الأربعاء، 27 أكتوبر 2021

مشروعية أعضاء الخنزير

تابعت خبر نجاح عملية زرع كلية خنزير لامرأة مريضة بالولايات المتحدة الأمريكية[1]... وكذلك تابعت موجات الرفض والاستنكار من عامة المسلمين لهذا الأمر برمته..

ولي في ذلك كلمات وملاحظات بحثية أقولها:

مبدئيا فإن الله رخّصَ لحم الخنزير أيًا كانت طريقة إعداده (ذبحًا أو صعقًا أو موتًا) وذلك في حال الاضطرار لقول الله تعالى: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَیۡرِ ٱللَّهِۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَلَاۤ إِثۡمَ عَلَیۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ»[2]

الأحكام من الآية

أولًا— التحريم؛ وهو محدود في الفئة (يعني الميتة والدم ولحم الخنزير، وما قُصد به غير وجه الله)، وعام في الاستخدام (يعني يحرُم استخدام جثث الموتى والدماء ولحم الخنزير والوسائل المرجو بها غير وجه الله).

ثانيًا— الاضطرار؛ وهو نوعان، الأول اختياري، والاختيار في الاضطرار إما أن يكون بين مكروه ومرفوض أو بين مكروهين أو بين مكروه ومحرم. والثاني اضطرار إجباري ويكون لا مفر فيه عن المحرم.

ثالثًا— الاستخدام؛ ويستلزم حصوله في حالة الاضطرار الإجباري حيال هذه النوعية المذكورة من المحرمات شرطين هما:

الشرط الأول: ألا يكون المضطر باغيًا ومتمردا ومخالفًا عن قصد للشرائع والقوانين نكاية بها وتهكمًا..[3]

•• الشرط الثاني: ألا يكون معتادًا على التعدي وتجاوز المحظورات بحيث يتلاشى في داخله كل وازع حول أثرها[4]

★★★

حدود الاضطرار الإجباري ونتائجه

فإذا أقبل الشخص المضطر حقًا لاستخدام شيء من هذه المحرمات فيكون لا إثم عليه، أي لن يلحق به ضرر جسماني أو روحي، ولكن بشرط، وهو ألا يكون باغٍ ولا عادٍ بعد استخدامها أيضًا، كما كان كذلك قبل الاستخدام لهذه المحرمات.

بمعنى ألا يكون متجاسرًا وفخورًا بما صنع، فقط نكاية بالآخرين. ولا يكون داعيًا بالاعتماد عليه ومروجًا له، فإذا لم يكن الشخص كذلك قبل وبعد حال الاضطرار، فقد خرج المُستثنى باستخدام هذه المحرمات من حالة المضطر لشيء، إلى كونه مخيرًا، ولأصبح عرضة للأثر الجسدي والروحي الضار، سواء علم ماهيته أو لم يعلمها.

كما لا ينبغي في حال الاضطرار الحقيقي أن يمتنع المؤمن المُبتلى من الأخذ بالرخصة التي رخصها الله له للنجاة من التهلكة، وإلا فإذا مات ممتنعًا عن الرخصة فقد مات على معصية[5] فكأنما ألقى بنفسه إلى التهلكة باختياره مخالفًا لصريح الآية «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا»[6] فالنجاة الحقيقية تكمن في فضل الله وطاعة العبد، وليس الإيمان متوقفًا على قوة الأعمال إنما في الطاعة في كل الأحوال.

★★★

الحجب والمتابعة

وبكل تأكيد، يحجب الله الآثار السلبية والضارة، التي تترتب في العادة على استعمال هذه المحرمات، لكن فقط لمن استخدمها، باضطرار حقيقي وإجباري، في سبيل الحفاظ على حياته من الهلاك.. ويكون ذلك المضطر لاستخدام هذه المحرمات على وعي تام بأن أضرار هذه المحرمات المستخدمة لا زالت باقية في نفسه وجسده. ولولا اتصاله الدائم والمستمر بصاحب التحريم، ومعطي الرخصة للاستخدام وقت الاضطرار، لبقي سم الإثم آخذًا مجراه في جسد الشخص وروحه[7]

وبالطبع فإن أهل البلدان غير المسلمين ممن تعودوا على تناول واستعمال لحم الخنزير كعادة في المأكل وشؤون الحياة، لا يشملهم هذا الكلام بشكل كامل، فهم لا يعيرونه اهتمام يُذكر، وإن كان اللجوء إلى استخدام كلية خنزير أو حيوان على العموم لزرعها في جسد آدمي لتُعبر عن اضطرار حقيقي، لكن لا نستبعد اكتناف الرحمة الإلهية لمثل هذه الحالات المُضطرة إلى هذا، فالله كذلك هو الذي قال أيضًا: «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ»[8]

★★★

أهل الاختصاص الطبي

ولا شك أن أهل الاختصاص الطبي يجب ألا يُغفل رأيهم المعتبر هنا، فهو مجالهم، ولكن على ألا يعد هو الأولى والأوحد، فالوحي القرآني فصل في المسألة سلفًا، روحيا وجسديا، وأعطى رخصة الاستخدام في حال الاضطرار، فلم يظهر كالاتجاه الطبي العلمي المحض ضيق الأفق مهما كانت الأضرار[9].

ولهذا أخرنا رأي تلك الفئة المختصة حديثًا في هذا الموضوع، علاوة على كونها ليست حاسمة في كثير من الأحيان، كما أنها لا تعترف علنًا ولا تروج ذلك الإقرار عمومًا في أكثر الأوقات بمضار أشياء بعينها على الإنسان جسديًا ونفسيًا، فقط لتأثرها بعقائد دينية لا تأبه لضررها فتستعملها.

فلقد كان الوحي القرآني أدق منها في التشخيص، وأوسع من آخرين في الترخيص.. إذ وضع بوضوح معلومة الضرر وعليها قدَّم التحريم، ثم افترض كذلك احتمالية وجود الاضطرار وعليه أعطى الترخيص، وتحمل مسؤولية الحماية في حال صدق المضطر وإخلاصه مع حاجته المُلحة لذلك.

 

 

الهوامش والمراجع


[2] (سورة البقرة 173)

[5] المرجع السابق ص397

[6] (سورة البقرة: 196)

[7] مرزا بشير الدين محمود أحمد، التفسير الكبير، سورة البقرة، الجزء الثاني ص397

[8] (سورة النمل: 63)

[9] ورقة بحثية: المخاطر الميكروبية واللوائح الكندية للأغذية العرقية المتخصصة - لحم الخنزير - فانكوفر، كولومبيا البريطانية pdf - MICROBIAL RISKS AND CANADIAN  REGULATIONS FOR SPECIALTY ETHNIC FOODS:  PORK DINAKDAKAN - F E B R U A RY 2 0 1 9

ليست هناك تعليقات: