الأربعاء، 21 أبريل 2021

(ليس خاتمًا للنبيين)

 اعلم يا صديقي يا من تنتظر نبيًا (سابقًا – هو النبي عيسى ابن مريم عليه السلام) يأتي بعد النبي محمد ﷺ لتنتهي عليه الدنيا بالإصلاح، اعلم أنك بذلك تنتهك خاتمية النبي محمد بجرأة! نعم إن عيسى ابن مريم هو نبي سابق، ولن يحصل على نبوة جديدة في مجيئه الثاني، ولكنك تعلم معي بأنه ستضاف على نبوته المحدودة السابقة ستضاف مستلزمات نبوية جديدة أخرى (إذ أنه كما هو معلومًا كان مبعوثًا لقومه بني إسرائيل خاصة) فتلك مستلزمات ضرورية ليخرج من كونه نبيًا إلى بني إسرائيل المحدودين فقط، ليصبح نبيًا للناس كافة... وهنا تكون قد تدمرت سيرة النبي محمد ﷺ وسقطت خاتميته بكل بساطة!!

الأفضل والمفضل (عمليًا)

فنكون عمليًا أمام نبوة جديدة تمامًا لنبي قديم! ومن أمة غير أمة النبي محمد المصطفى ﷺ التي قيل فيها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[1] فهنا تنشأ مشاكل عقائدية كثيرة عند المسلمين، فبني إسرائيل قد فضلهم الله في السابق على العالمين {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[2] ولكنهم حادوا عن الطريق الإلهي بعد أن استنفذوا كل محاولات الإصلاح {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[3] فمنذ بُعث فيهم موسى عليه السلام إلى أن انتهت فرصتهم بمبعث عيسى عليه السلام، وعليه انقضت وطويت صفحتهم من الدنيا كي يكونوا قادتها الصالحون، وبدَّل الله بسواهم آخرين هو المسلمون أتباع النبي محمد ﷺ الذين كلفوا بحمل مشعل الإيمان للناس كافة.

فلما كان الله قد فضل بعض النبيين على بعض {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[4] وكان هذا التفضيل أيضًا في وسط أنبياء بني إسرائيل، فقد كان موسى في سلسلة أنبياء بني إسرائيل هو النبي الأعلى منزلة، فلما انحرف القوم بعث الله عيسى ابن مريم بلا تدخل بشري في نسبه كي يمسي نقطة نهائية للسلسلة النبوية الموسوية، وعلامة على انتقال وعد النبوة من نسل إسحق بن إبراهيم عليهما السلام ليستلمه نسل إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام كما وعد الله... فكيف بعد كل هذا يُفضل عيسى ابن مريم النبي الإسرائيلي على محمد بن عبد الله النبي العالمي؟! كيف وبعد أن انتهت سلسلة الأول ومهمته ودوره وزمنه... يأتي ليحتل محل سلسله ليست له ولا هو منها، ولا مهمة لا يقوى عليها ولا هو مؤهل لها.. فلا الدور دوره ولا الزمن زمنه، كيف وهو في عصره كان أقل من موسى، كيف يكون أرقى من محمد ﷺ فيما ليس بعصره؟؟؟ كيف!

السطحية المُهلكة والشرف الضائع

يقال بأنه (أي عيسى ابن مريم) سيأتي في آخر الزمان منزوع النبوة، تفاديا لخرق ختم النبوة! مع قيامه بكل أعمال النبوة التي ذكرناها سلفًا، وكأن المشكلة مشكلة لفظية!، وهذه هي السطحية، فهي كارثية أكبر، وتهين النبي محمد ﷺ خاتم النبيين أكثر حاشاه ذلك.

فالقائلين بذلك يتصورون بحالهم الأمر هكذا؛ أن معلمًا حاذقًا قائمًا في فصل قام بطرح مسألة ثم غاب وترك كل من بالفصل يحلها ويشتركون في حلها... ولكن دون جدوى، ولما اشتد الأمر على طلاب الفصل بعدم الحل وبدأت تظهر فيهم علامات اليأس وهياج وقلق، وبدأت تظهر منهم كذلك افتراضات عجيبة ليس لها في العلم سلطان، فبدأوا يطلبون المدد من الإدارة بأن يأتيهم معلمهم ليخرجهم من ورطتهم تلك.

ولكن الذي حدث هو أن الإدارة استدعت طالبًا غريبًا من مبنى آخر بالمدرسة، تتلمذ تحت يد معلم آخر تمامًا، وكلفت الإدارة هذا التلميذ بحل المسألة التي طرحها المعلم (الحاذق) الذي غاب!

فأي مهانة لحقت بهذا المعلم الحاذق عند الإدارة! إذ أنه ومع عظيم جهده المُشاع عنه لم يفلح عند التطبيق في أن يخرج من تحت يديه طالبًا يحل محله ويحفظ مقامه ويرد غيبته إذا اشتد الأمر، حتى احتاج فصله لتلميذ غريب ينقذ سمعته ويُطمئِن فصله (أمته)!!

وأي شرف ذلك الذي حصل عليه ذاك التلميذ الغريب الذي استُدعي لإنقاذ الموقف، بل وأي شرف أعلى حصل عليه معلمه الأول الذي تتلمذ على يديه، وأي شرف لهذا الفصل كله الذي تتلمذ على يد موسى وسلسلته النبوية، فالوضع الواضح يقول إنه بدون ذلك الإنقاذ من أمة بني إسرائيل لهلك العالم وتخبط خبط عشواء، لأن دون رجالها فلا خير في الأمم الأخرى ولا رجال...

الارتباك، شرع جيد ومعلم فاشل!

نحن نتغنى موسميا في يوم النصف من شعبان بيوم تحويل القبلة من قبلة بيت المقدس إلى مكة المعظمة، ولكننا وفي الحقيقة ومع ذكرنا المثال السابق والذي ينتظر معظم المسلمين تحققه (أي رجوع نبي لبني إسرائيل ليهدي المسلمين والعالم) يتحينون فرصة رجوع القبلة كما كانت ليتمكن ذلك التلميذ النجيب من أمة بني إسرائيل لإصلاح أمة محمد والعالمين كافة!

يقولون ولكنه سيأتي بشرع النبي محمد!! فنقول وما الذي منع تلاميذ محمد من الإصلاح بشرعه ما دام الشرع موجودًا؟!

كأنهم يريدون أن الشرع موجود، ولكن التربية المحمدية الفاشلة حجزت تلاميذه عن استعماله والعياذ بالله!! ما لكم كيف تحكمون؟!

حتى لجأت الإدارة الإلهية إلى تربية نبوية أخرى صالحة أنتجت مصلحين قادرين على قيادة العالم وإصلاحه بشرع لم يجيد النبي محمد استعماله!! حاشاه ﷺ.

فإذا كان الشرع صالحًا كما تقولون، والمعلم حاذقًا كما تتغنون، وتلاميذه يملئون العالم ضياء كما تحلمون، والدنيا تحتاج إلى قناديلهم.. فما الحاجة إلى أن نطرق أبواب الجيران الذين ماتوا إن كنتم صادقين؟!! أم أنكم تحفظون ولا تفهمون؟؟؟

لقد قال النبي محمد ﷺ لنا ولم يتركنا، فدلنا على خطة الطريق التي يجب أن نطرقها حين تدلهم المشاكل وتطفوا عواقب الدنيا، فأشار إلى تلاميذ له وقال حين نزلت الآية: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[5] فسأل صحابة النبي ﷺ عن هؤلاء المشار إليهم «فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ»[6]  إذن ففصل ذلك النبي المعلم الفذ مليء بالنجباء والشطار يا مسلمين، فانتبهوا ولا تهينوا خاتم النبيين وسيد المُعلمين في جودة أداء رسالته وعمله وأنتم لا تعلمون.

بل هو المُعلم الأمثل

ثم لم يكتفي النبي كمعلم حاذق أن يترك فصله ويغيب دون أن يهيئ تلاميذه وأمته لكل الامتحانات والفتن ويعطيها مفاتيح الخروج والحل، بل وأعطاها أيضًا حبال النجاة للأمم الأخرى، فيكون بالفعل فصل هذا المعلم الأفضل هو خير أمة أخرجت للناس حقًا وفعلا وليس مجرد قول أجوف تلوكه ألسنتنا وهي في الحقيقة تهينه حاشاه ﷺ.

لقد قال ﷺ: «سَلمانُ مِنّا أَهلَ البيتِ»[7] وقال: «المَهْدِيُّ مِنّا أهلَ البيتِ، يُصْلِحُهُ اللهُ في لَيْلِه»[8] وقال: «المهديُّ من عِتْرَتِي من ولَدِ فاطمةَ»[9] إن الرسول ﷺ يؤكد لنا تأكيدًا كمعلم صادق حاذق متألق ومميز ونحرير يقول لنا قبل أن يتركنا: بأن فصلنا هذا (أي أمتنا التي علَّمها ﷺ ودرَّسها) سيخرج منها من سيحمل مشعل الإنقاذ للعالم ولجميع أمم الأرض بمنهجه وشرعه واسمه ومن تحت لوائه ويديه مباشرة، وليس من الغرباء أو الأموات... حتى أغلق ﷺ على هذه الفكرة البالية التي ستراود اليائسين كثيرًا فقال لهم قول نهائي بات: «لا يزدادُ الأمرُ إلّا شدَّةً ولا الدُّنيا إلّا إدبارًا ولا النّاسُ إلّا شُحًّا ولا تقومُ السّاعةُ إلّا على شِرارِ النّاسِ وما المَهديُّ إلّا عيسى بنُ مريمَ»[10] بمعنى أن عيسى ابن مريم الذي تنتظرونه ما هو إلا المهدي الذي قلت لكم عنه مرارًا أنه من عترتي، ومن ولد فاطمة، ومن آل بيتي، فلا تظنوا بغير ذلك أبدًا فأنتم خير أمة أخرجت للناس.

حمقنا يجعلنا كاذبين في ادعاء حبنا

إن من ضمن تغنياتنا الجوفاء بالحب لرسول الله قولنا الشهير: «نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهَدَ في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ونحن على ذلك من الشاهدين» ثم نزيد في ادعاء كاذب بقول يخالف ما نعتقد وننتظر تحققه فنقول: "فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن أمته، ورسولًا عن دعوته ورسالته.."

فهل حقًا يا من ترددون هذا الدعاء ترون أنه ﷺ بالفعل قام بالذي تقولون؟؟

فقبل أن تجيبوا، فكل كلام يعوزه دليل، وإلا لأصبح كل قول عاطل وباطل صحيح إن لم يدعمه الدليل الحقيقي المحقق والمطبق.

تقولون: أنه ﷺ "صفي الله من خلقه وخليله" ثم تدعون أنه سبحانه يصطفي عليه سواه من تلاميذ غيره ليُغيث العالم الذي هلك ويهلك!

وتقولون: أنه "بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة" ولكن يبدو أننا أمة حمقاء فاشلة لا تستحق لقب «خير أمة أخرجت للناس» (ذلك بشهادتنا وعقيدتنا الخطأ التي اخترعناها حول إتيان أنبياء آخرين غير محمديين لقيادتنا) فنكون في مهب الريح من قول الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[11]

وتقولون: " وكشف الله به الغمة" ويقصد حالكم أنه كان سببًا في غمة! حاشاه والعياذ بالله، ولن تنكشف هذه الغمة إلا بمجيء نبي من أنبيا بني إسرائيل ليكشف عن العالمين ما غم عليهم! ولا حول ولا قوة إلا بالله... أفيقوا يا مسلمين وما تقولون مع ما تعتقدون..

ثم يأتي ادعاءنا المُضل الكاذب، فنقول: "فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن أمته، ورسولًا عن دعوته ورسالته" ولكننا وبحسب اعتقادنا الخاص المُخترع، نريد في الحقيقة أن يجازى نبيًا آخر لأن هذا النبي أو الشخص الآخر هو الذي هدانا بعد أن تركنا معلمنا في حيص بيص، ولم يؤهلنا كمعلم جيد كي نقوم بأعباء أوكلت إليه، وكان عليه أن ينقلها إلينا، حتى رؤي عند الله أن المنقذ يكون من خارجنا لأن المنوط به الهداية لنا قد فشل والعياذ بالله...

كيف نقول وندعو: "اجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن أمته" ولا نقبل (نحن) إلا بجزاء له من خارج أمته!! فأي فضل يكون له في تلك الحال وأي جزاء مهين هذا نكيله له؟؟؟ إن ذلك مهين له ولنا والعياذ بالله. فاتقوا الله يا عباد الله وافطنوا لمعاني دينكم الحنيف وشرف رسولكم الكريم الرحيم ولا تتولوا معرضين.



[1] (سورة آل عمران: 111)

[2] (سورة الجاثية: 17)

[3] (سورة الأَعراف: 166)

[4] (سورة الإسراء: 56)

[5] (سورة محمد: 39)

[6] [عن أبي هريرة] (صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة 4619)

[7] [عن عمرو بن عوف المزني] السيوطي، الجامع الصغير ٤٦٨٠ صحيح

[8] [عن علي بن أبي طالب] الألباني، السلسلة الصحيحة ٢٣٧١ صحيح بمجموع طرقه، أخرجه ابن ماجه (٤٠٨٥)، وأحمد (٦٤٥)

[9] [عن أم سلمة أم المؤمنين] الألباني، صحيح الجامع ٦٧٣٤ صحيح 

[10] [عن أنس بن مالك] سنن ابن ماجه، كتاب الفتن 4029 - المستدرك على الصحيحين، كتاب الفتن والملاحم 8363، ابن كثير، نهاية البداية والنهاية ١/٤٤ مشهور. 

[11] (سورة البقرة: 144)

ليست هناك تعليقات: