الاثنين، 17 أبريل 2023

شُبهة حديث اختبار الوحي عند السيدة خديجة ⧆ وفي المقابل كشف تبعات اختبار الشيطان

  الحديث

    (عن خَديجةَ أنّها قالتْ: يا ابنَ عَمِّ، أتَستطيعُ أنْ تُخبِرَني بصاحِبِكَ إذا جاءك؟ فلمّا جاءه، قال: يا خَديجةُ، هذا جِبريلُ. فقالتْ: اقعُدْ على فَخِذي. ففَعَلَ، فقالتْ: هل تَراه؟ قال: نعمْ. قالتْ: فتَحوَّلْ إلى الفَخِذِ اليُسرى. ففَعَلَ، قالتْ: هل تَراه؟ قال: نعمْ. فألقَتْ خِمارَها، وحسَرَتْ عن صَدرِها، فقالتْ: هل تَراه؟ قال: لا. قالتْ: أبشِرْ، فإنّه -واللهِ- مَلَكٌ، وليس بشَيطانٍ)

خلاصة رده

وعرض الإشكالية المزمنة في فهم المسيحيين لمنهجنا

بدايةً فهذا الحديث هو حديث مرسل (يعني لم يروه أحد من الصحابة) في أي من طرق رواياته، والحديث المرسل من أنواع الحديث الضعيف؛ وهو أيضًا منقطع (يعني هناك خلل وعدم اتصال في تسلسل رواته) في رواية أخرى له. وبوضوح أكثر فهو كلام غير واصل للنبي ﷺ ولا منسوب له، ولم يذكره الصحابة، والتابعين الذين ذكروه غير متصلين في التسلسل. وبوضوح أكثر وأكثر فهذا الحديث غير موجود في كتب الحديث التسعة بكل ما فيها من صحيح وضعيف... فكيف تفقهون!

فنرجو من المسيحيين إذا يأسوا من أن يحتجوا علينا بالقرآن العظيم، فعلى الأقل عليهم أن يلجأوا إلى الأحاديث الصحيحة. لأن الإسلام ليس مسؤولًا عن كل من هب ودب أخذ يكتب ويؤلف من عند نفسه في حياة النبي ﷺ وسيرته. لأن احتجاجهم بالروايات الصفراء دون القرآن أولا، ثم الصحاح بعد ذلك، هو في الحقيقة حجة عليهم لا علينا.

ومشكلة المسيحي الراسخة في ذهنه تجاه الإسلام هي أنه يظن أن كتاب المسلمين المقدس "أي القرآن العظيم" قد تكَّون على غرار كتابهم في خلال أطوار زمنية ممتدة استمرت مع العهد الجديد فقط إلى أربعة قرون (نعم 400 سنة).. ولكن كلا، فإن القرآن الكريم بدأ نزوله وانتهى في مدة لم تتجاوز 13 سنة فقط. لذا، فإن كل ما سوى هذا الكتاب العزيز وخالفه ليس منه ولا من الإسلام في شيء ببساطة..

فعلى المسيحي أن ينتبه إلى هذه اللفتة الهامة جيدًا لمصلحته، ولا يحاول أن يطبق منهج تكوين كتابه الأول على أسلوب ومنهج القرآن الكريم. ولكن إذا أصر المسيحيين واستمروا على منهجهم العقيم هذا، وهو ما يحدث مرارًا كما نرى، فليعلموا إذن ألا ضرر يقع إلا على أسلوبهم فحسب، إذ يظهرون كالأحول يرمي سهامه على الهدف، ولكنها (كون الرامي أحول) تصيب خارج الهدف، وهو يفرح ظنًا منه أنها أصابت المركز 😆😂

مقارنة الحدث بحدث مقابل

والآن تعالوا نطبق مثيل هذه الروايات على عقيدة المسيحيين، ولكن الفرق بيننا وبينهم هو أننا نلتزم بإخراج حججنا على المسيحية والمسيحيين من كتابهم الأول، ولا نلجأ مثلهم إلى الأبواب الخلفية المشبوهة التي لا توصل لشيء حقيقي كما ذكرنا..

الاختبار بالشيطان

ينطلق المسيحيين من خلال هذا الحديث المزعوم بأن النبي محمد ﷺ كان يحتاج إلى من يؤكد له حقيقة الوحي، أهو من الله أم من الشيطان، فقامت بذلك السيدة خديجة واختبرته.. إلخ.. ورغم أن السيدة خديجة (بحسب الحديث) هي التي كانت تريد أن تعرف وتتأكد، وهي التي طلبت وليس النبي ﷺ، لكن لنمرر ذلك، ولننظر إلى المسيحيين الذين يغضون العقل قصدًا عن معتقدهم الذي يقول بأن يسوع الإنجيلي اختبره الشيطان بنفسه أصلًا! ثم ومع ذلك يقولون بأنه إله  رغم الأحوال الفاسدة عنه والتي سنذكرها ويظهر بأنه يعدهم الملكوت، والحق أنه شيطان يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا.

حِجر الزوجة أم المرأة الشيطان!

وكذلك يشنع المسيحيون على طريقة هذا الاختبار، الواردة في الحديث المُساق، والمذكورة عن السيدة خديجة، إذ أجلست النبي ﷺ على فخذها الأيمن تارة ثم الأيسر تارة أخرى وكان يرى جبريل، ثم كشفت خمارها فذهب ولم يراه النبي ﷺ، فتأكدت أنه مَلك وليس شيطان..

وناهيك عن كون الحديث مرسل ومنقطع كما ذكرنا في بداية كلامنا، ولكن تعالوا نقبله مؤقتًا حتى نفرغ من الشبهة المبنية عليه ثم نتركه على علة حالة.

ألم ينتبه مثيرو هذه الشبهة أن السيدة خديجة هي زوجة النبي ﷺ، وإجلاسه إياها على رجلها ليس فيه أي غضاضة ولا عيب إلا عند مريض الذهن وعند من يزدري المرأة عمومًا كالمسيحيين مثلًا، إذ يعتبرونها هي نفسها شيطان، كما سماها (القديس) ترتليانوس بأنها باب الشيطان (في كتابه زينة النساء)، بل إنها الشيطان نفسه كما قال عنها (القديس) إيريناوس، وأنها مصدر للشياطين كلهم كما قال (القديس) يستينوس (في كتاب الدفاعات)..

فلا يثير المسيحي هذه الشبهة بهذا الشكل إلا لفكره واعتقاده النجس بالنساء عمومًا [بدليل]:

البدء والختام مسيحيًا

ففي المسيحية نرى أن الخطية أولًا اندلعت بفعل المرأة، وابتدأت الحياة العقابية بغوايتها؛ وحصل أن انتهت الخِطة الخلاصية أيضًا في معيتها، ولكن كان يسوع الإنجيلي حريصًا وقتها ألا تفسد المرأة كعادتها كل ما تم إنجازه، فأسرع وقال "لا تلمسيني" احنا مش ناقصين يا ست، كفاية بجى.. على الرغم من إن سيرته الإنجيلية مع النساء الأجنبيات كانت منفتحة بلا ضابط، إذ كان معتادًا أن تدلك المجدلية رجليه بالعطور بيدها وبشعرها وهي أجنبية عنه!

وهنا نندفع ونسأل مثير الشبهة المريض في ذهنه، ولا نتصور من مريض جوابًا منطقيًا بالطبع، ولكن سؤالنا فقط إنما لتبكيته، فنقول له: أتستنكر مثل تلك الأفعال من زوجة لزوجها وتقبله بلا غضاضة من أجنبية لرجل في علاقة غريبة منكرة؟! (معلش، الكفارة هتيجي وتزيح كل ما حصل من نجاسة بدليل "لا تلمسيني")

إسلاميًا

أما الإسلام، وبحسب الحديث موضوع البحث فقد ابتدأ أيضًا مع امرأة هي زوجة (يعني علاقة طاهرة) وانتهى عصر النبوة بوفاة النبي ﷺ في حضن امرأة أيضًا هي زوجة كذلك (يعني علاقة طاهرة)، إذ قالت زوجه أمنا السيدة عائشة: «تُوُفِّيَ النبيُّ ﷺ في بَيْتِي، وفي نَوْبَتِي، وبيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي، وجَمع اللهُ بيْنَ رِيقِي ورِيقِهِ، قالَتْ: دَخَلَ عبدُ الرَّحْمَنِ بِسِواكٍ، «فَضَعُفَ النبيُّ ﷺ عنْه، فأخَذْتُهُ، فَمَضَغْتُهُ، ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ»..

فهل في ذلك خجل بالله عليكم؟! كلا والله، بل إن فيه شرف، ونبل، وانسجام وتقدير وطهارة... وإن الذين عليهم أن يذوبوا خجلًا هم الذين تمتلئ معتقداتهم بالتعاليم الشيطانية بحسب ما ابتدأ به معبودهم، ففيها انتقاصًا مزريًا للمرأة منذ بداية الخليقة وحتى طوال عصور الإنسانية في ظل العقيدة اليهودية والمسيحية بحسب كتبهم ومعتقداتهم الحالية والدناسة المتبدية منها في معاملتها خارج الإطار الشرعي الطاهر.

نعود للحديث

إذن فنحن لسنا نرفض الحديث لشيء مخجل فيه لا سمح الله، بل لكونه مرسل ومنقطع، ولا أثر له في الصحاح، كحديث السيدة عائشة الذي أوردناه مثلًا وهو في البخاري ومسلم. بل الخجل إنما يجب أن يكتسي به من اختبر الشيطان معبوده في البدء، وعليه أن يسأل نفسه أليس من اختبره الشيطان كيسوع الإنجيلي، لا بد وأن تكون كل أفعاله شيطانية؟ وإن بدت في كثير من الأحيان بالأساليب الملائكية؟! فإنها في الواقع ثياب الحملان، فالشيطان لن يأتيك يا عزيزي ويقول لك أنه شيطان، لكن كله بيبان من خلال ازدراء الطهارة واعتماد العهارة والعياذ بالله ولا يستبين ذلك إلا المتقين.

أو كما قيل: (مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ) كما في حال يسوع الإنجيلي ولكن من يلاحظ!؟ من لديه عقل للفهم فليعقل.

السبت، 15 أبريل 2023

البدعة المسيحية الأولى ⨷ تأليه المسيح

وفيها نبحث هل لمَّح يسوع المسيح في أي مرحلة من مراحل حياته بادعاء الألوهية، وهل فهم الناس من حوله ذلك؟

الشاهد الكتابي

    ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ النَّعْشَ، فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». فَجَلَسَ الْمَيْتُ وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ». وَخَرَجَ هذَا الْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ

إنجيل لوقا 7/ 14-17

التحليل النصي شهادة الشهود

يزعم المسيحيون بما أن عملية إفاقة الميتين هي من مقتضيات الألوهية، فإن يسوع المسيح بذلك يكون إلهًا، ولكن هذه الفرية في الحقيقة هي بدعة ابتدعها المسيحيين من بعد المسيح، ولم يكن في عصر المسيح من يؤمن بها على الإطلاق، فهذا النص الذي بين أيدينا الآن يثبت ذلك بوضوح لمن يفهم.

فعلى الرغم من أن يسوع تقدم وأفاق الميت بلمسة يد وبعض الكلمات، إلا أن أحدًا من الذين رأوا ذلك بأم أعينهم لم يزعم أنه إله بناء على هذا الفعل الإعجازي العجيب تمامًا، بل قالوا بصراحة ووضوح، عارفين حدودهم، فهم يعرفون مقام الله الحقيقي جيدًا، قالوا: "لقَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ"، وشاع ذلك القول أن يسوع نبي عظيم أتى من قِبَل الله في كل المجتمع حينذاك.

بحث الحالة وقائع متعددة

ولكن بعد مرور عصر النقاء العقيدي، أثناء وجود المسيح بين قومه، وبعد فترة قليلة من بقاء تلاميذه الصالحين، حتى رحيلهم.. ظهرت البدع التخريفية على خلاف العقيدة النقية، فحمّلوا المسيح أحوالًا لم يكن عليها، بل لم يكن يرضى لها أن تشيع أصلًا، حتى وهو مُعلن بينهم كنبي، ذلك كي لا يفتتن الناس به لما وهبه الله من كرامات. فكان دائم الحرص على إخفاء كثير من كراماته عن العوام، حتى لا يصيبهم التأثر بها فيقعوا في آفة الشرك.. فنبَّهَ في حالة كرامة إشفاء المرضى قائلًا: {انْظُرْ أَنْ لاَ تَقُولَ لأَحَدٍ}، وأمر تلاميذه بالتكتم على كرامة انجلاء التجلي الإلهي لهم فقال: {لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ}، وأمر المستبرئ من العمى بعد كرامة شفاءه {لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ} ... لقد كان ذلك هو كل ديدن المسيح، الحرص على القوم من أن يفتتنوا بالكرامات التي وهبه الله إياها. ولو أنهم (المعاصرين له) في الواقع كانوا أتقى وأعقل كثيرًا من المسيحيين المتأخرين، فلم يصل حتى خيالهم الخصب والأقصى إلى أكثر من اعتباره "نَبِيٌّ عَظِيمٌ" فحسب حين سرت كرامة إفاقته لميت بينهم وفي جميع المملكة، وهم الذين شاهدوا وعاينوا وعايشوا واختبروا وعاصروا..

التهمة: بدعة التأليه

أما بعدما مات المسيح، وكذلك لحق به التلاميذ الكرام واحدًا تلوا الآخر، ظهرت البدعة الكبرى، ممن لم يعاصروه، فلم يختبروا ولم يعايشوا... وكيف ذلك وهم لم يعاينوا شيء أصلًا ولم يشاهدوا أي شيء؟؟! لقد ظهرت بدعة تأليه هذا الشخص الذي لم يدّعي يومًا ألوهية لنفسه! ظهرت فقط بناء على أمرين باطلين، أولهما مخالفة النص الكتابي بصراحة كما اتضح، والثاني هو التأويل الخاطئ لبعض كلمات المسيح عن صلته بالله وعلاقته به.. وكل هذا عن شهود مشافوش حاجة!

فلم يُسمع أي من معاصري المسيح ولا كلمة تدعو إلى هذا الافتراء عليه، ولكن نجد التفاسير المسيحية التخريفية تعج بهذا الافتراء بل وتقدسه تقديسًا.

دفاع المُدّعىَ عليه

وبعد كل هذا الافتراء على المسيح من المسيحيين المتأخرين، والتعدي منهم على مقام الوحدانية لله عز وجل، والذي كان مميزًا بوضوح في الإنجيل، حيث قيل: (فَأَخَذَ الْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا اللهَ) (قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ») يعني لقد خشي المشاهدين من عظمة الله بمعاينة هذه الكرامة، فسبحوه ومجدوه، وشكروه على أن أقام في وسطهم نبي من لدنه ووهبه هذه الكرامة.. ولكن للأسف، نبذ المسيحيين المتأخرين بتجاسر عظيم وذميم كل ذلك، وتعدوا على مقام الألوهية بصلف..

ولكن حين يُقام مشهد الفصل السماوي، ويجلس الله الديان يدين ويجازي ويسأل الشخص الملصق به تلك التهمة التي ابتدعها المسيحيين فيقول:

«يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟«

فيرد المسيح بوضوح ممجدًا ومسبحًا الله ومستبرئًا من هذه الفرية ويقول: «سُبْحَانَكَ [يا رب] مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ» وهذا الجواب فيه جانبين، جانب تنزيه الله من هذه الفكرة أصلًا أي أن يكون هناك آلهة سواه أصلًا، وجانب تبرئة نفسه تمامًا من احتمال قول مثل هذا الكلام الشنيع.

وعقَّب أيضًا فقال مؤكدًا على براءته: «إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» وهذا التأكيد أيضًا فيه وجهين، الأول دال على أن حتى المدون عن المسيح نفسه في الأناجيل يخلو من ذلك "إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ" ولكن حتى التدوين عنه لا يوجد! والوجه الثاني أنه يشير إلى الكلمات التي اعتبرها المسيحيون بعد ذلك تعبيرًا عن الألوهية وقد نطق بها المسيح وهي مدونة، ولكن المسيح يقر بأنها إنما تعبر عن عبودية تامة لله "تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي" أي تعلم حقيقة قولي.

ثم يسترسل المسيح في إعلان براءته وسَوق حججه عليها أمام الله الديان قائلًا: «مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ» وبالفعل فقد ورد عنه في الإنجيل: "الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ"، "إِلهِي وَإِلهِكُمْ"!

ويزيد من حججه لإقرار براءته فيقدم الحجة العملية فيقول: «وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ» يعني أنه لما كان في وسطهم كان يحيط علمًا بقولهم وعملهم، وعلى التقريب فكل ما هو مدون عنه والموجود حتى الآن يثبت ذلك، ولكن «فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» أي أنه لما مات انقطعت قدرته في رقابته عليهم، وأصبح الرقيب الوحيد على أقوالهم وأعمالهم هو الله عز وجل فهو يعلم ما كان منهم أثناء وجوده حيًا، وهو يعلم ما أمسوا عليه بعد مماته.

ثم أخيرًا، يلقي عليهم المسيح كامل الذنب الناتج عن هذا الادعاء والافتراء الكاذب الذي ألصقوه به، وبالتالي فهم المخولون بالعذاب، فيقول هم الذين قالوا، ولست أنا «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ» يعني أدبهم يا ربي كيفما شئت، ولكنه أيضًا يستحث غفران الله فيهم، على اعتبار أن الله عز وجل لن يضره ادعائهم السخيف هذا شيئًا فيقول: «وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».