ، اهتِفي يا بنتَ أورُشَليمَ. هوذا مَلِكُكِ يأتي إلَيكِ. هو عادِلٌ ومَنصورٌ وديعٌ، وراكِبٌ علَى حِمارٍ وعلَى جَحشٍ ابنِ أتانٍ»

    المزامير ٨/ ٢

«٢ مِنْ أفواهِ الأطفالِ والرُّضَّعِ أسَّستَ حَمدًا بسَبَبِ أضدادِكَ، لتَسكيتِ عَدوٍّ ومُنتَقِم»

    المزامير ٦٩/ ٩

«٩ لأنَّ غَيرَةَ بَيتِكَ أكلَتني، وتَعييراتِ مُعَيِّريكَ وقَعَتْ علَيَّ»

    متى ٢١/ ١- ١٧

الدخول إلى أورشليم

«١ ولَمّا قَرُبوا مِنْ أورُشَليمَ وجاءوا إلَى بَيتِ فاجي عِندَ جَبَلِ الزَّيتونِ، حينَئذٍ أرسَلَ يَسوعُ تِلميذَينِ ٢ قائلًا لهُما: «اِذهَبا إلَى القريةِ الّتي أمامَكُما، فللوقتِ تجِدانِ أتانًا مَربوطَةً وجَحشًا معها، فحُلّاهُما وأتياني بهِما. ٣ وإنْ قالَ لكُما أحَدٌ شَيئًا، فقولا: الرَّبُّ مُحتاجٌ إليهِما. فللوقتِ يُرسِلُهُما». ٤ فكانَ هذا كُلُّهُ لكَيْ يتِمَّ ما قيلَ بالنَّبيِّ القائلِ: ٥ «قولوا لابنَةِ صِهيَوْنَ: هوذا مَلِكُكِ يأتيكِ وديعًا، راكِبًا علَى أتانٍ وجَحشٍ ابنِ أتانٍ». ٦ فذَهَبَ التِّلميذانِ وفَعَلا كما أمَرَهُما يَسوعُ، ٧ وأتَيا بالأتانِ والجَحشِ، ووضَعا علَيهِما ثيابَهُما فجَلَسَ علَيهِما. ٨ والجَمعُ الأكثَرُ فرَشوا ثيابَهُمْ في الطريقِ. وآخَرونَ قَطَعوا أغصانًا مِنَ الشَّجَرِ وفَرَشوها في الطريقِ. ٩ والجُموعُ الّذينَ تقَدَّموا والّذينَ تبِعوا كانوا يَصرُخونَ قائلينَ: «أوصَنّا لابنِ داوُدَ! مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبِّ! أوصَنّا في الأعالي!». ١٠ ولَمّا دَخَلَ أورُشَليمَ ارتَجَّتِ المدينةُ كُلُّها قائلَةً: «مَنْ هذا؟». ١١ فقالَتِ الجُموعُ: «هذا يَسوعُ النَّبيُّ الّذي مِنْ ناصِرَةِ الجَليلِ»

تطهير الهيكل

١٢ ودَخَلَ يَسوعُ إلَى هَيكلِ اللهِ وأخرَجَ جميعَ الّذينَ كانوا يَبيعونَ ويَشتَرونَ في الهَيكلِ، وقَلَبَ مَوائدَ الصَّيارِفَةِ وكراسيَّ باعَةِ الحَمامِ ١٣ وقالَ لهُمْ: «مَكتوبٌ: بَيتي بَيتَ الصَّلاةِ يُدعَى. وأنتُمْ جَعَلتُموهُ مَغارَةَ لُصوصٍ!». ١٤ وتَقَدَّمَ إليهِ عُميٌ وعُرجٌ في الهَيكلِ فشَفاهُمْ. ١٥ فلَمّا رأى رؤَساءُ الكهنةِ والكتبةِ العَجائبَ الّتي صَنَعَ، والأولادَ يَصرُخونَ في الهَيكلِ ويقولونَ: «أوصَنّا لابنِ داوُدَ!». غَضِبوا ١٦ وقالوا لهُ: «أتَسمَعُ ما يقولُ هؤُلاءِ؟». فقالَ لهُمْ يَسوعُ: «نَعَمْ! أما قَرأتُمْ قَطُّ: مِنْ أفواهِ الأطفالِ والرُّضَّعِ هَيّأتَ تسبيحًا؟». ١٧ ثُمَّ ترَكَهُمْ وخرجَ خارِجَ المدينةِ إلَى بَيتِ عنيا وباتَ هناكَ«

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

علمنا أن مملكة المسيح إنما تكون في السماء وليست في هذه الدنيا.. ولكن ألا يلاحظ فجاجة الأسلوب الدعوي ليسوع الإنجيلي لا سيما في بدء خدمته الخلاصية عندما طرد الباعة من باحة الهيكل وقلب أعمالهم؟

وناهيك عن بدء الخدمة لشخص، فهل يصح دعوة العصاة إلى ملكوت السماء بهذا الأسلوب التنفيري والعدواني بغض النظر عن موعده سواء أكان في مبتدأ الخدمة أو في منتصفها أو آخرها؟

أليس يحق للمتأملين، والوضع كذلك، أن يفكروا بأن يسوع الإنجيلي هو الذي بادر بالاعتداء أولًا، وعليه تأسس بسبب فعله الممجوج هذا الرفض المستقبلي لجميع أمره؟! إنه في المزمور المقروء منه في هذه القراءة يقول: «أكثَرُ مِنْ شَعرِ رأسي الّذينَ يُبغِضونَني بلا سبَبٍ» المزامير ٦٩/ ٤ فهل كان البغض ليسوع الإنجيلي بلا سبب حقًا، أم قد وضع هو بنفسه دعائم البغض والكراهية بذلك الفعل؟

ويلاحظ أن هذا المزمور الذي قيل فيه هذا الكلام هو لداود والذي قال فيه إله الكتاب المقدس على لسان ناثان النبي: «وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي» صمويل الثاني ١٢/ ١٠ وعند المسيحيين فداود هو جد يسوع، فكيف ننتظر من يسوع الإنجيلي عملًا دعويًا يليق بملكوت السماوات وقد كان جده سلفًا محتقرًا لرب السماوات حتى حكم عليه وعلى جميع خلفه بالقتل بجريرة ذلك.

لكن قد يقول قائل بأن الغيرة على الدين هي التي دفعته لفعل ذلك؛ أو بغض النظر عن الغيرة فإنما فعل ذلك لتحقيق كلمات نبوءة الكتاب..

والرد على هذا هو قد أنه نسب إلى يسوع نفسه فيما بعد القول: «سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً لِلَّهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هَذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي» يو ١٦/ ٢-٣ وهذا كما هو واضح قول مناقض لفعل يسوع الإنجيلي في أول أيام خدمة، فهل كان يعرف الله حقًا بهذا الفعل؟! الجواب بشهادة قوله كلا.

بالإضافة إلى إنه بفعله هذا قد خالف كلمات أول فقرة تقرأ في هذا اليوم (زكريا ٩/ ٩) حيث وصِف بكونه «مَنصورٌ ووديعٌ» ففضلًا عن أنه لم يكن منصورًا أبد في سيرته المدونة بالكتاب، فهو أيضًا لم يُظهر أي وداعة تُذكر في بدء أيام دعواه.

وكان أمامه لتحقيق كلمات الكتاب الإنبائية أن يقدم من العظات الدينية ما يلهب بها المشاعر ويوقظ بها الضمائر ويحيي بها الأرواح الميتة الساكنة بجوار الهيكل المقدس لكنها لم تقدره حق قدره. وكان له أن يقول فيها نفس كلمات النبوءة، فالنبوءة لم يشار فيها ابدًا بضرب العصاة والغافلين بالكرابيج وطردهم بل لم يكن منتظرًا منه كمسيح إلا مثل ذلك المنهج الإلهي النقي: «ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ» النحل ١٢٦ ولكنه كشخصية كتابية آثر إلا انتهاج منهج العنف منذ أول يوم في خدمته ولم يكن ذلك مستغربًا بحسب تاريخ الكتاب كله، غير أننا أخذنا على عاتقنا إظهاره لما انتشر عن العهد الجديد أنه عهد المحبة والسلام وذلك غير صحيح جملة وتفصيلًا.

السبت، 27 أبريل 2024

مصادر التاريخ المصري القديم ─ ⑤ ثبت أبيدوس

5- قائمة ثبت أبيدوس[1] للملوك الشرعيين

تاريخه ووصفه

على أحد جدران معبد الملك ستي الأول[2] في أبيدوس حوالي عام ١٣٠٠ق.م نقش ابنه الملك رعمسيس الثاني (ربما وقت ولايته للعهد) قائمة خراطيش[3] لأسماء مجموعة من ملوك الأسرات قبله وعددهم ٧٦ ملك في صفين يتوسطهم صف بيحمل اسم ستي الأول مكرر بألقابه المختلفة. وجعل رعمسيس نفسه واقف قبالهم مع والده الملك ستي الأول وبيقدم لهم الأدعية والقرابين والبخور.

وبينتقي رعمسيس التاني في القائمة دي عدد ٨ ملوك من الأسرة الأولى، وسبع ملوك من الأسرة التانية، وخمسة من الأسرة التالتة، وستة من الأسرة الرابعة، وثمانية من الأسرة الخامسة، وبيذكر ملوك الأسرة السادسة كلهم، وكمان بيذكر أسماء ١٥ ملك من ملوك الأسرتين ٧ و٨ متذكروش قبل كده في أي أثر تاني، وبيسقط عمدًا ملوك إهناسيا[4] وبيذكر ملكين بس من الأسرة ١١، وكل ملوك الأسرة ١٢ ما عدا الملكة "سوبك نفر"[5]، وبيسقط كمان ملوك فترة الاضمحلال التاني[6] وبيستأنف ذكر الملوك بداية من الأسرة ١٨ وبيذكرهم كلهم عدا كل من تأثر منهم ببدعة "إخناتون"[7] وكمان استبعد الملكة "حتشبسوت"[8] واعتبرها -كونها امرأة- ملكة غير شرعية لخروجها على التقاليد المصرية بتقلدها للحكم وتفردها بيه. وفي الأسرة ١٩ ذكر الملكين اللي سبقوا والده ستي الأول، وبتنتهي القائمة بذكر ستي الأول نفسه.
 حالته الثبت ومكان تواجده

قائمة الثبت ده موجودة بحالة جيده في المكان اللي أقيمت فيه، على أحد جدران معبد ستي الأول الداخلية في أبيدوس (منطقة العرابة بمحافظة سوهاج حاليًا) وهو بحالة جيدة جدًا[9]

 أهميته التاريخية

بجانب المصادر التانية[10] للتاريخ المصري تعتبر قائمة ثبت أبيدوس مصدر تاريخي مهم لتوثيق ودراسة تاريخ مصر القديمة. وفوق كده فهو بيتميز عن غيره بذكره لأسماء ١٥ ملك من الأسرتين ٧ و٨ من الملوك غير المذكورة أسمائهم في أي أثر قبله في التاريخ المصري.

 نتيجة دراسة الثبت

بدراسة قائمة الملوك دي نقدر نلم بأكتر من نتيجة حوالين طبيعة المجتمع المصري من حيث الوطنية والسلطة والدين

فبنشوف ازاي بيتكرر للمرة التانية، بعد حجر الأجداد لتحوتمس التالت[11] استبعاد حكم الملوك الأجانب من قوائم الملوك الشرعيين، وده بيعبر عن الاعتزاز القومي عندهم ضد أي محتل. فبيتصرف المصري القديم حوالين الموضوع ده بإسقاطه للحكام الأجانب من قوايمه الشرفية الملكية كأنهم لم يحكموا أصلًا.

وكمان في نقطة من يرتقي لقمة السلطة من المصريين أنفسهم، فالمصريين في القائمة دي ممثلين في سيتي الأول ورعمسيس التاني ابنه لم يستسيغوا جلوس المرأة على قمة الهرم السلطوي بدون شريك رجل معها في الحكم، واعتبروا تفردها بالسلطة انقلابًا على التقاليد الاجتماعية الصارمة والنظم الملكية المُتبعة، فأسقطوها وغيرها من النساء الملكات من قوايم الملوك الشرعيين في زمانهم.

        وأخيرًا، بنفهم من دراسة الثبت الملكي ده ازاي المصري القديم زي ما هو كان متقيد بنظام ملكي ذكوري صارم لا يتقبل خرقه بالتفرد النسوي، فكذلك النظام الملكي ده كان مرتبط بالمعتقد الديني، فلا يقبل الانقلاب عليه بسهولة، وإذا حصل فلا يقبله إلا مرغمًا.. ولما بترجع الأوضاع لما كانت عليه قبل الانقلاب الديني بيشطب المصري القديم الحقبة الدينية دي بأصحابها من تاريخه الشريف باللعن والازدراء.

الهوامش والمصادر


[1]  أبيدوس، (العرابة حاليًا بمحافظة سوهاج مركز البلنيا) وهي منطقة تاريخية وأثرية عتيدة، حيث يصل عدد المعابد المصرية القديمة فيها إلى ١٠ معابد منذ الأسرة الأولى وحتى الأسرة ٢٦. [2]  الملك ستي الأول، من ملوك الأسرة ١٩ (حكم ١٢٩٠- ١٣٠٢ق.م) وهو ابن الملك رعمسيس الأول، ووالد الملك الشهير رعمسيس التاني. [3]  الخرطوشة الملكية [الشكل 𓍷] ويعني أن النص المرفق بداخلها هو اسم ملك، وكان الغرض المصري القديم من وضع اسم الملك داخل شكل الخرطوش هذا هو حمايتهم من الأرواح الشريرة. والاسم المصري القديم للخرطوش هو "شنو" بينما لفظ خرطوش فهو مستحدث مع القرن ١٨الميلادي. [4]  ملوك إهناسيا، (إهناسيا مدينة في محافظة بني سويف حاليا) ويقصد بملوك إهناسيا حقبة حكم الأسرتين التاسعة والعاشرة، وهي فترة عصر الاضمحلال الأول اللي في خلاله أصبحت الدلتا (شمال مصر، الوجه البحري) خارج نطاق وحكم النفوذ المصري الموجود في طيبة "الاقصر" وأصبحت خاضعة للآسيويين. والأسرتين دول حكموا مجتمعين لمدة ١٩٠ سنة، ١٣ ملك من الأسرة التاسعة في ١٠٩ سنة وخمس ملوك من الأسرة العاشرة في ٨١ سنة. لكنهم متمتعوش كملوك في الواقع بسلطان حقيقي خارج عاصمتهم إهناسيا؛ اللهم إلا مجرد نفوذ اسمي مش أكتر. واستطاع الملك المصري أمونحوتب الأول من شن حملة كبيرة قضت على ملوك إهناسيا وإنهاء حكمهم وبدأ بكده عصر الدولة الوسطى. [5]  الملكة سوبك نفر، آخر ملوك الأسرة ١٢ (حكمت ١٨٠٦-١٨٠٢ق.م) حكمت بعد وفاة أخوها امنمحات الرابع ولم يكن لأبيها إمنمحات الثالث وريث ذكر ليخلف الأخ المتوفي، فاعتلت هي العرش. ويقال أنها انقلبت على حكم أخيها إمنمحات الرابع بالمشاركة مع أبيها إمنمحات التالت.
[6]  فترة الاضمحلال التاني، بيشمل الأسرات ١٥ - ١٧ (حوالي ١٧١٠ - ١٥٦٠ق.م) وهو عهد حكم ملوك الهكسوس. [7]  بدعة إخناتون، أي محاولة -الملك أمونحوتب الرابع، الذي صار إخناتون فيما بعد- الانقلاب على ديانة أمون رع، الديانة الرسمية في مصر القديمة وقيامه بإلغاء كل آلهة مصر القديمة وإعلاء فقط لاسم معبود واحد هو أتون. [8]  الملكة حتشبسوت، خامس ملوك الأسرة ١٨ (حكمت ١٤٧٩-١٤٥٨ق.م) حكمت بعد وفاة زوجها الملك تحتمس الثاني كوصية على الملك الصغير تحتمس الثالث في البداية ثم كملكة وأضفت على نفسها لقب "ابنة الإله أمون" بعد نشرها قصة نقشتها في معبدها بالدير البحري بتقول فيها إنها كانت نتيجة لقاء حميم بين أمون وأمها الملكة أحمس. [9]  كان موجود في نفس المعبد بأبيدوس برضو ثبت آخر لقائمة ملوك مصر، وهو تقريبًا متوافق مع القائمة دي اللي بنتكلم عنها، لكنها محطمة شوية، وهي موجودة دلوقتي في المتحف البريطاني بلندن من سنة ١٨٧٣. ونقدر نسميها قائمة ملوك أبيدوس II [10]  مصادر التاريخ المصري القديم هي مجموعة الآثار النقشية الحجرية والجدارية والمكتوبة في البرديات وغيرها ويمكن حصرها في ٧ مصادر أولها حجر پالرمو ثم بردية تورين ثم تاريخ مانيتون وثبت الكرنك وثبت أبيدوس وثبت سقارة ونصوص الأنساب.

[11]  قائمة ثبت الكرنك "حجر الأجداد" https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=726347162865620&id=100064710281535&mibextid=Nif5oz