الثلاثاء، 20 يونيو 2023

مسلمات محمد السابع لدحض الأفروسنتريك

يدعي دعاة الافروسنتريك أنهم أصحاب الحضارة المصرية، وأبرز دليلهم حول هذا الادعاء هو حكم الأسرة 25 التي كانت عاصماتها نباتا وما خلفته من آثار أسلوبها مصري لكن بملامح زنـچـيـــة، والرد على هذا الادعاء هو السؤال الآتي، لماذا لم يتخذوا من طيبة عاصمة لهم لحكم مصر كما كان معتادًا طوال معظم فترة الأسرات المصرية؟

والجواب أنهم غرباء على مصر، ولذلك حين أقاموا عاصمتهم نباتا في فترة حكمهم لمصر جعلوها بعيدة عن العمق المصري مثلهم مثل أي أصول غريبة حكمت مصر لفترة مؤقتة مثل الهكسوس أو اليونان، وذلك بسبب الخشية الدائمة من الانقلاب عليهم من المصريين ولعدم انتمائهم الطبيعي للأرض المصرية.

وفي الأسطر التالية سنقدم مُسلمات تفيد ببعد هذه القضية عن الواقع على الأرض علميًا ومنطقيًا لا شك فيه ولا يرفضه دارس أو مهتم.

 

 

المسلمة الأولى

مسلمة البحث عن حياة

إذا حصل انتقال شخصي من مكان إلى آخر، فهذا الانتقال لا يكون بغرض إنشاء حضارة إنسانية، إنما يكون غايته البحث عن حياة آدمية معقولة.

❶ الإمبراطورية المصرية في عهد الأسرات
 ١٨، ١٩، ٢٠ لمدة حوالي ست قرون متتالية

فإذا صادف هذا الوجود الشخصي، الباحث عن حياة، مقومات أكثر مما كان يتصور، فيعيش ويزدهر بناءً على مقومات المكان وظروفه الإيجابية، طبيعية كانت أو بشرية، في مكان لجوءه، فاستطاع البناء والظهور والنجاح والحضور... فإن هذا الحضور لا يكون متأسسًا على جيناته أو شخصيته الذاتية أصلا، إذ قد فشل هو نفسه سلفًا بنفس هذه الجينات وذات تلك الشخصية في مكان موطنه الأول، وما ذاق الظهور إلا في مكان اللجوء بحثًا عن حياة آدمية.

إذن، فالجينات والشخصية الذاتية لوحدهما لا تؤسسان حضارة مميزة، لأنه بدون مقومات إيجابية، طبيعية كانت أو بشرية، لا يكتب لهذا الجين أو الشخصية الظهور بتميز أصلًا.

كل هذه المُسلمة اختصرها المؤرخ هيرودوت في ثلاث كلمات حين قال: "مصر هبة النيل".

 

المسلمة الثانية

مُسلَّمة رعايا الإمبراطورية

وإذا لم يحصل انتقال شخصي للشعوب من موطنهم الأصلي، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم، إلى موطن آخر، ولكن حصل أن امتد النفوذ في دولة من الدول بفترة من الفترات وشمل هذا التوسع أراض أولئك الشعوب.. فإن قيام أي حضارة في هذه الأراضي، التي تم بسط النفوذ عليها أثناء وجود الدولة المتوسعة، إنما يرجع نسبتها وفضل تأسيسها إلى موطن حكامها وليس إلى عنصر المحكومين.. لأن نوعية الحضارة، الخاص بالدولة المتوسعة والازدهار الحاصل فيه، ما كان ليحدث في تلك البقاع لولا شمولها ضمن هذا النفوذ ودخولها تحت رعاية الدولة المتوسعة على أراض تلك الشعوب فأصبحت من رعاياها وتخضع لقوانينها وتمتثل لأسلوب حكمها.

❷ جدارية من مقبرة الملك ستي الأول - من الأسرة ١٩
مصور فيها رعايا الإمبراطورية المصرية من الأجناس الأربعة الذين كانوا تحت حكمها

    

باختصار، إذا خضعت بعض الشعوب لحكم إمبراطورية متوسعة فقد أصبح أولئك الشعوب من رعايا تلك الإمبراطورية وما تأسس من حضارة في أراضيهم أثناء خضوعهم للإمبراطورية الحاكمة ترجع نسبته للإمبراطورية المتوسعة وحكامها.

المسلمة الثالثة

مسلمة الحضارة ومركز الحكم

كلما ازداد الابتعاد عن نطاق العواصم "مركز الحكم" قل التأثير الحضاري المدني وزاد النفوذ الأمني، لضمان سلامة الحدود. وبناء على ذلك كان طلب العلم والشهرة والمناصب المرموقة في الدولة يُقصد وتزيد فُرصه كلما زاد الاقتراب من مركز الحكم، أي العواصم وما حولها، حيث تزداد فرص الظهور وتحقيق الطموحات الشخصية، وتخبو تدريجيًا كلما ابتعدنا عن المركز.

باختصار، الحكم المصري استقر بعواصم مركزية على وادي النيل وفي العمق المصري، وحولها كانت الحضارة التي نراها الآن، وكلما ابتعدنا عن هذه العواصم قلت المظاهر الحضارية.

هذا حتى وإن كانت المقومات الطبيعية والقوى البشرية والقدرة المادية متوافرة في الأطراف المترامية أو النائية. ذلك لأن مركز التنظيم والإدارة للقوى والموارد يكون في الأصل متمركزًا في العواصم وتأثيره المباشر على المدن الرئيسية.

هذا إلا في بعض العصور التي حكم فيها غير المصريين، فإنهم ينقلون عواصمهم وقتئذ إلى قرب موطنهم الأصلي، على أطراف حدود القُطر الطبيعية أو خارجه كليةً بسبب الخشية الدائمة من الانقلاب عليهم من المصريين ولعدم انتمائهم الطبيعي للأرض المصرية.

كحالة العاصمة "أواريس" 1660-1580ق. م في عهد الهكسوس وكانت في الطرف الشمالي الشرقي لمصر وقت الأسرتين 15، 16.

وحالة العاصمة "نباتا" 716-663ق. م للمملكة الكوشية حيث كانت خارج الحدود المصرية الطبيعية الجنوبية الحالية وقت الأسرة 25.

وحالة العاصمة "الإسكندرية" 332ق. م - 641م في أقصى شمال مصر على ساحل المتوسط وكانت عاصمة للدولة البطلمية في الأسرة 31 وما بعدها حيث الوجود الروماني. 

الأربعاء، 14 يونيو 2023

الجانب اليهودي في حياة يسوع المسيح، وحصر دعوته لليهود

 كتبت صفحة كنيسة مسيحية باسم "المسيحيون الأحرار נוצרים ליברלים " الموضوع التالي بعنوان «الجانب اليهودي في حياة يسوع المسيح»

١_            يسوع المسيح (يهودي الأصل)

٢_            يسوع يمارس الديانة اليهودية

في الموعظة على الجبل (متى ٥-٧)، أكَّد يسوع مراراً سلطان التوراة والأنبياء (متى ٥/ ١٧)، حتى في ملكوت السموات (متى ٥/ ١٩-٢٠). كان يذهب إلى المجمع بإنتظام (لوقا ٤/ ١٦) وكان اليهود في يومه يحترمون تعليمه (لوقا ٤/ ١٥). كان يعلّم في هيكل اليهود في أورشليم (لوقا ٢١/ ٣٧) ولو لم يكن يهودياً لكان دخوله إلى ذلك الجزء من الهيكل غير مسموحاً بالمرة (أعمال الرسل ٢١/ ٢٨-٣٠).

أظهر يسوع علامات خارجية أيضاً على إلتزامه كيهودي. لقد وضع هدباً لثوبه (لوقا ٨/ ٤٣؛ متى ١٤/ ٣٦) كتذكار للوصايا (عدد ١٥/ ٣٧-٣٩). لقد احتفل بالفصح (يوحنا ٢/ ١٣) وصعد إلى أورشليم (تثنية ١٦/ ١٦) في هذا العيد اليهودي المهم. وإحتفل بعيد المظال (يوحنا ٧/ ٢-١٠) وصعد إلى أورشليم (يوحنا ١٠/ ٢٢) كما هو مطلوب في التوراة. كما حفظ عيد التجديد (يوحنا ١٠/ ٢٢) وفي الغالب أيضاً عيد رأس السنة، أي عيد الأبواق (يوحنا ٥/ ١)، وصعد إلى أورشليم في كلتا المناسبتين رغم أن هذا لم يكن مطلوباً حسب التوراة. من الواضح أن يسوع كان يرى نفسه كيهودي (يوحنا ٤/ ٢٢) وكملك لليهود (مرقس ١٥/ ٢). من وقت ميلاده وحتى عشاء الفصح الأخير (لوقا ٢٢/ ١٤-١٥) عاش يسوع كيهودي ملتزم.

🕎🕎🕎

 وكان تعليقنا عليه كالتالي:

وكون أن المسيح يهوديًا ملتزما بالوصايا والناموس الموسوي فقد انحصر تبشيره لليهود فقط كما قال بنفسه: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ» وقرر على تلاميذه: «اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ»

الحظيرة الأخرى

فإذا احتج أحدهم بالآية: «وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» على أنها تقصد بقية الناس من غير اليهود فهي عندما نقف على خلفية الماضي اليهودي، أقصد أيام السبي، ونعرف أن ليس كل الأسباط اليهودية رجعوا من أرض السبي، بل بقي معظمهم هناك وعاشوا واستقروا... فبذلك فالآية تقصد حظيرة لبيت إسرائيل أخرى غير الحظيرة المعهودة في أرض فلسطين، وهي حظيرة يهود الشتات الذين هم النسبة الأكبر من اليهود في العالم آنذاك حيث عاد إلى أرض اليهودية بعد انفكاك قيد السبي سبطين فقط وبقي في أرض المشرق عشرة أسباط وهناك كانت الإرسالية الكبرى لحضرة المسيح.

ولعل الذين سميناهم بالمجوس وقت ميلاد السيد المسيح هم من أولئك اليهود في أرض الشتات الذين كانوا ينتظرون على رجاء كذلك ظهور المسيح المخلص. إذن فهذه الآية لم تخرج عن اليهود أيضًا.

وبخصوص اليهود الباقين في أرض الشتات فهؤلاء وإن كان فيهم خلاف تاريخي على المستوى الاكاديمي الأنثروبولوجي، ولكن على صعيد الكتاب المقدس وتاريخ اليهود فلا يمكن إنكار هذه الحقيقة.

── وعند مطالعة هذه الحلقة (وهي من برنامج مسيحي في قناة مسيحية) حول هذا الموضوع، بداية من الدقيقة ١٦ سيظهر لكم بقاء أمم يهودية مخلِصة في أرض السبي وما حولها بعد انفكاك السبي، وقد عاد من السبي عدد ضئيل جدا من مجموع بيت إسرائيل.

الحلقة:

نظرة عامة على الكتاب المقدس (٩) - النظرة العامة على العهد القديم: عصر الأنبياء – الرجوع من السبي

المقصود بالأمم

وإذا احتج أخرون بالآية: «فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ..» على كون المسيح مبعوث لجميع الناس فإننا يجب ان نعلم يقينًا وهذا اليقين مبني على حقائق أكاديمية مسيحية أن كلمة الأمم لا يراد بها الوثنيين فقط، بل تدل على اليهود أيضًا، وهذا ما تشير إليه بوضوح التعليقات على الكتاب المقدس النسخة اليسوعية على نفس هذه الآية.

غلاف الكتاب المقدس النسخة اليسوعية

فلنعلم جميعًا أن في إنجيل متى خاصة، لا تدل كلمة "الأمم" إلا على اليهود حصرًا. وهذا ما قصده حضرة القديس متى في كل لفظ "الأمم" حين ذكره.

── وقد ذكر شاهدًا على ذلك قول حضرة السيد المسيح: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ» يعني أن المسيح الناصري كيهودي فهو محصور بدعوته في بيت إسرائيل بجميع أسباطه فقط.

(الخليقة كلها)!

أما إذا جاء الاحتجاج بالآية: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» [مرقس ١٦/ ١٥] فلا ننسى دائمًا أن الأعداد من ٩ إلى ٢٠ من الإصحاح ١٦ من إنجيل مرقس هي مضافة في الأساس على النص الأصلي لمخطوطات حديثة للإنجيل. فلم تظهر إلا بعد القرن الرابع.