الثلاثاء، 11 أبريل 2023

الحوادث الكاشفة لتعاليم الإسلام المنصفة ☮ عرض تعاليم مقارنة

يطلب أعداء الإسلام مرارًا شواهد تاريخية دالة على صدق نبوة نبي الإسلام محمد ﷺ. وفي مناسبة ذكرى فتح مكة اليوم نورد شاهدًا تاريخيًا مميزًا تثبت تمامًا من هو الأحق بالاتباع وحمل شرف الرسالة السماوية، يسوع الإنجيلي، أم النبي محمد ﷺ.

تخيل

فتصوروا يا أعزائي لو كان قائد الفتح حينئذ هو يسوع الإنجيلي، بتعليمه الذي علَّمه "في مثل تلك الأحوال"، فماذا سيكون تصرفه بحسب ما قال وما هو مدون على لسانه وهو بعد مُضطهد؟!

بحسب ما قال يسوع الإنجيلي فسيُعمل فيهم السيف بلا رحمة في مجزرة يذبح فيها جميع أعداءه الذين رفضوه.

نعم فقد قال: «أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي».

وكالعادة طبعًا سنسمع ترقيعًا من المسيحيين حول هذه المقولة بأنها كانت في سياق مثال، فلم يقصده يسوع الإنجيلي على وجه الحقيقة، والرد الفصل على هذا الادعاء قاصر الفهم هو أن المثال إنما هو وسيلة لفهم غاية، وليس العكس، فلا يصح أن أتخذ من نعيم الجنة (وهو غاية) مثالًا لتقريب طريقة الفوز بجائزة أعطيها لابني، بل العكس هو الصحيح، فأستعمل مثال الجائزة (كوسيلة) لتقريب كيفية نوال الجنة. ولكن إذا استُعملت الغاية في الحديث فهي المقصود منه حتمًا وليست أبدًا مثالًا عليه، بل تكون هي الواقع الذي يختلج في النفس يتحين الخروج. إذن فيسوع الإنجيلي توعد بالذبح بوضوح لا لبس فيه ولم يكن ضاربًا مجرد مثال.

اقطع تخيلك عزيزي القارئ الآن، وانظر إلى الواقع التاريخي الحقيقي وما حصل فيه

في حالة الضعف

كان النبي محمد ﷺ في ذروة الاضطهاد والألم بعد زيارة الطائف ومع ذلك ظل يشفق على قومه الذين آذوه أذية مادية ومعنوية بالغة، فلم يشأ ولم يحب أن يبادوا انتقامًا لنفسه، بل فضّل بقائهم لعلهم يهتدوا أو أن يشرق الله من أصلابهم نورًا.

السلوك البشري

وقبيل فتح مكة أطلق سعد بن عبادة مقولته التحفيزية وامتلأت نفسه همة وحماساً لفتح مكة، كما امتلأت نقمة على قريش التي أخرجت النبي ﷺ وأصحابه من مكة وآذوهم وحاربوهم، فظن سعد أن غزو مكة سيكون تصفية لعداوة امتدت لأكثر من عشرين سنة، وثأرًا لما مضى من حروب، فقال لأبي سفيان أثناء عرض جيش المسلمين عليه: يا أبا سفيان، «اليوم يوم الملحمة» يعني المقتلة. وهذا السلوك كما هو واضح نراه مطابقًا نظريا لمقولة يسوع الإنجيلي المتعطش للثأر بذبح أعدائه بعد التمكن منهم.

التعليم النبوي في وقت المعمعة

فلما وصل خبر كلام سعد إلى النبي ﷺ، هب قائلًا: «كذب سعد ولكن اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشًا، هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة»، وسحب راية القيادة منه وسلمها لابنه قيس.

انظروا، إنه ﷺ لا يريد حتى إذاقة من كانوا أعداءه إحساس شعور الخوف، فمسألة عدم الانتقام منهم خلاص كانت محسومة سلفًا في نية النبي ﷺ، ولكن ومع ذلك، لم يشأ أن يشعر أحد بخوف أصلًا من البداية.

التطبيق النبوي

بحسب الإنجيل، فإن يسوع لم يبقى طويلًا لينفذ تعليمه الدموي هذا الذي أطلقه بذبح الذين رفضوه.

ولكن مهما يكن فمقولته بالذبح تثبت نيته وتنفي براءته.

بل إنه أخبر بأن التطبيق العملي لذلك سيكون في مجيئه الثاني حيث قيل: «ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ!» فهذا هو وضع الحانق، المُصر على الانتقام ذبحًا، «أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي».

أما محمد ﷺ ماذا صنع حين أصبح في نفس المكانة فعليًا، والتي ادُعيت ليسوع الإنجيلي نظريًا؟!

لقد جلس في المقدمةِ قائدًا وملكًا في قمة المجد والقوة والسؤدد، وقدامه أعداءه فسألهم وهم الذين أذاقوه المرار طوال عشرين سنة فقال: «يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم؟» فقالوا لتوسمهم به خيرًا، قالوا حرفيًا: «خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ» فلم يهربوا من وجهه، ولم يفزعوا من لقاءه، ولم يتوعدهم هو بالذبح، وهو القادر، بل وعدهم بالعفو المُطلق والرحمة العامة فقال: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ» يعني أطلقهم، كل له حريته التامة مادية ومعنوية على نفسه وماله ومعتقده.

أما يسوع الإنجيلي فرسالته بين اذبحوهم قدامي والهرع فزعًا من بين يديه، وهو الذي لم يُكمل في قومه ثلاثة سنوات بحسب العهد الجديد!

التعامل مع الأعداء حين المقدرة

(الأمان بالمجان لمن رفضوه)

وبينما ظهر يسوع الإنجيلي متوعدًا أعداءه الذين رفضوه بالذبح في محضره إذا ما تمكن منهم واقتدر، أبدى النبي محمد ﷺ خصال النبل المثالي الكامل في معاملة أعداءه الألداء، أبو سفيان بن حرب وأخرين من سادة قريش، حينما اقتدر عليهم، فأعلن قائلًا أثناء الفتح: «مَن دخل دارَ أبي سفيانَ فهو آمِنٌ» وكذلك: «مَن دَخَلَ دارَ حَكيمِ بنِ حِزامٍ فهو آمِنٌ» وأيضًا: «مَن دَخَلَ دارَ بُدَيلِ بنِ ورقاءَ فهو آمِنٌ» وعقّب: «ومَن دخل المسجدَ فهو آمنٌ» وأخيرًا: «ومَن أغلَقَ بابَه فهو آمِنٌ».. ما هذا؟! إنه أوكازيون للأمان المجاني.

لذا فقد استحق ﷺ بجدارة درجة النبوة فقال فيه الله سبحانه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}

خصال متجذرة

وفي حدث متعلق بيوم الفتح أيضًا، إذ لما كان يومُ أُحُد قُتِلَ منَ الأنصارِ أربعةٌ وستُّونَ رجلًا ومنَ المُهاجرينَ ستة فقالَ أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ لئِن كانَ لَنا يومٌ مثلُ هذا منَ المشرِكينَ لنُرْبيَنَّ علَيهم [يعني يزيدوا في قتلاهم] فلمّا كانَ يومُ الفتحِ قالَ رجلٌ لا يُعرَفُ: لا قريش بعد اليومِ فَنادى مُنادي رسولِ اللهِ ﷺ أمِنَ الأسوَدُ والأبيضُ [يعني الكل في أمان] إلّا فلانًا وفلانًا ناسًا سمّاهم فأنزلَ اللهُ {وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ} فقالَ رسولُ اللهِ ﷺ "نصبِرُ ولا نعاقِبُ".

أما يسوع الإنجيلي فتصوروا أنه بث في تلاميذه على قومه الذين آذوه بــــ «اذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» وهو بَعدُ على ضعف، فتخيلوا تعامله مع الأغيار الذين لا يعرفهم حين يعود في مجيئه الثاني المزعوم وهو في مجده!

تعاليم مزيفة أو (مؤقتة)

سيخرج لي قائلين ولكن يسوع قال: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ» وهذا صحيح، ولكن تعالوا نتفق على أن القول الحسن ينفيه القول سيء، ولا ينفي القول السيء إلا فعلٌ حسن. ومع ذلك، فمن الواضح أن هذا التعليم لم يكن إلا في وقت الضعف والدعة وعدم الحيلة، فما كان سبيلًا لهم إلا التمسكن حتى التمكن، فإذا تمكنوا فــــ «اذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي». هذا فضلًا عن أن يسوع الإنجيلي أساء كثيرًا في مخاطبة الناس، بحسب ما ذكر الكتاب، وفي حين وجدنا أنهم الذين صبروا عليه في أكثر الأحوال، وكان هو الذي يستفزهم باستمرار، فلا نراه إلا لاعنًا لهم وصابًا عليهم الويلات ومتوعدًا إياهم بالذبح إذا ما قدر عليهم■


ليست هناك تعليقات: