الأربعاء، 24 مايو 2023

اختبار تجريبي للتشغيل - (مَثَل صاحب الشركة) - شرح آيات متى ٣/ ١٧، ٤/ ١-١١

عندما يكون شخص مالك لشركة ومديرها في نفس الوقت، وهذا الشخص كان له ابن ذكي للغاية، هذا الابن في صغره كان يتابع والده دائما في أشغاله وأعماله في كل وقت وحين، ولما كبر كان يقوم في كثير من الأحيان بتنفيذ الأعمال وإجراء الصفقات بنفسه، وكان يتمم ذلك بجدارة حتى دون إشراف الأب، حتى صار الابن مثل الأب تمامًا بلا أي فرق في المستوى العملي أو الإداري.. ولما حان الوقت ليتسلم الابن مسؤولية الإدارة رسميًا، جمع الأب جمع من الموظفين وأعلن: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ»

 بين البشرية والألوهية

       في الحالة البشرية المحضة يكون هذا الإعلان من الأب إيذانا منه بقرب تقاعده، لذا فهو يسند جميع المسؤوليات رسميا إلى الابن على مرأى ومسمع من الجميع..

ولكننا هنا أمام حالة ألوهية بحتة، بحيث أن الآب يعلن الابن رسميًا ليكونا معا، فلا ينفصل عنه ولا يتوارى، ولا تقل مهماته ولا تخبو جدارته.. وهذا ما يتصوره المعتقد المسيحي في العلاقة بين الآب والابن.

 ولكن

على الرغم من هذه الحالة الألوهية من التساوي الكينوني، بين الأب والابن، قام الأب بعمل غاية في الغرابة يعطي انطباع قوي للموظفين والناس بأن الابن بعدُ ليس جديرًا بحمل المسؤولية، إذ لا بد أولًا من اختباره وتوجيهه حتى يثبت جدارته (التي هي مفترض مثبتة سلفًا)! فانعكس هذا الانطباع تلقائيا بإيمان الجميع بأن العلاقة بين الأب والابن دائما ليست مبنية على التساوي أو الندية في الشركة مع صاحب الشركة.

 تصرف الأب

وفيه استعمل الأب سلطته الأزلية في إثبات وإعلان سلطته التفردية الأبدية فقام بإصدار أمر لعمل الإجراء التالي: - "أُصْعِدَ (الابن) إِلَى الْبَرِّيَّةِ (مِنَ الأب) لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيراً. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ."

وهنا نلاحظ أن إثبات السلطة الأبدية يتم من خلال تحديد موظف قديم من قسم الـ HR بالشركة (يعني قسم إدارة القوى العاملة للمؤسسة) ليقوم بعمل مقابلة شخصية مع شخص يريد التوظيف، ليمكن تعيينه..

وعلى الرغم من كون أن الإله لا يُجرب «لاَ تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ»، إلا أن هذا الأب سمح بتجريب الابن في إشارة وتلميح إلى أمرين، الأول هو تمييز مستوى الابن على الدوام بأنه لن يكون أبدًا في مستوى الأب؛ فلو كان مساويًا له في العلم والعمل والإدارة والتملك، بمعنى أشمل (الجوهر) لما سمح لمخلوق بتجريبه، وإلا أبيد هذا الشخص المجرب من على وجه الأرض، كما قال: «لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ، لِئَلاَّ يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَلَيْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ»

والأمر الثاني هو بروز الاستعلاء الأبوي الدائم في كل تصرف له على كل كائنٍ من كان.

 اختبار الـ HR

           الموظف: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزاً» بمعنى مبسط، أي إن كنت خبيرًا فعلًا فخذ هذه المجموعة من الخردة وحولها إلى شيء مفيد سيارة مثلًا.

           فَأَجَابَ المتقدم للوظيفة: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ» أي، ليس بالشيء المفيد الذي يمكن أن أصنعه أنا من نفسي يمكن أن أنجح، بل ما يريده صاحب الشركة يكون هو الأفضل والأضمن للنجاح والبقاء.

           الموظف: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» أي إن كنت خبير حقًا فخذ هذه الصفقة الخطيرة، وضع فيها كل خبراتك لتنجح.

           المتقدم للوظيفة: «مَكْتُوبٌ أَيْضاً: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ» أي قال، إن قوانين الشركة تفيد بأنني إذا قمت بمغامرة ترتب عليها خسائر فهذا يغضب صاحب الشركة وتجعله غير راض.

           الموظف: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي» وهذا عرض بأن يمنح الموظف لهذا المتقدم حق امتلاك الشركة والاستحواذ عليها بشرط أن يجعله بعد ذلك رئيسا ومديرا عليها.

           المتقدم للوظيفة: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» هنا انفعل المتقدم للوظيفة وقال للموظف، أنت نصاب، فلهذه الشركة صاحب وأنا أُفَضِل أن أكون تابع له.

 تحليل المقابلة

 يتبين من هذا الاختبار (ومن خلال أجوبة المتقدم) أنه اختبار تحديد ولاء وليس اختبار قياس جدارة، ولقد نجح فيه الابن بإبراز صفريته أمام أحدية وتفرد صاحب الشركة. إذ لم يقوم بأي عمل يعبر عن ذاته الشخصية على الإطلاق.

 يتضح من العرض الإغرائي الأخير، من الموظف، أنه يعلم أن صاحب الشركة "الأب" لا يعين إلا بعد اجتياز المتقدم لاختبارات إثبات ولاء جادة، حتى ولو كان هذا المتقدم هو ابنه.

 إن هذا الاختبار حقيقي وليس تمثيلي أو مجرد إجراء شكلي، بدليل أن جواب المتقدم للوظيفة (الابن) على العرض المغري الأخير لم يكن بإعلان نفسه مالكًا أو تذكير الموظف المُجرب بأنه صاحب الشركة، لكنه ظل ثابتًا على التزام مسلك الولاء التام لصاحب الشركة.

ويبدو أنه لو كان أعلن ملكيته للمؤسسة كونه ابنًا لصاحب الشركة، واستعلى بذلك، لكانت المقابلة انتهت برفضه ولطُرد من فوره.

        وبهذا، كان بناء على نجاح المتقدم للوظيفة باجتياز اختبار المقابلة بنجاح إثبات الولاء أن تم قبوله في الوظيفة، وأعطِيَ مكتبًا وسكرتارية لمساعدته في إتمام أعماله..

 تصحيح مفهوم الإعلان

وبعد هذا التحليل يتبين خطأ جميع ما قلناه وبدأنا به في صدر موضوعنا هذا، من حيث كون الابن مثل الآب تمامًا، بل اتضح حقيقة كونه مختلف جوهريًا عنه في جميع المستويات العلمية والعملية والإدارية...

وبناء على ذلك يكون الإعلان الذي أعلنه الأب أمام الناس والموظفين حين قال: «هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» ليس إلا إعلانًا بقدوم ابن صاحب الشركة للعمل ضمن موظفي الشركة، وهذا الأمر بالطبع يسعد صاحب الشركة، كونه يرى ابنه يعمل تحت ظله ويتقدم ويعطي وينجز... إذن فلم يكن هذا الإعلان لا إعلان مساواة بصاحب الشركة، ولا إعلان بتفويض للابن من صاحب الشركة، ولا حتى إعلان بتعيين الابن للعمل في الشركة، بل هو مجرد إعلان احتفالي بقدوم الابن للعمل معنا، وهذا العمل يتوقف على اجتيازه لاختبارات القبول بإثبات الولاء التام.