الموت عقوبة للخطأ
لقد صدر هذا الحكم الإلهي لآدم حول الخطية منذ البدء فقيل: «وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ»[1] وقد ترجم المسيحيون هذه الآية بأن أي خطأ يرتكبه الإنسان يجب أن يواجه عقوبة الموت! وبالتالي فالخطأ ضد حكم الله يلزمه الموت الأعظم! فقالوا: "يتناسب قصاص الإساءة طرديًا مع مكانة الشخص المُسَاء إليه، يعني إذا وقعت إهانة على شخص قليل الشأن، كان قصاصها لا يُذكر، وكان تعويضها (إن كان لا بد من تعويض) ضئيلًا. أما إذا وقعت الإهانة على شخص عظيم القدر كملك أو حاكم، كانت جريمة شنيعة تستحق عقابًا جسيمًا لا مجال للتعويض فيه بحال. وبما أن الخطية هنا هي إهانة للّه الذي لا نهاية لمجده ولا حدّ لسموّه، إذن فالعقوبة المستحقَّة عنها هي عقوبة لا نهاية لها"[2] وبغض النظر عن السمة الطبقية في هذا التصور واحتقار حق الضعيف، مقابل الإصرار على إنفاذ حق الشريف كما ينبغي.. إلا أن هذا ليس موضوعنا؛ فقد جاء بولس في العهد الجديد ليؤكد على هذا الحكم الإلهي في التوراة فقال: «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ»[3] فتم بناء على ذلك اختراع أن المسيح (كونه ابنًا الله) بطهارته ونقاوته من الخطية، قدّم نفسه عوضًا عنا ليفتدينا.. فلو قبلنا بذلك جدلًا فيمكننا فهمه بطرائق أكثر قبولية ومنطقية، إذ يمكن تصور ذلك كما قال الله في القرآن عن النبي محمد ﷺ: «فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا»[4] أي لعلك ذابح نفسك بسبب خطاياهم لتنقذهم من العواقب المؤسفة الناتجة عن عدم إيمانهم بهذا القرآن... فذلك هو تصرف كل نبي تجاه قومه مواساة لهم، ولم يكن المسيح مختلفًا ولا شاذًا عن ذلك.
ملعون أبوك
ولكن، حدث ما لم يكن متصورًا! لقد أُدخل ما هو شاذ في المعادلة، اللعنة، فقيل على لسان بولس:
بولس في غلاطية |
ما هذا؟؟!!
إذا كانت أجرة الخطية الموت (بناء على قانون تشريعي كتابي إلهي)، فلماذا أضيف (من عندي أنا) اللعنة على من مات من أجلي ليمحو بموته هذا خطاياي؟؟!! ألا يكفي أن يموت أبي من أجلي ودفاعًا عني؟؟!! أم يجب عليَّ أن أسميه بين القوم ملعونًا وأسجِّل في ذلك مكتوبًا حتى أكون مؤمنًا حق الإيمان بما فعل من أجلي؟!
فأين ورد في الكتاب كله أن أجرة الخطية هو الموت ترافقه اللعنة؟؟ أليس دخول اللعنة على الخط يُبطل قداسة الذبيحة؟! لماذا تلعنون من ذبح نفسه من أجلكم، محبة فيكم، ظلمًا وعدوانًا، وبدون أي نص كتابي يقول لكم وجوب فعل ذلك؟! لقد أضفتم أيها الأخوة من عند أنفسكم حُكمًا ظالمًا، فظلمتم من أحبكم، وظلمتم أنفسكم، ولا زلتم ظالمين...
فهاتوا إن كنتم صادقين ما ينص تشريعيًا على أن موت اللعنة كان ضروريًا للخلاص من الخطية، وإلا فلترتد اللعنة عليكم إذ تلعنون وليًا مُقدسًا، بوضوح، هل أشار الله بذلك؟ «كَيْفَ أَلْعَنُ مَنْ لَمْ يَلْعَنْهُ اللهُ؟»[6] لقد ظننتم بأنفسكم أنكم في موضع النجاة والطهارة والخلاص، لكن بتعديكم على حكم الله، وإضافتكم عليه شرطًا من عند أنفسكم فقد حكم الله عليكم بالقذارة «جِيلٌ يَلْعَنُ أَبَاهُ وَلاَ يُبَارِكُ أُمَّهُ. جِيلٌ طَاهِرٌ فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ قَذَرِهِ»[7]
الخطة الإلهية للخلاص والصليب
─ ستقولون: بأن المسيح مات على خشبة الصليب، وقد قيل ملعون من مات على خشبه[8]
─ فنقول: وماذا إذا كان الله قد أبعد عن ابنه ميتة اللعنة؟! أنُصر عليها رغم ذلك؟!
فالحق أنه كل ما حدث قبل وأثناء وبعد حادثة الصليب ينفي تمامًا وقوع الموت على الخشبة[9]، فنحن نؤمن أنه ما كان ليقع الصلب في مقابل خطة الله الخلاصية للبشرية، وما كان القول بالموت صلبًا إلا ظنٌ محض إذ قيل في صريح النبوءة بوضوح: «وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ»[10] فهل أخطأت النبوءة؟! أم هل أخطأت الخطة الإلهية مسارها للخلاص؟؟! ألم يكن مقررًا في العهد القديم أن يقع الموت فحسب مقابل الخطية[11]؟ ثم كانت التشريع الإلهي بأن يُنفذ الموت بالرجم عقوبة للتجديف[12] وهي التهمة التي نُسبت زورًا للمسيح من مشايخ اليهود[13] وعليها حُكم عليه بالموت[14]؟؟ فلماذا تبدل كل شيء بخلاف كل النصوص الكتابية؟! أم تفوقت الترتيبات البشرية في لعن الصالحين، على الخطة الإلهية في تكريمهم وتشريفهم وإنقاذ البشرية؟؟
الغريب أن المسيحيين يقولون إن الخطأ في حق الإله كان يلزم لإزالته موت كل البشرية، لذا فقد تنازل الإله حبًا للبشر متجسدًا وبذل نفسه من أجلهم. ولكنهم بظلم وتعدي لم يُوقفوا الأمر على مجرد الموت، بل قاموا بلعن الإله أيضًا بعد موته!! فلم يزالوا بعدُ خاطئين ومخطئين... فتوبوا إلى الله إن كنتم صادقين.
الخلاصة، لقد ثارت عدالة الإله من أجل نفسه مقابل الخطية، وكان حكمها الشرعي الموت للبشرية، فتنازل متجسدًا ليُزيلها حبًا لهم، فلما حصلت الخطة الإلهية بموت جسده، لعنت البشرية الإله أيضًا بناء على ظنهم تجرعه ميتة اللعنة، بخلاف كلام الله! فهل ستمرِر عدالة الإله هذه المرة هذا التعدي باللعن في حقه؟ أليس مكتوبًا «كُلُّ مَنْ سَبَّ إِلهَهُ يَحْمِلُ خَطِيَّتَهُ»[15]
الهوامش والمراجع
[1] (سفر التكوين 2/ 17)
[2]
مقال للشماس عوض سمعان في موقع صوت المسيحي
الحر بعنوان "لماذا الموت هو عقوبة الخطية؟"
[3] (رسالة رومية 6/ 23)
[4] (سورة الكهف: 7)
[5] (رسالة غلاطية 3/ 13)
[6] (سفر العدد 23 : 8)
[7] (سفر الأمثال 30 : 11-12)
[8] (سفر التثنية 21/ 22-23) (رسالة بولس إلى غلاطية 3/ 13)
[9] وقد أثبتنا ذلك في أكثر من موضوع مثل لماذا عُلِّق على الصليب ولم يُرجم خلافًا للشريعة اليهودية؟ والمسيح قام.. بالحقيقة قام
[10] سفر إشعياء 53/ 8
[11] سفر التكوين 2/ 17
[12] سفر اللاويين 24/ 15ـ16
[13] إنجيل متى 9/ 3 ─ يوحنا 10/ 32ـ33
[14] إنجيل متى 26/ 65-66
[15] (سفر اللاويين 24/ 15)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق