الثلاثاء، 30 أبريل 2024

تأملات وتعليقات على قراءات أسبوع الآلام ─ اليوم الثاني

 اثنين البصخة، وهي لفظة أرامية تعني (الفِصحا) أي العبور─

أولًا - القراءة ██

    المزامير ١١٨/ ٢٢

»٢٢ الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ«

    متى ٢١/ ١٨- ٤٦

شجرة التين تيبس

»١٨ وفي الصُّبحِ إذ كانَ راجِعًا إلَى المدينةِ جاعَ، ١٩ فنَظَرَ شَجَرَةَ تينٍ علَى الطريقِ، وجاءَ إليها فلم يَجِدْ فيها شَيئًا إلّا ورَقًا فقط. فقالَ لها: «لا يَكُنْ مِنكِ ثَمَرٌ بَعدُ إلَى الأبدِ!». فيَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ. ٢٠ فلَمّا رأى التلاميذُ ذلكَ تعَجَّبوا قائلينَ: «كيفَ يَبِسَتِ التّينَةُ في الحالِ؟». ٢١ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التّينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. ٢٢ وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ«

السؤال عن سلطان يسوع

٢٣ ولَمّا جاءَ إلَى الهَيكلِ تقَدَّمَ إليهِ رؤَساءُ الكهنةِ وشُيوخُ الشَّعبِ وهو يُعَلِّمُ، قائلينَ: «بأيِّ سُلطانٍ تفعَلُ هذا؟ ومَنْ أعطاكَ هذا السُّلطانَ؟». ٢٤ فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُمْ: «وأنا أيضًا أسألُكُمْ كلِمَةً واحِدَةً، فإنْ قُلتُمْ لي عنها أقولُ لكُمْ أنا أيضًا بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا: ٢٥ مَعموديَّةُ يوحَنا: مِنْ أين كانت؟ مِنَ السماءِ أم مِنَ النّاسِ؟». ففَكَّروا في أنفُسِهِمْ قائلينَ: «إنْ قُلنا: مِنَ السماءِ، يقولُ لنا: فلماذا لم تؤمِنوا بهِ؟ ٢٦ وإنْ قُلنا: مِنَ النّاسِ، نَخافُ مِنَ الشَّعبِ، لأنَّ يوحَنا عِندَ الجميعِ مِثلُ نَبيٍّ». ٢٧ فأجابوا يَسوعَ وقالوا: «لا نَعلَمُ». فقالَ لهُمْ هو أيضًا: «ولا أنا أقولُ لكُمْ بأيِّ سُلطانٍ أفعَلُ هذا«

مثل الابنين

٢٨ ماذا تظُنّونَ؟ كانَ لإنسانٍ ابنانِ، فجاءَ إلَى الأوَّلِ وقالَ: يا ابني، اذهَبِ اليومَ اعمَلْ في كرمي. ٢٩ فأجابَ وقالَ: ما أُريدُ. ولكنهُ نَدِمَ أخيرًا ومَضَى. ٣٠ وجاءَ إلَى الثّاني وقالَ كذلكَ. فأجابَ وقالَ: ها أنا يا سيِّدُ. ولَمْ يَمضِ. ٣١ فأيُّ الِاثنَينِ عَمِلَ إرادَةَ الأبِ؟». قالوا لهُ: «الأوَّلُ». قالَ لهُمْ يَسوعُ: «الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ العَشّارينَ والزَّوانيَ يَسبِقونَكُمْ إلَى ملكوتِ اللهِ، ٣٢ لأنَّ يوحَنا جاءَكُمْ في طريقِ الحَقِّ فلم تؤمِنوا بهِ، وأمّا العَشّارونَ والزَّواني فآمَنوا بهِ. وأنتُمْ إذ رأيتُمْ لم تندَموا أخيرًا لتؤمِنوا بهِ.

مثل الكرامين

» اِسمَعوا مَثَلًا آخَرَ: كانَ إنسانٌ رَبُّ بَيتٍ غَرَسَ كرمًا، وأحاطَهُ بسياجٍ، وحَفَرَ فيهِ مَعصَرَةً، وبَنَى بُرجًا، وسَلَّمَهُ إلَى كرّامينَ وسافَرَ. ٣٤ ولَمّا قَرُبَ وقتُ الأثمارِ أرسَلَ عَبيدَهُ إلَى الكَرّامينَ ليأخُذَ أثمارَهُ. ٣٥ فأخَذَ الكَرّامونَ عَبيدَهُ وجَلَدوا بَعضًا وقَتَلوا بَعضًا ورَجَموا بَعضًا. ٣٦ ثُمَّ أرسَلَ أيضًا عَبيدًا آخَرينَ أكثَرَ مِنَ الأوَّلينَ، ففَعَلوا بهِمْ كذلكَ. ٣٧ فأخيرًا أرسَلَ إليهِمُ ابنَهُ قائلًا: يَهابونَ ابني! ٣٨ وأمّا الكَرّامونَ فلَمّا رأوا الِابنَ قالوا فيما بَينَهُمْ: هذا هو الوارِثُ! هَلُمّوا نَقتُلهُ ونأخُذْ ميراثَهُ! ٣٩ فأخَذوهُ وأخرَجوهُ خارِجَ الكَرمِ وقَتَلوهُ. ٤٠ فمَتَى جاءَ صاحِبُ الكَرمِ، ماذا يَفعَلُ بأولئكَ الكَرّامينَ؟». ٤١ قالوا لهُ: «أولئكَ الأردياءُ يُهلِكُهُمْ هَلاكًا رَديًّا، ويُسَلِّمُ الكَرمَ إلَى كرّامينَ آخَرينَ يُعطونَهُ الأثمارَ في أوقاتِها». ٤٢ قالَ لهُمْ يَسوعُ: «أما قَرأتُمْ قَطُّ في الكُتُبِ: الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ هو قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كانَ هذا وهو عَجيبٌ في أعيُنِنا! ٤٣ لذلكَ أقولُ لكُمْ: إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنزَعُ مِنكُمْ ويُعطَى لأُمَّةٍ تعمَلُ أثمارَهُ. ٤٤ ومَنْ سقَطَ علَى هذا الحَجَرِ يتَرَضَّضُ، ومَنْ سقَطَ هو علَيهِ يَسحَقُهُ!». ٤٥ ولَمّا سمِعَ رؤَساءُ الكهنةِ والفَرّيسيّونَ أمثالهُ، عَرَفوا أنَّهُ تكلَّمَ علَيهِمْ. ٤٦ وإذ كانوا يَطلُبونَ أنْ يُمسِكوهُ، خافوا مِنَ الجُموعِ، لأنَّهُ كانَ عِندَهُمْ مِثلَ نَبيٍّ«

_________________

██ثانيًا - التأمل والتعليق

 يأخذنا عمل السيد يسوع الإنجيلي تجاه شجرة التين إلى ثلاثة مواضيع وهي:

١ -أن يسوع عندما جاع لم يفكر إلا في شجرة التين غير المثمرة، رغم كون عدم إثمارها ليس لعيبٍ فيها بل لأن الموسم ليس موسم ثمرها (مرقس ١١/ ١٣) فكيف تثمر ثمر في غير موعده؟! وهذا الموقف يرشدنا إلى عدم معرفة يسوع الإنجيلي بالغيب، الذي هو من أهم متطلبات الألوهية المزعومة تجاهه، فضلًا عن عدم إدراكه للوقت كإنسان يغفل ويخطئ.

٢ -إنه عندما لعن شجرة لم تثمر بسبب أن ليس الوقت وقت إثمارها يصبغه بصبغة كونه سريع الغضب على توافه الأمور وعلى ما لا محل للغضب عليه.. كما يجبر هذا الموقف المتأملين على تصور يسوع الإنجيلي تسوقه شهواته (شهوة البطن) فضلًا عن أنه يحكم على أساسها.. فإذا كان هذا موقفه مع شجرة لم تعطه ثمر بغير إرادة منها، اللعن، فكيف بمن رفضوه على أيامه بإرادة على غير عناد؟ أو من رفضوا زعم ألوهيته على أيام أتباع هذه العقيدة لفظًا لهذا الاعتقاد..! الحق لقد صرح يسوع الإنجيلي بمصير أولئك فقال: «أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» لوقا ١٩/ ٢٧ فإذا كان هو لم تسعفه الحياة لتنفيذ ذلك بيده، إلا أن اتباعه طبقوه بحذافيره كما يقدم لنا التاريخ والواقع.

٣ -ويحيلنا هذا كله إلى تذكر قراءة اليوم الأول في زكريا ٩/ ٩ إذ نُسب إلى يسوع الوصف «هو عادِلٌ ومَنصورٌ وديعٌ» لنتأمل فيه ولنقرر أنه لا يطابق ولا يوافق أحوال يسوع الإنجيلي على الإطلاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  وفي الجدال الذي دار في الهيكل نستطيع أن نخرج بموضوعين أحدهما لاهوتي وآخر تاريخي.

  أما الموضوع الأول فمن أين ليسوع السلطان/ الإذن ليعلم في الهيكل؟ كان هذا سؤال الكهنة له، ولكنه لم يقدم جوابًا مباشرًا بل عمل أعمالًا توحي بأنه يفعل كل ذلك بإذن الله[1] وعلى خلفية هذا الموضوع فقد أثار يسوع قضية لاهوتية تعطي جوابًا لسؤالهم وهي من أعطى الإذن ليوحنا ليقوم بالمعمودية، أكان الإذن من الله أم من نفسه اخترع ذلك؟

ولما كان يوحنا نبيًا بارًا مقبولًا عند الشعب ولكنه كان مرفوضًا لدى الكهنة، حتى أنهم أوشوا ضده وأسلموه للسلطات، فقد خشي الكهنة أن يردوا على هذا السؤال المحرج لهم، فإن قالوا إن أعمال معموديته كانت بإذن من الله أدانوا أنفسهم كونهم لم يخضعوا له ويتبعوه، وإن قالوا إنها اختراع من عند نفسه وقعوا تحت سخط الناس عليهم.

أما المسيح فقد تلقى معموديته بيد يوحنا لاستقبال الإذن الإلهي بخضوعه له أولًا وبناء عليه تقدم وسط قبول الشعب ليعلم في الهيكل ولم يستطيع الكهنة منعه كونه كان من أنصار يوحنا المحبوب.

ومن ذلك نستخلص الجواب المباشر وهو كما تلقى يوحنا الإذن من الله ليقوم بالمعمودية كذلك أنا تلقيت الإذن من الله للتعليم في الهيكل.

  وفي قضية أخرى طرحها يسوع في "مَثَل الكرامين" وهي انتقال ملكوت السماوات من بيت إسرائيل إلى أمة أخرى تعطي حقه، ولما كان يسوع من بيت إسرائيل فبالتأكيد لا يعقل أن يكون هو المعني بالنبوءة «الحَجَرُ الّذي رَفَضَهُ البَنّاؤونَ قد صارَ رأسَ الزّاويَةِ» بل الصواب هو أن إسماعيل، وهو الابن البكر لإبراهيم والذي اصبح مرفوضًا ومُغتالًا معنويًا من قبل اليهود هو المقصود بتلك النبوءة «رأسَ الزّاويَةِ»، فرأس الزاوية هي الأساس التي يقوم عليها البناء، وبجودتها يتحدد متانة البناء.. فقد كان إسماعيل هو المرفوض عند اليهود، وقد أتى يسوع في آخر السلسلة الإسرائيلية ليخبر اليهود بهذا الخبر، فقد رفضوا الكثيرين، ولكن كان أول رفضهم موجه تجاه إسماعيل مبدأ البناء، ومن إسماعيل تخرج أمة عظيمة (تكوين ١٧/ ٢٠) ينتقل إليها امتياز إقامة ملكوت السماوات بحقه كما أخبرهم يسوع بعدما أخفقوا هم. إذن فيسوع في هذا الكلام كان مخبر عن غيره لا مثبتًا النبوءة على نفسه.



[1] معجم اللاهوت الكتابي ص ٤٢٨

 

ليست هناك تعليقات: