السبت، 8 أبريل 2023

هل كان يسوع بريئًا بحسب الكتاب المقدس؟

الحقيقة كلا، لم يكن يسوع الإنجيلي بريئًا كما يدعي المسيحيون عمال على بطال، بل في الواقع نجد إنه قدّم بنفسه الحكم على نفسه، ثم أخطأ باجتراح جميع الآثام التي نبه عليها لتركها، وأصبح بناء على خطاياه تلك وحكمه السالف الذي أقره بنفسه، أصبح مستوجب العقاب بحسب الكتاب.

تعالوا نشوف

    قال يسوع في موعظته الكبرى (المعروفة بموعظة الجبل): «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ»

فكان هذا هو الحكم الذي وضعه يسوع الإنجيلي بنفسه، ثم خالفه كله حرفيًا. فلنرى

أولًا

القتل

١ الحكم: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ»

٢ شكل المخالفة: القتل، أو التحريض على القتل

٣ [الشاهد الكتابي]

«أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي»

فإذا كان يسوع بحسب الإنجيل لم يعش كثيرًا لينفذ ما قد أعلنه بخصوص أعداءه، إلا أنه يبقى عنصر التحريض المتحقق بالفعل على يد أتباعه من بعده ماثلًا ومؤثرًا...

وفي القانون الجنائي الوضعي "فكل من حرض واحدًا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو جهر به علنًا أو بفعل أو إشارة صدر منه علناً أو بكتابة أو رسوم أو صور أو رموز أو بأي شكل آخر غير ذلك من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية طريقة أخري من وسائل العلانية، يعد شريكا في فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا التحريض وقوع تلك الجناية أو الجنحة فعلًا". وبلفظ الكتاب المقدس «يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ».

ثانيًا

الغضب

١ نص الحكم: «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ»

٢ شكل المخالفة: الغضب على قومه باطلًا، بتعابير الوجه وبالفعل

٣ [الشواهد الكتابية]

أ • غضب تعبيري •

"قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِينًا عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ»

لقد كان الحديث عاديًا، نقاشًا بينه وبين آخرين من كتبة وفريسيين، لكنه ولأنهم خالفوه إلى ما اعتادوا عليه لم يصبر ليفهمهم، بل غضب في وجوههم من فوره، وكان غضبه هذا باطلا كونهم لم يكونوا مؤهلين بعد لمستوى علمه، فظهر لهم كالمعلم الغاضب على تلاميذه في أول يوم من العام الدراسي قبل أن يعطيهم شيء ليحاسبهم عليه! فصار غضبه باطل وصار بنص الكتاب «مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ».

ب •• غضب فعلي ••

«وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ وَقَالَ لَهُمْ: "مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»"

ويبدو هنا أن يسوع الإنجيلي كان فيه نزعة إرادة التغيير الجبري باليد، لولا خشيته من نظام الحكم الروماني الذي كان ضابطًا للأمن، إلا أن هذه الحادثة من الواضح أنها لم تغب عن بال اليهود ولا الحكام الرومان، فقد ظهر يسوع خلالها كخطر اجتماعي يمكن أن يستفحل ويجب وأده في مهده.

لقد غضب يسوع على أعمال التجارة داخل دار العبادة، ولكنه لم ينصح بفصل أعمال التجارة عن مكان العبادة، بل اعتدى عليهم من فوره، وهجم ملقيًا عليهم تهمة باطلة بأنها أعمال لصوصية! وهنا فيبدو أن الغضب الذي انتابه غيّب عقله وجعله في غير وعي من أجل إسداء النصح الواجب، وبغير اتزان من أجل إصدار الحكم الصحيح، فما كان يفعلوه القوم هو تجارة، وإن كان ليس مكانها غير أنها ليست سرقة في النهاية كما وصفها. فأصبح بنص الكتب «مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ».

ثالثًا

الازدراء "رقا"

١ نص الحكم: «وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ»

٢ شكل المخالفة: نعت مستضيفوه بالغباء، وقلة العقل والتبجح بعجرفة الاستمرار في شتمهم رغم صمتهم لأنهم استضافوه!

٣ [الشاهد الكتابي]

«فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ سَأَلَهُ فَرِّيسِيٌّ أَنْ يَتَغَدَّى عِنْدَهُ، فَدَخَلَ وَاتَّكَأَ. وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تَعَجَّبَ أَنَّهُ لَمْ يَغْتَسِلْ أَوَّلاً قَبْلَ الْغَدَاءِ. فَقَالَ لَهُ يسوع: «أَنْتُمُ الآنَ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافًا وَخُبْثًا. يَا أَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟»

ونتساءل نحن الآن، أيكون من الذوق أو اللائق أو من الأخلاق أن يدعوني شخص إلى الطعام في بيته، ثم يوجهني حين أدخل داره إلى مكان غسل الأيدي قبل تناول الطعام فأرفض وأشنع على الضيف من فوري بأنه غبي ولا يفهم شيء؟! أي ذوق وأي أخلاق هذه التي تدعو إلى ازدراء المضيف النظيف ولو شكليًا؟؟ فالنصيحة هنا ليسوع الإنجيلي هي (إن كنت لا بد داعيًا فكن لطيفًا حسن الخلق وليس جلفًا غليظًا محتقرًا لغيرك).

لم ينتهي أمر ازدراء يسوع لمضيفيه عند هذا الحد لكنه استطال فيه حتى كَوَّن عداوة عتيدة بينه وبين جميع الحضور، فقد استمر في توجيه حديثه لهم ولآخرين صابًا على الجميع ويلات ولعنات قاسية، وهم ساكتين، حتى لما فاض بهم إذ لم ينجوا من لسانه، ولم يكونوا مقصودين من البداية، لاموه بأدب قائلين: «حِينَ تَقُولُ هذَا تَشْتُمُنَا نَحْنُ أَيْضًا!» (وهنا يحضرني المشهد الكوميدي "اللّاه! وانا ما لي يا لمبي؟!") فما كان منه إلا فظاظة وعجرفة في الرد إذ قال لهؤلاء اللائمين له بسبب تطاوله عليهم: وأنتم أيضًا عليكم اللعنة...

لاحظوا يا سادة أن كل هذا بسبب أن مضيفه طلب منه غسل يديه قبل الطعام! ولقد كانت نتيجة ذلك الأسلوب الاحتقاري من تعامل يسوع تجاه مضيفيه وجميع الحضور أنه استعدى ضده الجميع حتى أخذوا يحنقون عليه ورأوا أن يشتكوه، لهذا كان حقًا على يسوع أن «يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ».

رابعًا

وصم الناس بالشر

"يا أحمق، هذه الكلمة تستعمل للاحتقار والغضب والاتهام بالشر"

١ نص الحكم: «وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ»

٢ شكل المخالفة: طلب منه القوم أن يجري لهم آية لتكون لهم علامة، فرد عليهم برد عجيب جدًا، فهو من جهة لم يرفض إعطائهم آية، ومن جهة أخرى أبى إلا أنه يصمهم بالشر المُطلق والفسق على طلبهم هذا!!

٣ [الشاهد الكتابي]

«قَالَ لَهُمْ: "جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ"». ولقد كان معتاد على اتهام المجتمع كله بالشر والغباء، كما ذكرنا في موقفه حين استضافه البعض فأهان جميعهم، وفي أكثر من موقف آخر وعلى رؤوس الأشهاد «فِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ ابْتَدَأَ يَقُولُ: "هَذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ"»، وكان يستمر متوعدًا القوم على الدوام قائلا: «هَكَذَا يَكُونُ أَيْضاً (يقصد الغضب بالوعيد) لِهَذَا الْجِيلِ الشَّرِّيرِ» فكان بناء على ذلك أن يسوع الإنجيلي بما قرره بنفسه سلفًا من أحكام على من يمارس هذه الآثام «يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ».

عار المخالفة وعقابها

هذا ما قدمه يسوع الإنجيلي من تعاليم، وهذا منها ما كان يود فعله، وهذا منها ما قام به بالفعل، وهذا كله ما نراه اليوم ومنذ زمن بعيد مندلعًا بإجرام تاريخي مستمر على يد أتباعه الذين عبدوه... وليتهم إن كانوا متقين أن يتذكروا بيت الشعر القائل:

"لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ ,’، عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ"

وليتهم في نفس الوقت يسألون أنفسهم، هل بناء على ذلك قد وقع على يسوع الإنجيلي العار بمخالفاته تلك التي ذكرنا بعضها؟ وألا يستوجب ذلك العار إزالة!؟ بلى يقع العار، وإنه ليستوجب الإزالة، ولقد أورد مخالفهُ بنفسه على نفسه الأحكام سلفًا كما قدمنا، ولكننا لسنا المخولين بتطبيق تلك الإزالة، بل لقد قامت الجهات المسؤولة في زمن يسوع الإنجيلي بتطبيق عليه جميع العقوبات المقررة والواردة في ذلك النص، وهي ما يسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وما يسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وما يسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ..

فالحكم هو الحكم على القاتل بالموت قتلًا، وقد عقدوا في النهاية له محكمة بالفعل وقضوا عليه فيها بـ«أنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ» ولما كانت تلك التهم المعهودة غير قابلة للإثبات، فهي مهما كانت كلمات، نسبوا الاتهام في الأخير إلى تجديف صدر منه وقت المحاكمة.

وأما المجمع فهو حكم يصدر ضد المدان بحرمانه من حقوقه الدينية كيهودي، ويمكن للقارئ تصور استبراء زميله الأقرب له (بطرس) في قاعة المجمع حين حاصروه بالاستجواب: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيلِيِّ!» ... فاستهل قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ!» ... وأقَسَمٍ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» ... ولعنه شافعًا لعنه إياه بالحلف قائلًا: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!»، ثم قاموا إلى يسوع «فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا»، فكل هذا ليدل على التجريد اللفظي والمعنوي من جميع الحقوق الدينية والأهلية.

أما عقوبة نار جهنم فهي إما يراد بها العقوبة الأخروية، أو العقوبة بحرق جثث المجرمين بعد الإعدام في وادي هنوم قرب أورشليم كما كان في ممارسات اليهود. والجدير بالذكر أن موضع الجلجثة حيث مكان الصليب يقع عل رأس وادي هنوم هذا، فالوادي يحد أورشليم من جهة الغرب، ويوجد موضع الجلجثة في الشمال الغربي من المدينة على رأس الوادي.

استدراك تفسيري وسقوط أسطورة "بلا خطية"

    ─── ولكن يقول أحد المفسرين: "وهذه الثلاثة، الغضب على الأخ، واستعمال رقا وأحمق، في معانيهما، ليست كناية عن ثلاثة أنواع من الخطية تستوجب ثلاثة أنواع من القصاص: "الحكم" و"المجمع" و"نار جهنم" بل هي إشارة إلى انفعالات النفس المختلفة في قوتها، التي جميعها في عيني الرب تستوجب الموت فلا تمييز هنا بين خطايا عرضية وخطايا مميتة كما يزعم البعض، لأن كل الخطايا مميتة في عيني الرب".

وبهذا أعزائي القراء نخلص إلى أن يسوع الإنجيلي ليس إلا كواحد من البشر، يقترف الخطايا المادية والمعنوية المستوجبة للعقاب، هذا فوق أنه ليس منزهًا من الخطية الأولى كونه من امرأة، وقد قيل: «وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي».

وبناء على ذلك تسقط عقيدة اعتبار يسوع الإنجيلي فاديًا لكونه لم تتحقق فيه النزاهة من الخطية، كما تسقط عقيدة الكفارة للبشرية، إذ أن الموت على الصليب مع حالهِ تلك لم يكن إلا بالكاد كفارة عن نفسه فقط مقابل لما اقترفه من خطايا استوجبت الموت.

ليست هناك تعليقات: