نشرت موضوع "آية السيف" الواردة على لسان يسوع الإنجيلي بالعهد الجديد في مجموعة نقاش مسيحية وذكرت قول يسوع الإنجيلي في آية السيف: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا» بينما قال الله سبحانه وتعالى: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»، فكان رد أحد مسؤليها أن هذه الكلمات التي قيلت على لسان يسوع الإنجيلي إنما هي من قبيل المجاز ولا تؤخذ بحرفيتها، فقال مما قال:
✝"من المناسب أن نقرأ الأعداد الثلاثة التي تلي الآية التي نحن بصددها، لأن ذلك يساعدنا على فهم قصد المسيح بطريقة أفضل. فهو يقول في إنجيل متى الإصحاح العاشر: «لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنه ضد حماتها». ثم يقول: «من أحب أباً أو أماً أكثر مني لا يستحقني«
بعد قراءة هذه الكلمات ربما يتوهّم البعض أن السيد المسيح داعية المحبة ورئيس السلام، أراد أن ينشر تعاليمه بالسيف. ولكن من يطالع الكتاب المقدس بإمعان يلاحظ، أن السيد المسيح لم يستعمل العنف مطلقاً، بل دعا إلى المحبة والإخاء والمسامحة والغفران ونبذ الأحقاد والعنف والقتال. كما أن أتباع يسوع والمؤمنين به اتّبعوا أسلوب معلمهم نفسه في كرازتهم. كما أن تعاليم الإنجيل المقدس بكاملها تحثّ على المحبة والمسالمة. وإن قول المسيح هذا لا يناقض قوله: "طوبى لصانعي السلام". فكلمة سيف الوارد ذكرها في قوله هي كلمة مجازية ذكرها المسيح في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالة الإنجيل في طريقها إلى قلوب الناس، وليس المقصود هنا بكلمة "سلاماً" السلام السياسي، ولا بكلمة "سيف" السيف الذي يُستعمل في الحرب. فإشارة المسيح إلى السلام والسيف تشير بلغة مجازية إلى المعاناة النفسية التي يمرّ بها الإنسان المؤمن والصعوبات التي تواجهه في حياة الإيمان..."
☪ ولكني وبعد أن جهزت ردي على تعليقه هذا فوجئت بإيقاف إمكانية التعليق. فرأيت أن أسجل ردي هنا للتوضيح الضروري ولعموم الفائدة.
☪ الرد التفصيلي
من الممكن بالفعل يا عزيزي اعتبار أن كلمة السيف هنا ليست إلا مجازا واستعارة، ولكن تعال يا صديقي نفحص كلمات الآيات نقطة نقطة، مع ذكر شواهدها المناسبة لها، لنرى هل بالفعل كان هذا التعليم مجازًا أم إنجازًا لم يُتح ليسوع الإنجيلي تحقيقه فخُوِل به أتباعه..
◆أولًا ◆ الشهادات الذاتية ✝
⭕ ❶ الفقرة نفسها ”آية السيف“● رؤية مقارنة ⭕
قال يسوع الإنجيلي: «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَماً بَلْ سَيْفاً» فطُلب منا إكمال الآيات التي تليها لنفهم الدواعي، فأكملنا لنجد أنفسنا أمام تعليم تفكيكي للأسرة والبيت الواحد والمجتمع، فبدلًا من أن يحض المؤمنين تجاه آبائهم على أن يصاحبوهم في الدنيا بالمعروف، ألقى بين الجميع سيفًا (يعني فرقة وقطيعة) من البداية!!
س — فهل كان الموقف التجديدي المسيحي الخارج عن اليهودية يستدعي ذلك الانقسام؟؟!!
ج — أقول لكم بكل قوة، كلا. فإن المسيحية زمن يسوع كفرع من اليهودية كانت ملتزمة بكل آيات الكتاب، الشريعة والأنبياء، كما أقر يسوع بمراعاة الكتاب (ما جئت لأنقض بل لأكمل) والتزم بكل طقوس وعادات الآباء والأنبياء والشيوخ الأولين من صلوات وعبادات وأعياد وعادات أيضًا.. فلم يختلف عن اليهود في ذلك شيئا، ومع ذلك الانسجام البادي فكيف لنا أن نتقبل حتى المجاز في قوله «بَلْ سَيْفاً» بمعنى شقاقا وفرقة بين الولد ووالديه لمجرد أفكار يمكن أن تتلاقى!؟
☪ —بينما لما ننظر لحالة انقلاب جذري في العقيدة، بحيث يترك الشخص جميع عاداته وعباداته وآلهته القديمة، ويكسّرها ويمزقها ويدفنها، ويؤمن بما هو ضدها تمامًا بحيث لا يتصور نصف عاقل أن يتلاقى القديم مع الجديد، ولكن رغم ذلك التنافر العقيدي البارز بأشد صورة من صور الاستقطاب والتعادي كان التعليم الواضح تجاه الأسرة والبيت والمجتمع غير، إذ حث على ضرورة التزام بر الوالدين ووضعهما في أعلى قمة الهرم التعاملي، رغم شركهما. ومطاوعتهما في كل شيء والخضوع التام لهما عدا في الأمر المتعلق بالعقيدة.
فنحن هنا يا عزيزي حيال آية السيف المسيحية هذه أمام أمر من اثنين لا ثالث لهما، [الأمر الأول] هو إما أن تكون هذه الكلمات قيلت على حقيقتها، بلا استعارة أو مجاز.
[والأمر الثاني] أن تكون عبارة عن تعليم فاسد إذا اعتبرناها مجازًا. إذ لم يتحرى هذا التعليم مجاهدة المؤمن في أن يرضي عنه والديه في كل الأمور بغض النظر عن اختلاف العقيدة، والتي لم تمثل في البداية اختلافًا جوهريًا بين اليهود وأتباع المسيح.
⭕ ❷ آية الذبح ● رؤية تحليلية ⭕
وتأكيدًا على كون هذه التعبيرات في آية السيف المتطرفة ليست مجازًا أو استعارات، بل هي عين الغايات التي نطق بها يسوع الإنجيلي، تأتي آية الذبح لتفصل في الأمر حيث قال: «أَمَّا أَعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي«
وبالطبع فأنا أعلم كيف يهرع المسيحيون حيال هذه الآية إلى عزوها لعالم المثال نفضًا عنهم صراحة بشاعتها، قائلين أن ليس لها علاقة بعالم الواقع...
ولكن تعال يا صديقي نحللها لندرك واقعيتها وأنها قُصدت بحرفيتها وبعينها كسبيل للتملك.
فالرد الفصل على هذا الادعاء قاصر الفهم هو أن المثال إنما هو وسيلة بسيطة لفهم غاية أكبر أو أعقد، وليس العكس، فلا يصح أن أتخذ من نعيم الجنة (وهو غاية) مثالًا لتقريب طريقة الفوز بجائزة أعطيها لابني، بل العكس هو الصحيح، فيكون استعمال مثال الجائزة (كوسيلة) لتقريب كيفية نوال نعيم الجنة.
—وإذا تعودت أن أحكي لابني حكاية قبل النوم مستعملًا عبارة ذبح أعدائي مرارًا، فإنني وقولا واحدا أريد منه أن يذبح كل من يرفضه حين يكبر. هذا رغم أن القول الأول كان عبارة عن حكاية قبل النوم (هل تلاحظ؟!)، فالحق أن المقولة قيلت بهدف أن تكون غاية حَرفية متحققة.
فإذا استُعمل اللفظ الأقصى في الحديث فهو المقصود منه حتمًا. ولا يكون أبدًا مثالًا على ما هو أدنى منه، بل يكون هو الواقع الذي يختلج في النفس يتحين الخروج.
إذن فيسوع الإنجيلي توعد بالذبح بوضوح لا لبس فيه ولم يكن ضاربًا مجرد مثال يا عزيزي.
◆ثانيا ◆ الشهادات التابعة ✝
⭕❸ التنكيل بالمرتد ● رؤية تفسيرية ⭕
وإمعانا في صيرورة تعاليم يسوع الإنجيلي الدموية سالفة الذكر ”في آيتي السيف والذبح“ أعلاه في أتباعه من بعده يقول كاتب رسالة العبرانيين في تقرير الحكم الواجب إيقاعه على من يرفض يسوع بالمقارنة مع من يخالف الناموس، قال: «فَكَمْ عِقَاباً أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقّاً مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِساً، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ» وللعلم فإن الحكم المقرر على مخالف الناموس هو القتل المباشر.
فما هو الفعل (الأشر) من القتل كي يكون عقابًا مناسبًا يستحقه من رفض يسوع!! إنه التنكيل بالرافض حتى الموت، وليس مجرد القتل السريع المباشر.
ويمكننا تصور عقيدة التنكيل بالرافض حتى الموت من خلال الاطلاع على سجلات وصور الممارسات الدينية الممثلة في محاكم التفتيش المرعبة التي كانت تتم بمباركة وإشراف الباباوية المسيحية وبحضور ممثلين رسميين لهم من الأساقفة.
وحتى لا يقال [أيضًا] أن هذا الفعل العقابي الأشر الذي يجب ممارسته على رافضي يسوع هو قول مجازي وأن هذا العقاب الذي هو أشر من القتل إنما هو منوط بيد الله فحسب... فنلجأ إلى التفسير المسيحي للفصل في الأمر، حيث قال مفسر العهد الجديد الدكتور وليم آدي حول هذه الآية بخلاصة قول مفادها: [أولًا]، إن هذا الادعاء الذي يدّعيه العوام لا يوجد في الأصل، ولا يُفهم من النص. و[ثانيًا]، إن هذا الوعيد (أي التهديد النافذ) بالعقاب الذي يناله مخالفي الدين المسيحي وإن كان منسوبًا إلى الله، فهو يتم بيد المؤمنين به، فهم من ينفذون مشيئته. و[ثالثًا] أن جميع القرائن في النص تدل على مسؤولية المؤمنين بتنفيذ ذلك بأيديهم من أجل تطهير المخالف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق