قدّمت صفحة الخدمة العربية للكرازة بالإنجيل سؤال من الأهمية بمكان إثارته فقالت: "هل خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل؟"
وننبه هنا أن الموضوع المُثار لا يدور حول كيفية التعامل مع المرأة في شريعة ما، بل وتقيُدًا بأصل كلمات السؤال المطروح: لماذا "خُقلت" المرأة؟ تقدمت بدوري مُجيبًا فقلت: بحسب الكتاب المقدس، نعم؛ خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل.
الشاهد الكتابي مع التعليق
لقد طُرح هذا السؤال ولم يدُر في ذهن طارحيه تصور الذهاب بعيدًا إلى بدء الخليقة لبناء الجواب على أساس وداعم قوي.
فأولًا ذُكر في سفر التكوين ما يلي «وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ". وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ"»[1]
فمن هذه الآية نستخلص بوضوح ما يلي: ─
1. الجنة الأولى كانت لآدم وحده قبل خلق حواء. «وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها»
2. الوصايا الأولى كانت لآدم وحده قبل خلق حواء. «وأوصى الرب الإله آدم قائلا: "من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت»
• بعد هذا كله أخيرًا تذكر الرب حاجيات آدم ورغباته، وهنا خلق المرأة، فقال: «ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينا نظيره»
• المشكلة بعد كل ذلك أن آدم لما أخطأ وتعدى الوصية عاقب الرب الإله حواء التي لم توصى أصلًا!
التطبيق الفعلي (التراث المسيحي)
ثانيًا ورد في رسالة أفسس ما يلي: «لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ»[2]
وفي تعليق تراثي هام على هذه الجزئية ورد في تعاليم الرسل المعروف بـــ "الدسقولية" وهو يأخذ بما ورد في سفر التكوين ─الذي ذكرناه سلفًا─ على محمل التطبيق والأهمية في الأوساط المسيحية فقال شارحًا ما تعريبه: «لأنه لا يجوز للنساء أن يُعمِّدن»
(1) أما لأجل أن النساء يُعمِّدن فنحن نخبركم أن شدة عظيمة تصيب الذين يصنعون هذا. ولا نشير على النساء بأن يصنعن هذا لأنه مخالفة للناموس مملوءة نفاقًا.
(2) إن كان "رأس المرأة هو الرجل"، وهو الذي دُعي للكهنوت، فلا يليق أن يُرفض نظام الخلقة. لأنّا إذا تركنا الرأس طلبنا العضو الأخير من الجسد. لأن المرأة هي من جسد الرجل من جنبه، وهي تحت طاعة الذي أَخذت منه لأجل ولادة البنين، لأنه قال إنه "يصير ربًا عليها" وبدء المرأة هو الرجل لأجل أنه الرأس.
(3) فإن كنا فيما قلناه أولًا إنه لا يليق لهن أن يُعلّمن، كيف بالحري يسمح لهن أحد بأن يعلّمن كهنة خارجًا عن الطبع؛ لأن هذا من عدم الإلهية وجهل الوثنيين الذين يشرطنون[3] كهنة من النساء ليخدمن الآلهة الإناث وهم بعداء من قسمة المسيح»[4]
ومن السابق ذكره في النص التراثي الأول بعد الإنجيل نستخلص التالي: ─
• اعتماد المبدأ المذكور في تك 2/ 15: 18 وتذكُّره على الدوام في العهد الجديد والعمل به، وهو الذي يفيد بأن حواء إنما خلقت لمتعة الرجل والإنجاب له البنين فحسب.
•• أن المرأة لا تُعمِّد ولا تُعلِّم عمومًا، ولا تعلم الكهنة خصوصًا، لأنها خُلقت في مؤخرة الوجود العاقل ─بحسب نص الكتاب المقدس وشرح وتوضيح نص الدسقولية─ إذ قيل: "لأنّا إذا تركنا الرأس طلبنا العضو الأخير من الجسد".
فالخلاصة إذن لجواب هذا السؤال: "هل خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل؟" هو نعم؛ بحسب ما ورد في نصوص الكتاب المقدس، خلق الله المرأة لتلبية رغبات الرجل ومع تأكيد ذلك بالتطبيق في تعليقات نصوص تعاليم الرسل "الدسقولية".
لمن يرفض تداخل التراث مع الكتاب المقدس
─ وبخصوص تعاليم الرسل "الدسقولية" الذي يمكن اعتباره المصدر التشريعي الثاني في المسيحية، فإن رفضَه البعض (بحسب مذهبهم) فليصرحوا بذلك، لأنه ليس لنا أن نتجاهله لأجل مذهب وحيد في حين أن العموم يعتمده ويأخذ به! خاصة وأنه يترجم لكلام موجود بالفعل ف ثنايا الكتاب المقدس بعهديه، ولم يأت بمبتدعات جديدة من عنده. ولكن عليهم بعد نبذ كتاب تراثي مثله أن يأتوا بتفسيرهم المعتمد والمقبول لهذه النصوص الكتابية مجتمعة.
─ انظروا مثلًا لنص كتبه بولس وقارنوه بما نقلناه عن الدسقولية؛ يقول بولس الرسول: «لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ»[5]
فنحن إذن أمام هذا النص وغيره الكثير نستخلص التالي: ─
1. أن العهد الجديد هو مرآة عاكسة للعهد القديم بخصوص المرأة ولم يغير تجاهها شيء، وأما ما حدث من حوادث بين يسوع وبعض النساء في أوقات متناثرة هنا وهناك، فهي حوادث عارضة ولا يمكن أن ينبع منها تشريع تكريمي خاص للمرأة. إذ هل لو وجدت أنا مثلًا دولارًا في طريقي مصادفة فهل هذا الحادث معي يجعلني صاحب صفة "واجد الدولارات"؟؟!! بالطبع لا، إنما هو حدث عارض ربما يحدث ثانية وربما لا يحدث أبدًا، ولا يصح تسميتي أو وصفي بـ واجد الدولارات. كما أن هذه الحوادث لم تمنع بولس فيما بعد من التأكيد تأكيدًا تشريعيًا على نصوص سفر التكوين بخصوص المرأة وخلقها لرغبات الرجل وتدنيها عنه...
2. بحسب الكتاب، فالمرأة لا ينبغي لها أن تُعلّم. وفي هذا يتفق بولس مع تعاليم الرسل الكتاب التراثي المسيحي سالف الذكر (فهو تعليم يهودي مسيحي أصيل تأثر به البعض لاحقًا فاتُهم المتأثرين مع التغافل عن الأصل).
3. هناك ظلم واقع على المرأة في العهد القديم ولا زال مستمرًا في العهد الجديد، وهو أن الوصية الأولى لم تكن لحواء، كما ذكرنا وبينّا أعلاه، ولكن الغريب والعجيب والمُحزن أن العقاب الإلهي الغريب حازت هي على جانبه الأكبر وصارت هي المُتهمة وربما المتهمة الوحيدة؟! فهذا أيضًا متعة للرجل، إذ قد حملت عنه العبء المصيري! فأي إنصاف وعدل إلهي هذا الذي يتشدق به أنصار الكتاب المقدس يا ترى؟؟!!
4. خلاص المرأة مرتبط بولادة الأولاد! (ومن هنا عرفنا كيف نشأ هذا التقليد الجاهلي بتفضيل الذكور على الإناث) وفي هذا يتفق بولس مع تعاليم الرسل إذ قيل: "وهي تحت طاعة الذي أَخذت منه لأجل ولادة البنين"[6] ■
الهوامش والمراجع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق