ذكر القديس يوحنا عن السيد المسيح في بدايات إنجيله: «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فيَخرُجونَ مِنها، أَمَّا الَّذينَ عَمِلوا الصَّالحات، فيَقومونَ لِلحَياة، وأَمَّا الَّذينَ عَمِلوا السَّيِّئات، فيقومونَ للقضاء» يو ٥/ ٢٨ - ٢٩
— وقد اعتقد المسيحيين بناء على هذه الآيات أن المسيح بعد قيامته سيزور الأرواح المسجونة في القبور ليكرز لهم (يعني يدعوهم) ويخلص من استحق منهم الخلاص ويدين آخرين.
ولكنه قال فيما بعد ذلك بزمن: «وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» يوحنا ١٠/ ١٦
— وقد قال السيد المسيح هذا الكلام على اعتبار أنه هو الخط الطبيعي الذي سيحصل لاستكمال إرساليته لتكون قد شملت جميع أسباط بيت إسرائيل. فكيف ينسجم هذا الكلام في الآيات الأولى والثانية على أساس هذا الترتيب التاريخي؟
· النقطة التي غفل عنها المسيحيين
في الآيات الأولى التي ذكرناها هنا أي يوحنا ٥/ ٢٨- ٢٩ تسبقها بآية واحدة فقط كلمات توضيحية للسيد المسيح يقول فيها: «اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ -وَهِيَ الآنَ- حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» يو ٥/ ٢٥ فإذا كان المسيحيون يؤمنون بأهمية ترتيب الآيات في الكتاب، فلا يمكن أن يكون المسيح في هذه الآية قد أخبر بموته وقيامته وكرازته للمسجونين في القبور لخلاصهم وهو بعد في بداية فترة خدمته، فضلًا عن أنه أخبر بعد ذلك بفترة عن ضرورة زيارته لأسباط أخرى تابعة لبيت إسرائيل ليست تقيم في منطقة دعوته آنذاك، إنما قصد مجتمعات اليهود المتبقية في أرض السبي ولم ترجع إلى أرض اليهودية.
· طيب كيف نفهم الآيات يو٥/ ٢٨-٢٩؟
يجب أن لا نبتعد عن ظل سياق هذه الآيات حتى لا نتشتت لأمور الخرافة ونحقق فهمها على الوجه السليم. فقد صرح السيد المسيح قائلا: «إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ -وَهِيَ الآنَ- حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللَّهِ وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» ٥/ ٢٥ فهو يتكلم بوضح عن عمله الدعوي الحاصل في حينه والموجه إلى قومه فإنه به يحييهم وقد كانوا في عداد الموتى موتى القلوب روحيًا ويؤثر في الذين يسمعونه فينتقلون بفضله من الظلام إلى النور ولو تدريجيًا.. فهذا هو إحياء الموتى الذي حققه السيد المسيح.
· طيب ما داعي ذكر القبور في الآية ٥/ ٢٨
يظن المسيحيين كذلك بأن ذكر القبور هو بمعنى حرفي ومادي تمامًا، وبذلك لا بد أن يكون المسيح أيضًا نزل إليهم بشكل حقيقي وليس مجازًا.. ولكن الحق إنه كما ذكر الموتى وقصد بهم موتى الروح والقلوب فكذلك كان ذكر القبور، فقد قصد بها الحياة المظلمة وبالتالي كان الهدف إنقاذهم منها وإبعادهم عنها.
فقد ورد في مقال لاهوتي بمجلة الصلاح الكاثوليكية عن حادثة قيام موتى كثيرين يوم الصليب، تلك الواقعة التي ذكرها متى بانفتاح قبور وخروج قديسين... فيذكر إنه إنما كان حدثًا مجازيًا، فيقول الكاتب نصًا: "كلام متى لاهوتي أكثر من كونه تاريخيًا بالمعنى المادي. هكذا فهمه آباء الكنيسة"[1]
لذا فإن المقصود بالقيامة الحاصلة هنا إنما هي قيامة الأقوام من غفلتها وظلمتها وخوضها في وحل الدنيوية على إثر تأثرها بدعوة المسيح لتنتقل بفضل ذلك إلى حياة الاستنارة والطير في سماء الروحانية والحضارة.
· طيب ما مصير ومسار المسيح بعد الصليب؟
بعد أن غرس السيد المسيح بذرة الحياة في مجموعة من أتباعه في أرض فلسطين، ثم تعرض لما تعرض من اضطهادات وعذابات وآلام نجاه الله منها ومن مصير ميتة اللعنة على الصليب، فنزل عنه حيًا يُرزق فتم إدخاله في غرفة قبر جديد وواسع وهو كذلك حي ليتلقى فيه معالجة مناسبة لفترة، ثم خرج بعد ذلك قاصدًا الجليل لينطلق بعدها ليحقق ما تبقى عليه من واجبات في إتمام رسالته في حظيرة بيت إسرائيل الأخرى كما ذكر هو بنفسه في يوحنا ١٠/ ١٦ وليحقق وليزرع فيهم بذرة ومبادئ القيامة كما غرس في إخوتهم.
أم كيف يتحقق ما ذكره الكتاب على لسان يسوع إن لم يزر هؤلاء الأقوام اليهودية من بيت إسرائيل والمنتظرين كذلك على رجاء قدوم المسيح فيهم؟!
ولماذا يهتم المسيحيون بتحقيق نبوءات الكتاب في العهد القديم ولا يهتمون أبدًا بضرورة تحقق كلمات المسيح التي نطقها بنفسه فيما بعد؟!
[1] مجلة الصلاح [مجلة بطريركية الأقباط الكاثوليك] مقال الصفحة الأخيرة - السنة ٨٦ العدد ٣ لسنة ٢٠١٥م [مرفق نسخة مصورة للمقال]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق