3- تاريخ الكاهن مانيثون السمنودي
وصفه وتاريخه
بعد نهاية عصر الأسرات، ودخول مصر تحت حكم مملكة الإغريق اليونانيين[1]، وفي سنة ٢٨٠ ق.م طلب بطليموس[2] التاني[3] من كاهن مصري هو كبير الكهنة في معبد "سبننتوس" بمدينة سمنود (بمحافظة الغربية) اسمه مانيثون، إنه يكتب تاريخ مصر من البداية ولحد وقته، وكان مانيثون مشهور بعلمه الغزير ومحيط بتاريخ مصر في زمانه ومتمكن من اللغة المصرية القديمة وأساليب كتابتها، فأقدم على العمل ده مستعين باللي خلّفه المصريين وراهم من آثار وسجلات... وبالفعل أنجز الكاهن المصري مانيثون السمنودي العمل ده على أتم ما يكون وأودع عمله في مكتبة الإسكندرية القديمة.
مكان تواجده وحالته
بكل أسف، كتاب تاريخ مانيثون لم يعد له وجود الآن، فالنسخة اللي كتبها مانيثون وحفظت طوال العصر اليوناني[4] في مكتبة الإسكندرية أحترقت مع الغزو الروماني لمصر[5]، لكن كان في نسخة تانية لتاريخ مانيثون محفوظة في معبد السيرابيوم[6] في الاسكندرية، لكنها اتحرقت برضو للأسف على أيدي المتعصبين المسيحيين اللي كانوا بيعتبروا كتب التاريخ والفلسفة والعلوم كتب وثنية هرطوقية بتدعو لعقائد كفرية.
لكن ازاي وصل لنا تاريخ مانيثون؟!— وصل لنا تاريخ مانيثون عن طريق مؤرخ يهودي اسمه يسيفوس[7] في شكل مقتطفات في كتاب له اسمه "الرد على أبيون"[8] كان بيدافع فيه عن اليهود قدام الاتهامات الموجهة ضدهم، فنقل كتير من كتاب مانيثون خاصة فيما يخص عصر حكم الهكسوس[9]
— وكمان وصلت لنا جداول مطولة ومفصلة من كتاب تاريخ مانيثون بأسماء الأسرات والملوك وعدد سنوات حكمهم عن طريق كُتّاب مسيحيين زي جوليوس الأفريقي[10] ويوسابيوس القيصري[11] وجيورجيوس سنكيلوس[12]
وبالتأكيد كانت عمليات النقل والاقتباس بيشوبها كتير من الأخطاء، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، إلا إنها تفضل الصورة المصدرية الباقية لنا لحد الآن من تاريخ مانيثون ولا يمكن الاستغناء عنها.
أهميته تاريخ مانيثون التاريخية ونتائج دراسته
① أهميته في حد ذاته
إذ كان حجر پالرمو[13] بيقدم لنا تاريخ مصر من فترة ما قبل الأسرات لحد تاريخ الأسرة الخامسة، وبردية تورين[14] بتقدم لنا نفس التاريخ اللي قدمه حجر پالرمو ومضاف عليه تاريخ الأسرات لحد الأسرة ١٧، فتاريخ مانيثون بيقدم لنا تاريخ الأسرات حتى نهايته، وبينتهى عند حقبة الحكم البطلمي، وهو بكده بيعتبر عمل شامل بذاته ومكمل لغيره في تكوين صورة أوضح إلى حد كبير لتاريخ مصر حتى تاريخه.
② أهميته بالنسبة للأحداث اللي مرت عليه
نقدر نستنتج -من أمر تكليف مانيثون بكتابة التاريخ المصري، وفقدان الكتاب بالحرق على مر العصور- الطبيعة الحضارية للأقوام والثقافات اللي جت على مصر. ومن خلال الاطلاع على المنقول عن تاريخ مانيثون بنكون حصلنا على لمحة بانورامية خاصة بالديانتين اليهودية والمسيحية الشرقية.
[1] خضعت مصر بعد فترة حكم الأسرات لاحتلال يوناني دام ما يقارب الثلاثمائة سنة منذ ٣٣١ق.م بغزو الإسكندر المقدوني وحتى ٣٠ق.م بهزيمة الملكة كليوباترا السابعة في معركة أكتيوم البحرية.
[2] بعد وفاة الإسكندر المقدوني ٣٢٣ق.م حصل نزاع بين قادته العسكريين وأقربائه وأصدقائه المقربين على من يتولى حكم إمبراطوريته مترامية الأطراف من بعده (واللي امتدت من مقدونيا إلى حدود الهند الشرقية)، لحد ما استقر الأمر أخيرًا بالاتفاق علىزتقسيم مملكته بين قواده العسكريين الرئيسيين إلى مقاطعات يحكمها القادة وتخضع للحكم المقدوني وممالك يحكمها ملوكها الأصليين تحت الوصاية المقدونية. وكانت مصر ضمن تقسيم المقاطعات ومن نصيب القائد بطليموس "سوتير" أحد رفقاء وقادة الإسكندر.
[3] بطليموس الثاني "فيلادلفوس" حكم (٢٨٣- ٢٤٦ق.م)، تحول اسم بطليموس بعد وفاة بطليموس الأول إلى لقب حمله كل الملوك المقدونيين الذكور في مصر، وعليه أيضًا حملت الدولة اسم البطالمة.
[4] تسمى حقبة العصر اليوناني أيضًا باسم هام آخر هو "العصر الهلليني أو الهلنستي" لأنه كان مؤثر سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا على رقعة شاسعة من الأرض (تركة الإسكندر) في فترة واحدة ولمدة طويلة من الزمن بثقافة واحدة هي اليونانية تحت حكم العنصر اليوناني.
[5] بعد هزيمة كليوباترا السابعة في أكتيوم البحرية ٣٠ق.م على يد "أوكتافيوس" أغسطس قيصر اللي بقى أول إمبراطور للرومان في ٢٧ق.م تحولت مصر من وقتها إلى ولاية رومانية، واستمرت كده لحد ٦٤١م.
[6] تأسس معبد السيرابيوم في بداية العصر البطلمي في عهد بطليموس الأول أو الثالث "يورجيتس" (حكم ٢٤٦- ٢٢٢ق.م) وكان بغرض عبادة الإله سيرابيس (وهو معبود يوناني أدخله بطليموس الأول وفرصه على الديانة المصرية) وأصبح هو معبود الشفاء عند المصريين. تم تدمير المعبد، بعد دخول المسيحية إلى مصر والاعتراف بها ديانة الدولة الرسمية، وده كان ضمن ما تم تدميره على اعتبار أنه آثار وثنية.
[7] يوسيفوس فلافيوس، أو يوسف بن متاتياهو، مؤرخ يهودي عاش في القرن الأول، تم اتخاذه عبد في الحرب اليهودية الرومانية ٦٦- ٧٣م وتم تحريره فاشتهر باسم محرره "فلافيوس". توفي في ١٠٠م من أعماله (الحرب اليهودية "المعروف بحروب يوسيفوس"، وكتاب آثار اليهود "المعروف بتاريخ يوسيفوس"، وكتاب الرد على أبيون).
[8] أبيون هو مؤرخ مصري سكندري كان عنصري تجاه اليهود في الإسكندرية، ألف كتاب هاجم فيه ديانتهم وعقائدهم واتهمتم بأنهم أهل فتن... وأرجع ده إلى ضحالة فكرهم وحداثة وجودهم. فكان كتاب يوسيفوس «ضد أبيون» هو رد شامل على هذه الاتهامات دي من أبيون وعلى مانيثون نفسه من المؤرخين المصريين، وغيرهم من المؤرخين الإغريق.
[9] الهكسوس هم شعوب رعاة دخلت مصر من جهة سيناء في فترة الضعف وقت نهاية حكم الدولة الوسطى (نهاية حكم الأسرة ١٤). ولا يوجد اتفاق نهائي على أصلهم بالضبط. لكن الارجح انهم من أصول آسيوية مختلفة، استمر حكمهم لمصر حوالي ١٠٠ سنة، اتخذوا خلالها مدينة (أواريس) عاصمة لهم (تانيس، صان الحجر حاليًا بمحافطة الشرقية). ورغم مساوئ وجود عنصر الهكسوس سياسيا على مصر إلا إن الدولة ازدهرت صناعيا وثقافيًا بسبب إدخالهم لصناعات وأدوات وآلات لم يكن المصري القديم يعهدها. وخرج الهكسوس من مصر على يد الملك «أحمس» أول ملوك الأسرة ١٨ من عصر الدولة الحديثة.
[10] جوليوس الأفريقي هو مؤرخ مسيحي روماني من القرن التاني الميلادي، اشتهر بأنه أول مؤرخ كتب تاريخ عالمي بتسلسل السنوات من بداية الخلق حتى وقته. توفي في ٢٥٠م
[11] يوسابيوس القيصري (٢٦٥-٣٣٩م) أسقف مدينة قيصرية بفلسطين سنة ٣١٤م عُرف بأنه أبو التاريخ الكنسي، له كتب كثيرة أشهرها كتاب "التاريخ الكنسي" وهو خاص بتاريخ الكنيسة، وكتاب "التاريخ" بيسرد فيه تاريخ الأمم المختلفة زي الكلدانيين والآشوريين والعبرانيين والمصريين واليونانيين والرومانيين. وبيقدم فيه جداول تاريخية مفصلة للعالم ككل.
[12] جيورجيوس سنكيلوس، هو كاهن وراهب ومؤرخ مسيحي بيزنطي عاش في القرن الثامن، اشتغل في السلك الكنسي الأرثوذكسي في ظل البطريركية القسطنطينية ثم تفرغ لشأنه الخاص ولكتابة تاريخ للعالم وهو كتاب اسمه (مقتطفات من الكرونوغرافيا) توفي في ٨١٠م.
[13] حجر پالرمو https://m.facebook.com/story.php...
[14] بردية تورين https://m.facebook.com/story.php...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق