الأحد، 18 نوفمبر 2018

الكتاب المقدس بين ترجمات متباينة


منذ بداية عهدي بالكتاب المقدس ومعرفتي لتاريخه وإصحاحته وأحوال المذاهب الرئيسية
والشهيرة في المسيحية.. كنت أستغرب دائمًا لماذا لا يوجد في الكتاب المُقدس الذي يتداوله معظم المسيحيين ممن حولي تلك الأسفار التي يؤمنون بها أي القانونية الثانية وأنها جزء لا يتجزء من كتابهم المقدس؟! ولكني لم أصل إلى جواب شافٍ، بل وقد كنت ألاقي بعض الصعوبة في الحصول على هذه الأسفار التي كنت أظن في البداية أنها من مجموع المؤلفات التي استقر التاريخ المسيحي على كونها من الكتابات المُزيفة أو الموضوعة..! على الرغم من شيوع وانتشار المذهب الأرثوذكسي (والذي يؤمن بهذه الأسفار ويقر بصحتها) في ربوع مصر بخلاف غيره من المذاهب المسيحية الأخرى.

والحق أنه قد زاد استغرابي حين علمت بأن "كرينيليوس فاندايك" صاحب ترجمة الكتاب المقدس، تلك الترجمة الشهيرة والمعروفة للعربية في 1864م والتي تعتمدها الكنائس المصرية الأرثوذكسية (وربما الكاثوليكية أيضًا "لا أعلم")، هو أمريكي من أصل هولندي وقد تعلم العربية على يد بطرس البستاني وإبراهيم اليازجي اللبنانيان، وهما أصحاب الترجمة العربية الأفضل والأجود والأدق للكتاب المقدس أي الترجمة اليسوعية 1881م.
■■ فالغريب في ذلك أن فاندايك هذا ينتمي في المسيحية إلى المذهب البروتستانتي (أي المُنشق عن الكنيسة الكاثوليكية أو المعترض على تعاليم الكنائس التقليدية أو المذهب الإصلاحي لمنهج المسيحية كما يحبون تسمية أنفسهم) وعلى أساس مذهبه كانت ترجمته. في حين أن اللبنانيان بطرس البستاني وإبراهيم اليازجي فهما كاثوليكيان، وهما أقرب عقديًا إلى الأرثوذكسية المسيحية؛ ولكن مع ذلك لم تتخذ الكنيسة الأرثوذكسية المصرية من الترجمة اليسوعية اللبنانية كتابًا مُقدّسًا مُعتمدًا، وفضّلت الميل إلى ترجمة فاندايك البروتستانتي! على الرغم من خلو هذه الترجمة البروتستانتية "الفردية" لفاندايك من الأسفار القانونية الثانية التي تؤمن بها كل من الكنيستين الكاثوليكية (أي العالمية) والأرثوذكسية (أي المستقيمة) في حين توجد هذه الأسفار في الترجمة اليسوعية "المؤسسية"، ومع ذلك يهملها أو يتجاهلها الأرثوذكس (في مصر على الأقل، ولا أدري الحال في بقية المنطقة العربية).
والأسفار القانونية الثانية في الكتاب المقدس هي: 
سفر طوبيا، سفر يهوديت، سفر يشوع بن سيراخ، سفر باروخ، سفر الحكمة، وسفري المكابيين الأول والمكابيين الثاني، بالإضافة إلى تتمة أستير وتتمة دانيال.
:.

الأحد، 11 نوفمبر 2018

قصة المسيح الناصري وإقامة "الأموات" (منزوعة الخرافة)



مُعضلة عقدية
يقدم الكتاب المُقدس بيانًا واضحًا للمتدبرين حول أن السيد المسيح لم يُحيي الأموات كما أُشيع وليس له أن يفعل ذلك أصلًا؛ لأنه قد قيل في الإنجيل أيضًا: «وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» عب 9/ 27 فإذا كان مَن قيل عنه أنه تم إحياءه بيد المسيح بعد موته الجسدي سيموت مرة أخرى، فهذه الآية الكتابية أي (عب 9/ 27) خاطئة إذن! وإلا فمن أحياه المسيح جسديًا لا بد له أن لا يموت أبدًا بعد ذلك لتستقيم الآية! وهذا غير مقبول فضلًا عن أنه غير منطقي؛ أما المنطقي فهو أن نُقر ونؤمن بأن من قيل عنه أنه مات موتًا، هو في الواقع لم يمُت أصلًا، ولا زالت روحه تسري في جسده ولهذا تمت إقامته.
ولقد أقرّ الكتاب المقدس في عهده القديم ذلك أيضًا قائلًا: «أَمَّا الرَّجُلُ فَيَمُوتُ وَيَبْلَى. الإِنْسَانُ يُسْلِمُ الرُّوحَ، فَأَيْنَ هُوَ؟ قَدْ تَنْفَدُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرَةِ، وَالنَّهْرُ يَنْشَفُ وَيَجِفُّ، وَالإِنْسَانُ يَضْطَجِعُ وَلاَ يَقُومُ. لاَ يَسْتَيْقِظُونَ حَتَّى لاَ تَبْقَى السَّمَاوَاتُ، وَلاَ يَنْتَبِهُونَ مِنْ نَوْمِهِمْ» أي 14/ 10-12، إذن فالذين قد شوهدوا أنهم قد ماتوا ثم تم إيقاظهم من حالتهم هذه يكونون في الحقيقية في حال إغماء وليس موت مُطلقًا.
حقيقة الأمر
أما ما حصل وذُكر في الكتاب المُقدس أن المسيح بالفعل أحيا بعض من ماتوا جسديًا، فقد ذكر هو بنفسه علة ذلك وهي أنهم كانوا داخلين في نوم الغيبوبات المَرَضيّة فأشرفوا على الموت مع غياب وعيهم، فظُن أنهم ماتوا فدفنوا، ثم بعد ذلك قام هو بإفاقتهم وإنعاشهم..
+ مثل حالة لعازر يو 11/ 1-44، إذ أن المسيح بنفسه قال عن مرضه أنه ليس مرض الموت! والمسيح بنفسه قال أيضًا أن لعازر نام ولم يمُت! أما قوله فيما بعد أن «لعازر مات» فقد علله هو بنفسه أيضًا بقوله: «لتؤمنوا» إذ كما هو معلوم أن تلاميذ يسوع كانوا دوما بحاجة لإثباتات مادية كعادة اليهود ليؤمنوا. وما التلميذ توما وطلبه أن يرى بنفسه ليؤمن لَأثباتٍ على ذلك.. وجدير بالذكر أن المسيح لم يكذب بقوله أن لعازر مات، وبرر ذلك للتلاميذ بقوله "لتؤمنوا"، فالنوم موت والموت نوم في الحقيقة.
+ ومن الذين أقامهم المسيح، مما قيل أنه موت وهم في الحقيقة قد دخلوا في حالة إغماءات، وظنوا أيضًا أنهم ماتوا، وتم إيقاظهم قبل دفنهم حالة ابنة رئيس المجمع مر 5/ 35-43 ولو 8/ 49-56 فكذلك قال عنها المسيح أنها نائمة وستُشفى ولم تمت! وعلى الرغم من أن المسيح كان ينبه دائمًا أن لا يخبروا بأعماله غير العادية حتى لا تسري الخرافة وتشيع وسط الشعب، إلا أن الناس هم الناس في كل زمان ومكان يحبون الخرافة ويستسيغونها أكثر، فيلقون التقرير بأنها نائمة ولم تمُت جانبًا ويذهبون إلى تصديق أن فلان أحيا ميتًا...!! وهكذا تتكون الخرفات.
+ وهناك أيضًا حالة ابن أرملة نايين لو 7/ 11-16 والتي كانت تمثيلًا تطبيقيًا لأمر مماثل حدث في العهد القديم، فلم يكن المسيح بهذا هو الوحيد الذي قام بذلك، بل أنبياء معروفين قاموا به كمعجزات تضاهي معجزته ومن قبله أمام قومهم، ولم يكن للقوم مهما حصل من معجزة أن يعتبروا من قام بها أنه إله أو حتى شبيه بإله... إلخ، بل إن أقصى ما تذهب عقول الناس إليه ذلك حتى مع ميلهم إلى الخرافة هو قولهم: «ظهر فينا نبي عظيم» لو 7/ 16 وهذا ما حصل وكُتب! ولكن عندما يتم تحميل المكتوب أكبر مما يعني فهنا أيضًا تقع الخرافة.
إحياء الموتى
أما في القرآن الكريم نجد قول الله عز وجل على لسان المسيح عيسى ابن مريم: «وأُحيي الموتى بإذن الله» آل عمران 50، فليكن معلومًا أن كلمة إحياء الموتى لا تساوي كلمة إحياء الأمواتأبدًا فالأولى يُقصد بها الموتى الروحانيين وموتى القلوب؛ أما الثانية "أي الأموات" فتعني الموت الجسدي المادي الذي يكون بخروج الروح وانفصالها عن الجسد. وإحياء هذا النوع الأخير (أي الأموات) لا يحدث أبدًا في هذه الدنيا، ويتفق في هذا القرآن والإنجيل على حدٍ سواء.
أما "إحياء الموتى" فقد كان النبي محمد ﷺ كذلك أعظم مُحيي للموتى، إذ قال الله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ» الأنفال25، فلم ينفرد حضرة نبي الله المسيح الناصري عيسى ابن مريم بذلك الإحياء الروحاني للموتى "موتى القلوب"، بل اشترك جميع أنبياء الله عز وجل في هذا الشأن والعمل العظيم، وبتوجيه إلهي تام كما قال حضرة نبي الله إبراهيم: «ربِّ أرني كيف تُحيي الموتى» البقرة 261 أي علمني كيف أدعو الناس ليستجيبوا لي، ويخرجوا من الظلام إلى النور.
شاهد كتابي سابق
وقد لا يروق لإخوتنا المسيحيين ذلك الشرح الإسلامي العقلاني والمنطقي الذي عرضناه، فنقدم لهم من بين دفتي الكتاب المُقدس ما ينص على قيام أنبياء آخرين بنفس العمل، فهذا النبي إيليا أقام ابن أرملة صرفة الذي مات 1مل 17/ 17-24 فمن ذلك نستخلص أولًا عدم انفراد المسيح الناصري بإحياء الموتى (أقصد هنا الموت الجسدي بحسب الفهم المسيحي والتقليدي)، وثانيًا، لجوء كل من يفعل ذلك إلى الله القادر ليعينهم بالوحي والإلهام فيخبرهم من خلاله أن هؤلاء المطروحين ليسوا في عداد أموات الجسد بعد ولذا فيمكن إفاقتهم من جديد بشيء من العمل والجهد