♦ مقدمة
يهذي أعداء الإسلام على الدوام بافتراءات شتى، ولكن مؤخرًا كان هذيانهم غريبًا، إذ يتهمون الأطهار سليلو النسب الشريف بأنهم عديمي النسب! وبأنهم، حاشاهم، نتاج علاقات زنا والعياذ بالله، فيدّعون أن السيدة آمنة بنت وهب أم النبي ﷺ قد أنجبته ﷺ بعد وفاة أبيه بأربع سنوات، يبغون الوصول إلى كون "عبد الله بن عبد المطلب" ليس هو والد الرسول ﷺ بغية إثبات أن النبي ﷺ ولد من سفاح والعياذ بالله.
♦ تبكيت
ولو أنهم نظروا في عقيدتهم الهشة لرأوا جملة يمكن الأخذ بها في هذا المقام تقول: «لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟» والخشبة التي نقصدها هي إقرار الأناجيل القانونية التي يتخذها المسيحيون كتابًا تعبديًا بأن يسوع الإنجيلي سليل زواني وزانيات.. وبذلك تكون صلته بالقدوس الأعظم، الله سبحانه وتعالى، مقطوعة ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولاحظوا كلمة "فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا" فهم رغم كون إيمانهم بهذا النسب الملوث الذي يدّعونه ليسوع، إلا أنهم لا يعترفون بتلوثه! بل وفوق ذلك يصيحون بأنه بلا خطية!! فعلًا، العقل زينة، فهو الذي يفطن.
فنقول لهؤلاء المخابيل «كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!» فكما ترون، الرياء وانعدام صفة الإنصاف جعل هؤلاء المخابيل الذين يهذون بما لا يعلمون، جعلهم يضعون معبودهم الملوث من أمه بالخطية الأولى، والملوث من جداته وأجداده بخطية الزنا الكثير وكذا المُلَوِث هو لأمه بالنجاسة بعد الولادة، انظروا كيف جعلوه في مرمى النقض الحاد.
أما القذى الذي يدّعونه في الغير بأعينهم المتورمة من مرض، ويشيرون إليه في أعين الأخيار الأطهار، فلا يتضح إلا للمبصرين المُتزني العقول بأنه كحل وزينة.
♦ أولا─ شهادة علم الآثار
كان لرسول الله ﷺ على مدى حياته تسعة سيوف وهي: المأثور، ذو الفقار، قلعي، البتار، الحتف، المخذم، الرسوب، العضب، القضيب.
وكان أول ما امتلكه النبي ﷺ من هذه السيوف هو السيف المسمى بالمأثور، وقد ورثه في مكة عن أبيه، والده عبد الله بن عبد المطلب، قبل أن يُبعث النبي ﷺ بالنبوة وشارك به في الحرب المعروفة بحرب الفجار وهو ابن خمسة عشر عامًا..
وطول هذا السيف مع المقبض ٩٩ سنتيمتر، أما المقبض فطوله ١٤ سنتيمتر وعرضه ٤ سنتيمتر، وبذلك فإن طول النصل وحده يكون ٨١ سنتيمتر، وطوله عند الذؤابة (طرفه الأعلى) ٣,٥ سم.
المقبض من الذهب وعند الجزء الأعلى منه طرفان ملتويان، وهو مرصع بالزمرد والفيروز. ومكتوب على نصله «عٮد الله ٮں عٮد المطلٮ». وهو محفوظ الآن بمتحف قصر طوب قابي بمدينة إستانبول التركية.
فهذه شهادة أثرية مادية تثبت النسب الشريف لهذا النبي الأشرف محمد ﷺ بوراثته لسيف أبيه. فليت الذين يثيرون هذه الشبهة العبيطة يطعنون أنفسهم بهذا السيف إكرامًا لهم بدلًا من عار انعدام فطنتهم ومصداقيتهم.
♦ ثانيًا─ شهادات الغير
─①─
ابن الذبيحين
عن معاوية بن أبي سفيان قال: «سمعتُ رجلًا يقولُ للنبيِّ ﷺ: يا ابنَ الذبيحينِ، فضحك النبيُّ ﷺ. ثمَّ قال معاويةُ: إنّ عبدَ المطلبِ لما حفر بئرَ زمزمَ، نذر للهِ إنْ سهَّلَ عليه أمرَها لَيذبحنَّ أحدَ ولدِه له، فسهَّلَ اللهُ عليه أمرَها، فوقع السهمُ على عبدِ اللهِ، فمنعه أخوالُ بنو مخزومٍ، وقالوا: افْدِ ابنَك: ففداه بمئةٍ من الإبلِ، وهو الذبيحُ، وإسماعيلُ هو الذبيحُ الثاني».
وهنا لفتة لطيفة يحب الأعداء اللعب عليها دائمًا، فلو كان نسب النبي ﷺ فيه شائبة كما يروج الكذبة، لكان معاوية قد استغل هذه الشائبة في حربه مع علي بن أبي طالب ابن عم النبي ﷺ، فقد كان في خصام معه، ولو كانت هذه الشبهة حقيقة لكان اعتمد عليها معاوية وأبرزها، لكنه على العكس أكد النسب الشريف للنبي ﷺ على بُعدين، بُعد تاريخي قريب بنسبته لوالده عبد الله بن عبد المطلب، وبُعد تاريخي سحيق بنسبته لنبي الله إسماعيل ابن نبي الله إبراهيم الخليل. فليت الذين يثيرون هذه الشُبهة يحفرون لأنفسهم بئرًا كما فعل عبد الله، ولكن ليدفنوا أنفسهم فيه بعد أن يطعنوا ذواتهم بالسيف المأثور.
─②─
شعر أبو طالب "عمه"
قال يحث بنيه عليًا وجعفر على نصرة ابن عمهما محمد ﷺ:
إِنَّ عَلِيّاً وَجَعفَراً ثِقَتي
عِندَ اِحتِدامِ الأُمورِ وَالكُرَبِ
أَراهُما عُرضَةَ اللِقاءِ إِذا
سامَيتُ أَو أَنتَمي إِلى حَسَبِ
لا تَخذُلا وَاِنصُرا اِبنَ عَمِّكُما
أَخي لِأُمّي مِن بَينِهِم وَأَبي
وَاللَهِ لا أَخذُلُ النَبِيَّ وَلا
يَخذُلهُ مِن بَنِيَّ ذو حَسَبِ
─③─
شعر علي بن أبي طالب "ابن عمه"
قال في قصيدة نسبية يذكر فيها نسبه وأهله وذويه:
مُحَمَدٌ النَّبيُّ أَخي وَصِهري
وَحَمزَةُ سَيِّدِ الشُهداءِ عَمّي
وَجَعفَرٌ الَّذي يُضحي وَيُمسي
يَطيرُ مَعَ المَلائِكَةِ اِبنَ أُمّي
وَبِنتُ مُحَمَّدٍ سَكَني وَعُرسي
مَشوبٌ لَحمُها بِدَمي وَلَحمي
وَسبطا أَحمَدٌ وَلَداي مِنها
فَمَن منكم لَهُ سَهمٌ كَسَهمي
فهل من أحد خفيف العقل يشكك في نسب علي بن أبي طالب بناء على تشكيكه في نسب الأعلى منه وأعظم؟! بالطبع كلا، لأن الشبهة صادرة في الأصل عن خبثاء، جبناء، كذبة.. فلن تكون بطبيعة الحال مكتملة الأركان، فإذا ولدت فستكون شبهة مشوهة غير مكتملة، وهي تعبر عن قصور عقلي لدى مروجها أكثر من تعبيرها عن إساءة في حق المطهرين الأخيار.
─④─
شعر حسان بن ثابت
─ قال مادحًا النبي ﷺ:
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
─ وقال في قصيدة ذاكرًا أحداث يوم بدر على مشركي مكة:
لَقَد لاقَيتُمُ خِزياً وَذُلّاً
جَهيزاً باقِياً تَحتَ الوَريدِ
وَكانَ القَومُ قَد وَلَّوا جَميعاً
وَلَم يَلوُوا عَلى الحَسَبِ التَليدِ
ومعنى الشطر الأخير أي أنهم لم يقدروا على ذي الحسب المجيد أي محمد ﷺ.
─ وقال ذامًا أبو لهب عدو النبي (وعمه) يدعوه بأن يدعه من بني هاشم لأنه لا يليق بها:
أَبا لَهَبٍ أَبلِغ بِأَنَّ مُحَمَّداً
سَيَعلو بِما أَدّى وَإِن كُنتَ راغِما
وَإِن كُنتَ قَد كَذَّبتَهُ وَخَذَلتَهُ
وَحيداً وَطاوَعتَ الهَجينَ الضُراغِما
وَلَو كُنتَ حُرّاً في أُرومَةِ هاشِمٍ
وَفي سِرِّها مِنهُم مَنَعتَ المَظالِما
وَلَكِنَّ لِحياناً أَبوكَ وَرِثتَهُ
وَمَأوى الخَنا مِنهُم فَدَع عَنكَ هاشِما
سَمَت هاشِمٌ لِلمَكرُماتِ وَلِلعُلى
وَغودِرتَ في كَأبٍ مِنَ اللُؤمِ جاثِما
فلاحظوا كلمة "وطاوعت الهجين" المُقالة في البيت الثاني، ومعناها طاوعت المخلطين الأنساب من بعض رجالات قريش ومشيت وراء رأيهم كونهم أقوياء وأغنياء فقط..
فهذه إثباتات من الشعر الذي هو ديوان العرب عبر ذكر أنساب، وحثٍ على اتباعه ومدح له وذم لعدوه كلها تؤكد بأن محمدًا ذا حسبٍ ونسب شريف لا شائبة فيه إلا عند من في نسبه الشوائبُ.
♦ ثالثًا─ شهادات شخصية
─➊─
«أنا ابن الذبيحين»
عن معاوية ابن أبي سفيان قال: «صحَّ أنّ أعرابيًّا قالَ للنَّبيِّ ﷺ: يا ابنَ الذَّبيحَينِ، فتبسَّمَ ولَم يُنكرْ عليهِ. وقال "وأمّا أنا ابنُ الذَّبيحَينِ"» وهذه شهادة منه ﷺ ذكرناها سابقًا في سياق شهادات الغير، حيث ذكر الرواية معاوية، ولكن في هذه الرواية يصرح النبي بالقول "وأمّا أنا ابنُ الذَّبيحَينِ" متبسمًا اعتزازًا بنسبه الشريف قريبًا وبعيدا.
─➋─
«أنا ابن عبد المطلب»
قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنه: "أفَرَرتُمْ عن رَسولِ اللهِ ﷺ يَومَ حُنَيْنٍ؟ فَقالَ البَراءُ: ولَكِنْ رَسولُ اللهِ ﷺ لَمْ يَفِرَّ، وكانَتْ هَوازِنُ يَومَئذٍ رُماةً، وإنّا لَمّا حَمَلْنا عليهمِ انْكَشَفُوا، فأكْبَبْنا على الغَنائِمِ، فاسْتَقْبَلُونا بالسِّهامِ، ولقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ على بَغْلَتِهِ البَيْضاءِ، وإنّ أبا سُفْيانَ بنَ الحارِثِ آخِذٌ بلِجامِها، وهو يقولُ: أنا النبيُّ لا كَذِبْ، أنا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ.." إنه يفاخر بنسبه على الملأ وعلى القوم، ولم يراجعه أحد من صديق أو عدو، ثم يأتي في آخر الزمان جاهل فاجر، داعر صاغر.. يدعي بشائبة في هذا النسب الناضر، فلينظر بالحري لجذع الشجرة الذي في كلتا عينيه، وليطهر معبوده من شوائب شتى أقلها الزانيات في سلسلة الميلاد..
─➌─
«أنا خيرُ ولَدِ آدمَ يومَ القيامةِ ولا فَخْرَ»
قال رسول الله ﷺ: «إن اللهَ قسم الخلقَ قسمينِ فجعلني في خيرهما قسمًا فذلك قولُه وأصحابُ اليمينِ وأصحابُ الشمالِ فأنا من أصحابِ اليمينِ وأنا خيرُ أصحابِ اليمينِ ثم جعل القسمينِ أثلاثًا فجعلني في خيرها ثلثًا فذلك قولُه فأصحابُ الميمنةِ وأصحابُ المشأمةِ والسابقون السابقون فأنا من السابقينَ وأنا خيرُ السابقين ثم جعل الأثلاثَ قبائلَ فجعلني في خيرها قبيلةً وذلك قولُه وجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقاكُمْ وأنا أتقى ولدِ آدمَ وأكرمهم على اللهِ ولا فخرَ ثم جعل القبائلَ بيوتًا فجعلني في خيرها بيتًا فذلك قولُه "إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" فأنا وأهلُ بيتي مطهَّرون من الذنوبِ».
♦ رابعًا─ شهادات الأعداء
─⓵─
(نَعْرِفُ نَسَبَهُ)
وفي خضم المقابلة أمام النجاشي ملك الحبشة النصراني، إذ لاذ به المؤمنين الأوائل هربًا من بطش قريش وظلمهم، كان ورائهم رهط من قريش يريدون إرجاعهم قسرًا. وكان في مقدمة هذا الرهط عمرو بن العاص وكان لا يزال مشركًا، فلما وقف الوفد من قريش أمام النجاشي يطلب الفارين منهم للعودة معه، سأل النجاشي جعفر بن أبي طالب أن يدافع عن نفسه ومن معه، فخطب بكلمته الشهيرة وقال: "أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، وَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ [حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْنَا رَسُولا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ]، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ" قال جعفر ذلك ولم يعترضه عمرو بن العاص بأنه كاذب في دعواه عن نسب النبي ﷺ لأنه يعلم جيدًا أنه ﷺ ذا نسب بينهم. فتلك إذن شهادة صامتة من عدو تؤكد على نسبه الشريف ﷺ وصدقه وأمانته، فقد عرف النبي طوال حياته وسطهم بالصادق الأمين، وبهذا فإن السكوت الذي أبداه عمرو يعني الموافقة والتأكيد.
─⓶─
"هو فِينا ذُو نَسَب"
ولما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، وبدأت الحروب بينه وبين قريش تندلع، وصلت أخبار كل ذلك إلى هرقل قيصر الروم، وصادف ذات مرة أن كان تجار من قريش موجودون في الشام، فاستدعاهم هرقل، وكانوا على الكفر، وفيهم "أبو سفيان بن حرب" وهو رأس الكفر في ذلك الوقت، فأخذ هرقل يسألهم عن النبي ﷺ أسئلة كثيرة، وكان من هذه الأسئلة أن قال: "كيفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟" فرد أبو سفيان: "هو فِينا ذُو نَسَبٍ"، فقال هرقل: "فَكَذلكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ في نَسَبِ قَوْمِها"، يعنى جرت عادة الله تعالى أن تبعث الرسل في أفضل نسب؛ لأن الناس يهتمون دائمًا بالأنساب خاصة في تلك الدعوات، لذا فإن الله تعالى يهيئ لنبيه أفضل نسب في قومه، حتى يكون عاملًا مساعدًا على التفاف الناس حوله، ولا يكون لعدوه حجة عليه، وفيه قال الله عز وجل: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» يعني أن سلالتك كلها مرت عبر الأطهار المتعبدون لله.
─⓷─
عشيرته الأقربين
وأمره الله كذلك «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» وحول هذه الآية، قامَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، قالَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدِ مَنافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبّاسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويا فاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا» فقام (عمه) أبو لهب [غير معترض على نسب] وقال: ألِهَذا جَمعتَنا؟ تبًّا لَكَ، فأنزلَ اللهُ عز وجل: «تَبَّتْ يَدا أبِي لَهَبٍ وتَبَّ».
هذا وإننا نجد أبو لهب عدو الإسلام وأعوانه في هذه الأيام يخالفون قواعد الإنسان ويتطاولون على أكمل إنسان فتب لسانه وتبًا له هو ومن اتبعه.
─⓸─
"ولكنْ أنت محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ"
وفي حديث يعد كله دليلًا على أصالة النسب الشريف ورد فيه بعض أحداث الحديبية فقيل: "اعْتَمَرَ النبيُّ ﷺ في ذِي القَعْدَةِ، فأبى أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حتّى قاضاهُمْ على أنْ يُقِيمَ بها ثَلاثَةَ أيّامٍ، فَلَمّا كَتَبُوا الكِتابَ، كَتَبُوا هذا ما قاضى عليه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ، فَقالوا: لا نُقِرُّ بها، فلوْ نَعْلَمُ أنّكَ رَسولُ اللهِ ما مَنَعْناكَ، [لَكِنْ أنْتَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ]، قالَ: [أنا رَسولُ اللهِ، وأَنا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ]، ثُمَّ قالَ لِعَلِيٍّ: امْحُ رَسولُ اللهِ، قالَ: لا واللهِ لا أمْحُوكَ أبَدًا، فأخَذَ رَسولُ اللهِ ﷺ الكِتابَ، فَكَتَبَ هذا ما قاضى عليه [مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ]، لا يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلاحٌ إلّا في القِرابِ، وأَنْ لا يَخْرُجَ مِن أهْلِها بأَحَدٍ، إنْ أرادَ أنْ يَتَّبِعَهُ، وأَنْ لا يَمْنَعَ أحَدًا مِن أصْحابِهِ أرادَ أنْ يُقِيمَ بها، فَلَمّا دَخَلَها ومَضى الأجَلُ، أتَوْا عَلِيًّا فَقالوا: قُلْ لِصاحِبِكَ اخْرُجْ عَنّا، فقَدْ مَضى الأجَلُ، فَخَرَجَ النبيُّ ﷺ، فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ قالت: يا عَمِّ يا عَمِّ، فَتَناوَلَها عَلِيُّ بنُ أبِي طالِبٍ، فأخَذَ بيَدِها، وقالَ لِفاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْها، فاخْتَصَمَ فِيها عَلِيٌّ، وزَيْدٌ، وجَعْفَرٌ، فَقالَ عَلِيٌّ: أنا أحَقُّ بها وهي ابْنَةُ عَمِّي، وقالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وخالَتُها تَحْتِي، وقالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أخِي، فَقَضى بها النبيُّ ﷺ لِخالَتِها، وقالَ: الخالَةُ بمَنزِلَةِ الأُمِّ، وقالَ لِعَلِيٍّ: أنْتَ مِنِّي وأَنا مِنكَ، وقالَ لِجَعْفَرٍ: أشْبَهْتَ خَلْقِي وخُلُقِي، وقالَ لِزَيْدٍ: أنْتَ أخُونا ومَوْلانا.."
فهذا الحديث مزدوج الحدين يذبح الحاقدين بكلتاهما، فتارة يشهد عدوه بأنه محمد بن عبد الله، يريد بتلك الشهادة نفي عنه النبوة، فأكد النسب. وتارة يرينا كيف أن النبي ﷺ يحكم ككبير العائلة في أهل بيته فيمن يكفل ابنة عمه سيد الشهداء حمزة.. فهنا وبناء على ذلك أقول للمعارضين بعد هذا الحدث وحكم رسول الله ﷺ: "من أنتم؟! وما صفتكم؟!"
♦ خامسًا─ علم الأنساب
لقد كان العرب أهل نسب وفخار به، فكانوا يهتمون بعلم الأنساب اهتمامًا كبيرًا للغاية، حتى في خيولهم للتأكد من أصالتها وجودتها، وفي أنساب البشر كانوا لا يسمحون لغير ذي نسب أن يملك عليهم إلا ويفضحوه بانقطاع نسبه فيهم حتى يقطعونه عنهم، ولكن ذلك لم يحدث مع النبي ﷺ، بل كانوا قبل النبوة ينعتونه بالصادق الأمين، ولكن بعد النبوة لم يعجبهم ذلك فرموه بكل مثلبة فقالوا عنه أنه ساحر ومسحور وكاهن ومجنون.. ولكنهم مرة لم ينعتوه بشائبة في نسبه، ولو كان ذلك حق لما تركوا فرصة كهذه في قتله معنويًا، خاصة وأن القرآن لم يهادن في تلك المسألة ورمى عدوه الوليد بن المغيرة بأنه «عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ» والعتل هو عظيم الكفر، والزنيم هو الدعيّ، والقرآن هنا يصفه بأنه ابن حرام وابن زنا. ولكن يا تُرى ما الحائل الذي منع قريشًا من معايرة محمد ﷺ بنسبه إلا إذا كان ذا نسب فيهم ونسبه هو نسبهم..
♦ اسم النبي ﷺ ونسبه ♦
لقد ذكر الإمام البخاريُّ نسب النبي ﷺ، فقال: «هو أبو القاسم، محمَّد بن عبد الله، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصَيِّ، بن كلاب، بن مُرَّةَ، بن كعب، بن لُؤَيِّ، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النَّضر، بن كِنانة، بن خُزيمة، بن مُدْرِكة، بن إلياس، بن مضر، بن نِزارِ، بن مَعَدِّ، بن عدنان».
وقال البغويُّ في شرح السنة بعد ذكر النَّسب إلى عدنان: «ولا يصحُّ حفظ النَّسب فوق عدنان».
وقال ابن القيِّم بعد ذكر النَّسب إلى عدنان أيضاً: «إلى هنا معلوم الصحَّة، متَّفقٌ عليه بين النَّسَّابين، ولا خلاف ألبتةَ، وما فوق عدنان مختلفٌ فيه، ولا خلاف بينهم: أنَّ عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام».
وجاء عن ابن سعد في طبقاته: «الأمر عندنا الإمساك عمَّا وراء عدنان إلى إسماعيل».
فصلَّ اللهم وسلم وبارك على نبينا وسيدنا وهادينا محمد ﷺ في العالمين إنك يا ربنا أنت الحميدٌ المجيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق