الجمعة، 22 أبريل 2016

دلائل وفاة المسيح الناصري من القرآن الكريم [3─10] (طبيعته البشرية واللّا استثنائية بشيء)



في هذه الحلقة من الحلقات العشر التي خصصناها لتبيان دلائل موت المسيح عيسى الناصري، سيكون تركيز كلامنا حول ثلاث محاور قرآنية رئيسية لإثبات البشرية بل وإثبات اللّا استثنائية أيضًا في هذه البشرية له عليه السلام، وهذا ما نصبو إليه ونهدف لتخليص عقول الناس من خرافات لصقت بها على مر السنين ولتنزيه حكمة الله القديم من الخروقاتٍ سبحانه.

ولدينا في سبيل ذلك ثلاثة مواضع قرآنية رئيسية؛ ونبدأ ببعض كلمات نوردها بفضل الله:


[المحور الأول] مماثلته عليه السلام لآدم في الخلق وما يترتب على ذلك:
يقول الله تعالى:


ويقول البعض هنا أن المماثلة هي مماثلةِ الإعجاز في الخلق وليس مماثلة في الطبيعة البشرية، وهذا الكلام صحيح من جهة واحدة فحسب، ألا وهي أن المماثلة في الخلق وليس في "الإعجاز في الخلق" لأن كل خلق الله جل جلاله معجز عند كل مؤمنٍ، بل وكل مسلم، ولا يَعتبر امرئٍ أن عموم خلق الله عاديّ في أمره سبحانه بينما خلق شخص أو اثنان من مجموع الخلق كله كانا بطريقة مغايرة يتمحور فيهما إعجازه جل جلاله خالق الكون وما فيه، إلا أن يكون ذلك الشخص بالضرورة قد سَفِهَ عقله وأصبح من سخيفي الكلام عديمي الفكر الهام.


إذًا فلنتفق أن كل خلق الله تعالى معجز، بل إن مبدأ الخلق في حد ذاته معجز لكل أنواع المخلوقين. فالله عز وجل هو خالق الأشياء من عدم وذلك هو عين عين الإعجاز.


فالمسألة الآن، أين هو وجه المماثلة بين آدم والمسيح بل والانبياء جميعًا عليهم السلام؟!

إن المماثلة كما أنها في الخلق بكونه من تراب، فهي تنفي الغرابة التي يبالغ في استغرابها الناس اليوم على الرغم من انكشاف كثير من الخبايا والأسرار والحقائق حول كل من نظرية التطور والميلاد العذري، وأنهما في النهاية يُنتجان إنسان بشري سَوِيّ في أحسن تقويم. فخلق عيسى عليه السلام كخلق آدم عليه السلام خلق كالخلق والدليل قوله عز وجل «خلقه من تراب» فهذه الكلمة أولًا تنفي وجود آدم عليه السلام من غير أبوين ─لكن ليس هذا موضوعنا الآن ولنا فيه وقفة مستقلة─ وذلك لاتصالها وربطها قصدًا بوجود عيسى عليه السلام فعيسى له على الأقل أم، فالمماثلة في الوجود تكون منتفية هنا لأن أحدهما له أم والآخر ─حسب تصور البعض─ ليس له أبوين أصلًا‼

فماذا إذًا؟!

إن المماثلة في الخلق من تراب = المماثلة في خلق جميع البشر كافة عمومًا، وفي ذلك قال الله تعالى: «أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا» [الكهف] وقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ» [الحج] وقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ» [الروم] كما قال: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا» [فاطر] وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» [غافر] هل لاحظتم هذه الآيات↑؟


إذًا فلَمّا يقول ربنا ياسادة «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» فكأنه يقول في اختزال رائع وبديع غير مخلٍ ولا مُقل يهدف للقصد بأن خلق عيسى هو كخلق البشر جميعًا وخلق آدم أيضًا هو كذلك كخلق البشر جميعًا لا فرق بينهما في الخلق ولا فرق بينهما وبين بقية البشر في الخلق. فهما من تراب وهم من تراب، عيسى من تراب كمثل آدم من تراب كمثل كل البشر من تراب. نعم هكذا وبكل هذا التأكيد الذي ذكرناه هنا يذكر القرآن المجيد بوضوح ذلك الأمر للمتدبرين والباحثين الصادقين.


المماثلة إذًا هي في الحقيقة مماثلة جميع الانبياء بالبشر عمومًا، فهم بشر كالبشر. قال تعالى: «قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» [إِبراهيم] والمماثلة في البشرية تقتضي حتمًا المساوة، وتلك المساواة تكون في الخلق والوجود والموت. أي البداية والحياة والنهاية
والمعجز الرائع في هذه الآية بين أيدينا الآن «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أنها أجملت كل ما طرحناه شرحًا هنا الآن ببساطة تحمل في طياتها دقائق المعرفة التي لا يدركها إلا متدبر بقلب صاف لينهل من منهلِ شاف.




ويضطرنا هذه القول الأخير إلى [المحور الرئيسي الثاني] في تبيان الطبيعة البشرية واللا استثنائية لسيدنا عيسى عليه السلام ألا وهو مشابهته عليه السلام لمن قبله، وحاجته إلى المأكل للبقاء:  
 قال تعالى:




تورد هذه الآية مسألة الفناء الذي يصيب كل المخلوقين ومنهم الانبياء بلا استثناء، وفيها يجعل المسيح ابن مريم مساويًا في الطبيعة والوجود لجميع الرسل الذين قضوا من قبله فيقول «ما المسيح ابن مريم إلا رسول» (فما لكم رفعتموه فوق تلك المرتبة؟) ولا أدري ما هو أبسط من ذلك لإثبات عند المعاندين طبيعة المسيح الطبيعية غير الاستثنائية، ولكن الله ما زال يؤكد ويتمم الحجة على الجاهلين فيقول معقبًا «قد خلت من قبله الرسل» وكأن سبحانه يقول (ما المسيح ابن مريم إلا كمثل الذين أرسلوا وقضوا من قبله، وسيقضي مثلهم في وقته الطبيعي المقدر له، ودليل ذلك أولًا أنه مولود! وذكر أمه عليها السلام دليل على ذلك، وكان هو وأمه تلك الصديقة يمارسان حياتهما البشرية الطبيعية كباق البشر، وقد أجمل سبحانه وتعالى ذلك في كلمتين فقط إذ قال «كانا يأكلان الطعام» كناية عن أن أكل الطعام يترتب عليه الإخراج والجوع والعطش والحاجة وكناية عن الحياة بتفاصيلها، وانعدامه كناية عن الفناء واللّا وجود أي الموت. وفي ذلك إشارة أيضًا إلى المشابهة في هذه الحوادث مع جميع الرسل من قبله، الذين كانوا يأكلون الطعام ويترتب على فعلهما هذا ما ذكرناه آنفًا كمثل بقية البشرية جمعاء.


ومعنى «كانا يأكلان الطعام» فمن ناحية أنهما أصبحا في خبر كان! أي مات كليهما عليهما السلام وخبرهما أنهما كباق البشر يأكلان الطعام، وهو السبب المادي للبقاء الجسدي الدنيوي، فالواضح من قوله تعالى «كانا» أي أنهما أمسيا الآن لا يأكلان! وبالتالي هما ليسا حيين.

وبمعنى آخر أنهما بشر يموتان مثل موت بقية البشر جميعا بعد سنين حياتهما الطبيعية لهما بلا استثناء زمني يُذكر، انظر كيف بين الله الآية بيانًا واضحًا للمتدبرين ثم انظر كيف اختلق المفسرون ضلالا للغافلين فسبحان الله الحكيم.




[المحور الثالث] مماثلته لنبي الله يحيى في مراحل الحياة والموت:
قال الله تعالى في أمر نبيه يحيى بن زكريا عليهما السلام:




ويقول الله على لسان نبيه المسيح عيسى الناصري ابن مريم: ↓



الجدير ذكره هنا أن ليس معنى ما قيل في شأن المسيح بهذه الصيغة↑ أنه ما زال حيًا، وإلا لاعتُبر نبي الله يحيى حيًا هو الاخر إلى الآن بحسب تطابق الصيغتين في نفس السورة الكريمة. وبما أن نبي الله يحيى قد مات كموت البشر فبحسب الصيغتين المشابهتين هنا إذًا تكون هذه الآية  مثبتة لموت عيسى عليه السلام بحسب الطبيعة البشرية كما مات نبي الله يحيى عليه السلام "بسلام".


فكثيرًا ما يستشهد المسلمين التقليديين بهذه الآية على كون المسيح حيًا في السماء إلى الآن! ولا أدري من أين أتوا من هذه الآية بافترائهم هذا؟‼ متغافلين ومعهم من أوحوا إليهم بهذا التغافل عن كون هذه الآية تثبت مشابهةً ومماثلة ولا تثبت تفردًا، سيقول لي قائل: "ولكن المسيح ابن مريم بالفعل كان متفردًا في ولادته"! والرد على ذلك الادعاء يكون أولًا بالإحالة إلى محورنا الرئيسي الأول وآيته الأولى في موضوعنا هذا «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» ومتعلقاتها من الآيات التي ذكرناها في إطار مماثلة الانبياء لباق البشر دون استثناء في الخلق أو الحياة أو الموت.

كما يمكن تحميل الصفحات التي تحتوي على ما يخص ذلك الموضوع منفصة عن مجموع الكتاب وعددها 22 صفحة من هنا وهي بعنوان [الفصل الأول ▬ بنوة يسوع المسيح]


وثالثًا نحيل المدعي بتفرد ولادة المسيح ابن مريم إلى قول الله على لسانه «والسلام علي يوم ولدت» ونسأله ─أي المدعي─ لماذا هذا اقول مشابهًا لصيغة قول الله عن يحيى عليه السلام «والسلام عليه يوم ولد»! فهل في ميلاد يحيى فيه تفرد يُذكر؟!

نعم، هناك (تفرد) يُذكر، وهو أنه ولد من عجوز فانٍ وسيدة عاقر! والمسيح ولد من أم فقط، إذًا فالمتدبر هنا يلاحظ أن الله يريد إبراز قدرته وليس تمييز خلقه بأن أحدهما متفرد ومتميز عن الآخر في الخلق، وبالتدبر أكثر سيجد المتدبر أن الله سبحانه شابه ما سميناه نحن بتفرد حالة ولادة عيسى بحالة ولادة يحيى‼ يعني أن الله يريد يقول لكم يا أصحاب الأفق الضيق (أم حسبتم أن حالة ولادة يحيى وحالة ولادة عيسى كانوا من آياتنا عجبًا؟!) أي ليس غريبًا ولا عجيبًا عندي ولكن أجريه في الخلق على الدوام ولكنكم فقط لا تربطون.


ثم أن ما يفعله الله هنا بخصوص هذه القدرة يندرج تحت قوله تعالى «كن فيكون» فالخالق واحد ومادة الخلق واحدة فلا يأتي ساذج سطحي قصير النظر في النتائج يرى من وُلد من أم فقط ومن ولد من عاقر ومن أوجد ─بتصوره─ بلا أبوين! فيقول مناقضًا قوله بعضه بعضًا: "سبحان الله خرق الطبيعة بمعجزاته عز وجل"‼ ونقول تصويبًا وتصحيحًا له ولأمثاله سبحان الله ما كان ليخلق القانون ويخرقه بيده وبقدرته حاشاه، إنه هو العليم الحكيم.


:.

ليست هناك تعليقات: