«اللهم انصره» خط كوفي هندسي- محمد السابع سنة 1446هـ |
❶
[الحديث] - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ، ثنا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِنَّ لَمَهْدِيِّنَا آيَتَيْنِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، يَنْخَسِفُ الْقَمَرُ لَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَتَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْهُ، وَلَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ».
ورد هذا الحديث في سنن الإمام الدارقطني، ولكي نعرف درجته على معيار الصحة والضعف فلدينا كذا وسيلة لتحقيق ذلك.. وإن مما توصلنا إليه بفضل الله تعالى في هذا الشأن هو التالي:
أولًا— منهج الدارقطني في تصنيف كتابه
جمع الدارقطني في كتابه "السنن" تلك الأحاديث التي انبنى عليها خلاف فقهي، فيوردها ويتكلم فيها، وكان غالب ما يذكره من الأحاديث الضعيف والشاذ فينقده ويبين سبب ضعفه وعلته.
إذن فالدارقطني أراد بكتابه بيان درجة الأحاديث المتعلقة بالمسائل الفقهية وأنها لا يصح الاحتجاج بها في الأحكام الشرعية.
أما الأحاديث الصحيحة التي وردت فيه فهو يستدل بها لتضعيف ما ضعفه لا للاحتجاج بها.
ولأن موضوع كتاب سنن الدارقطني هو جمع الأحاديث الضعيفة والمضطربة والمعللة لغرض فقهي فإن ما خرج عن هذا القصد من أحاديث صحيحة وحسنة فيه فقد جاء تبعًا ولم تأتِ قصدًا.
ثانيًا— فما هو موقف حديث «إِنَّ لَمَهْدِيِّنَا آيَتَيْنِ» من ذلك؟!
وبعد أن صنف الإمام الدارقطني (ت ٣٨٥هـ) كتابه قام الإمام جمال الدين عبد الله بن يحيى (ت ٦٨٢هـ) بتصنيف كتاب "تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني" ولم يذكر ضمن هذه الضعاف حديث «إِنَّ لَمَهْدِيِّنَا آيَتَيْنِ» ما يعني أنه يخرج عن إطار المنهجية الأساسية لكتاب الدارقطني، وما كان ذكره إلا تبعًا لتضعيف الضعيف وليس قصدًا، وبذلك يكون الحديث صحيحًا.
ثالثًا— حالة إسناد الحديث
أ— (الرواة المحدثين)
بدأ الدارقطني رواية الحديث بين أيدينا بتحديث أربعة أشخاص به وهم: أبو سعيد الإصطخري، محمد بن عبد الله بن نوفل، عبيد بن يعيش ويونس بن بكير.
١● أما أبو سعيد الإصطخري فذكر عنه حاجي خليفة في "سلم الوصول إلى طبقات الفحول" إنه كان أحد الأئمة ومن شيوخ الفقهاء ورعاً، زاهداً. وقال عنه شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء: "تَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة وكَانَ وَرِعاً زَاهِداً متقللاً مِنَ الدُّنْيَا ولَهُ تَصَانِيْف مُفِيْدَة مِنْهَا كِتَاب "أَدب القَضَاء" لَيْسَ لأَحَد مثله". وذكره أبو إسحق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" فقال: "كان ورعاً متقللاً".
٢● وعن محمد بن عبد الله بن نوفل فهو مقبول عند ابن حجر العسقلاني وثقة عند الدارقطني.
٣● وعبيد بن يعيش ورد فيه: قال أبو حاتم الرازي ويحيى بن معين: "صدوق" وقال عنه ابن حجر العسقلاني ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ومسلمة بن القاسم الأندلسي: "ثقة" وقال أبو دواد السجستاني: "ثقةٌ ثقة"، فذكره الذهبي في سير النبلاء مع الثقات وقال عبد الباقي بن قانع البغدادي عنه: "صالح".
٤● أما يونس بن بكير فهو ثقة عند أهل الحديث وقال عنه أحمد بن حنبل: "ما أزهد الناس فيه، وأنفرهم منه، وقد كتبت عنه".
فبداية هؤلاء هم الذين حدثوا بالحديث وهم كلهم كما تبين ثقة، والثقة هو الذي لا يُعرَف بالتدليس فلا تؤثر العنعنة على روايته.
ب— (الرواة الناقلين)
ثم ذكر الدارقطني إتمامًا لسلسة الرواية في السند بذكره الحديث عن ثلاثة آخرين وهم: عمرو بن شمر، جابر و محمد بن علي.
١● أما عمرو بن شمر فذكره الذهبي بقوله: "متروك الحديث" وقال الدارقطني: "متروك الحديث، وذكره في السنن ضعيف"
٢● أما جابر، وهو ابن يزيد الجعفي.. قال عنه الزركلي في الأعلام: "تابعي، من فقهاء الشيعة، أثنى عليه بعض رجال الحديث، واتهمه آخرون بالقول بالرجعة. وكان واسع الرواية غزير العلم بالدين. مات بالكوفة".
٣● محمد بن علي الباقر ذكره أبو حاتم بن حبان البستي في الثقات، وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري وأحمد بن صالح الجيلي: "ثقة"، وقال عنه ابن حجر العسقلاني: "ثقة فاضل".
فإذا كان في سلسلة رواة السند واحد متروك الحديث هو عمرو بن شمر فقد كان ناقلًا وليس محدثًا، ثم إنه كان ناقل عن مقبولين الحديث وصادقين. وبذلك أو بدون ذلك فكما قلنا لا يتأثر المُحدث الثقة بالمعنعنيين في روايته لأنه لا يسقط حديث الثقات فقط لأن بينهما ناقل متروك الحديث. وبالتالي فلا تصح أحكام من قالوا بأن هذا الحديث ضعيف أو لا أصل له أو نحو ذلك.
رابعًا— متن الحديث
ولقد استشهد بهذا الحديث بناء على ما سبق من موثوقية الإسناد الواصل به كل من الإمام شمس الدين "القرطبي" (ت ٦٧١هـ) في كتاب "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" باب منه في المهدي ومن أين يخرج وفي علامة خروجه وأنه يبايع مرتين ويقاتل السفياني ويقتله"، وكذلك ذكره جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ) في مصنفه "مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود" كتاب المهدي و"الحاوي للفتاوى" كتاب الأدب والرقائق، باب العرف الوردي في أخبار المهدي..، وأيضًا أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤هـ) في الفتاوى الحديثية، كذلك ذكره الملا علي القاري (ت ١٠١٤هـ) في مصنفه "مرقاة المفاتيح في شرح مشكاة المصابيح" كتاب الفتن باب أشراط الساعة. وكذلك محمد بن البرزنجي (ت ١١٠٤هـ) في كتاب "الإشاعة لأشراط الساعة" الباب الثالث في الأشراط العظام والأمارات القريبة التي تعقبها الساعة، وذكره أيضًا محمد بن عبد الهادي السندي (ت ١١٣٨هـ) في مصنفه "فتح الودود في شرح سنن أبي داود" كتاب المهدي. وأيضًا إسماعيل بن محمد العجلوني (ت ١١٦٢هـ) في كتابه "كشف الخفاء" حرف الميم.
وبناء على كل تلك الاستشهادات من كل أولئك الأعلام يتضح كون الحديث مقبولًا من حيث متنة ومتواترًا على تأكيد أنه شرطًا من أشراط ظهور المهدي التي لا شك فيها.
خامسًا— تصديق الواقع
هذا وقد تحقق حصول تلك الحادثة (أي الخسوف المزدوج في رمضان) في الزمن المعاصر حيث وقعت آية الخسوف في ٢١/ ٣/ ١٨٩٤، وتحقق الكسوف في ٦/ ٤/ ١٨٩٤ على التقويم الإفرنجي رمضان ١٣١١هـ، وكان الجو صحوا والسماء صافية، ورأى الناس هذه العلامة بوضوح. ثم تكرر حصوله أيضًا في السنة الثانية، أي في عام ١٨٩٥م- رمضان ١٣١٢هـ في النصف الثاني من الكرة الأرضية لتحقيق الشمول وإثبات الحجة على جميع العالمين.. وقد اتفق ذلك التحقق مع ظهور شخص ادعى دعوى بأنه هو نفسه الشخص المفترض قدومه على رأس القرن الرابع عشر لتجديد الدين. والمعلوم عن مجدد القرن الرابع عشر بإنه سيكون المسيح الموعود والإمام المهدي بحسب ما ذكر الإمام السيوطي في أرجوزة المجددين.
وبذلك أصبح الحديث مقبول المتن والإسناد وصدقه الواقع فلا يعقل أن يكون كل ذلك مردودًا فقط في سبيل تغليب العناد. والجدير بالذكر أن موجات التضعيف لهذا الحديث ورفضه لم تظهر إلا في أواسط القرن العشرين على وجه التقريب حين انتبه علماء تلك الحقبة وما بعدها إلى اليوم بأنه (أي الحديث) يذكر لعلامة قد تحققت رؤيا العين بلا مراء فرموه بالتضعيف وتفننوا في ذلك جرحًا وتنقيصًا... والحق إنهم ليسوا إلا معاندين ومنهجهم هذا معلوم عند المومنين بيقين.. فتراه كذلك في أحاديث خروج الدجال حين فتح القسطنطينية وهي جميعها صحيحة، إلا أنه لما وقع الحدث مثل فلق الصبح بلا مراء ولكن لم يخرج الدجال كما تصورته عقولهم الصماء أنكروا كل تلك الأحاديث بالجملة. فمثلًا يقول الشيخ حسن بن علي السقاف (ت ١٣٣٥هـ): "إن فتح القسطنطينية قد تم منذ زمن بعيد على يد محمد الفاتح العثماني، ولم يظهر عند ذلك الدجال كما جاء في بعض روايات حديث الدجال صحيحة الإسناد، وهذا مما يدل على أنها ضعيفة أو باطلة وغير صحيحة" [صحيح شرح العقيدة الطحاوية] أو (المنهج الصحيح في فهم عقيدة أهل السنة والجماعة).
لذا فلا يؤخذ بأقوال أي من هؤلاء العلماء مهما زاد قدرهم وفذ علمهم إذا خالفت أحكامهم تصديق الواقع، خاصة إذا كانت مخالفة لأحكام الأعلام السابقين وكانت سابقة على تحقق الحدث.. ولزم أن يجرى عليهم -بناء على تلك المواقف وتضعيفهم لأحاديث بشأنها- جرحًا في علم الرجال ليكونوا من الكذابين حيث من عرف بالكذب بأي وجه يسمى خبره موضوعًا، سواء كان بتصريحه، أو بغير ذلك من الأدلة الدالة على كذب خبره. أو أن يكونوا من المتروكين فالمتروك هو من يتهم بالكذب فيسمى حديثه متروكًا.
❷
[شرح الحديث]
— قوله: «إِنَّ لَمَهْدِيِّنَا آيَتَيْنِ» يصح أن تؤخذ التثنية «آيَتَيْنِ» كونها مقسومة لحدثين هما الخسوف للقمر والكسوف للشمس بينهما فاصل زمني يقدر بأيام، لقول رسول الله ﷺ «الشَّمْسُ والقَمَرُ لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، ولَكِنَّهُما [آيَتانِ] مِن آياتِ اللَّهِ، فَإِذا رَأَيْتُمُوهُما فَصَلُّوا».
كما يصح أن يؤخذ حدوث الأمر مجملًا في عامين على التوالي (١٣٠١١هـ-١٨٩٤م) و(١٣١٢هـ-١٨٩٥م) إثباتًا لكون هذا الحدث هو عين المقصود عن غيره في حال حدوثه في أزمنة أخرى غابرة.
— وقوله: «لَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» لأن كون الظاهرة ستكون متعلقة بوجود شخص يقول بأنه هو المسيح المهدي، فلم يحصل أن صادفت إحدى ظواهر الخسوف المزدوج السابقة على تلك المؤرخة في موضوعنا أن قال قائل بأنه المسيح المهدي، وذلك يتضح من كلمة «لَمَهْدِيِّنَا» ففيها تخصيص للمهدي الصادق تأييدًا له وتمييزًا من بين المدعين.
— أما قوله: «يَنْخَسِفُ الْقَمَرُ لَأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» فالمعلوم بأن القمر لا يحتمل خسوفًا إلا كونه في حالة البدر، كما يستحيل أن يكون القمر في أول ليلة في رمضان إلا بصورة الهلال، فكيف يصح ذلك الخبر!؟
إننا في ذلك يجب أن نتدبر في كلمات الحديث، فقوله «يَنْخَسِفُ الْقَمَرُ لَأَوَّلِ لَيْلَةٍ» وجب الإيمان بأن سنن الله الكونية لا تتبدل، وإن المذكور في الحديث هو القمر وليس الهلال لذا كانت أول ليلة تلك المذكورة هي الأولى من تلك الليالي القمرية المُهيأة لحدوث الخسوف وهي ١٣، ١٤، ١٥ من الشهر الهجري، إذن فيكون الكسوف الحاصل واقع في أول ليلة من تلك الليالي القمرية أي ليلة ١٣. فكأنه قد قصد القول (ينخسف القمر لأول ليلة مهيأة للكسوف من شهر رمضان).
— قوله: «وَتَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْهُ» وكذلك في حال الكسوف، فقد قصد الحديث الأيام المؤهلة لحدوث الكسوف الشمسي، وذلك يحدث حين يكون القمر في طور المحاق أي أيام ٢٧، ٢٨، ٢٩ من الشهر الهجري، ولما نص الحديث على حدوث الكسوف في النصف منه أي في منتصف أيام كون القمر محاقًا فقد حدثت الظاهرة موضوع النبوءة في يوم ٢٨ رمضان وهذا ما حدث بالفعل.
— وقوله: «وَلَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» على وجه التكرار، فهذا في الواقع ليس تكرارًا كلاميًا، فلما كان القول في الأولى تمييزًا للمدعي الصادق، بدا في الثانية ما أكده تكرار وقوع الحدث في العام التالي أيضًا. فإذا ظهر قائل وقال بأن الخسوفات المزدوجة طالما تحصل من قبل، وقد تكون وقعت في رمضان أيضًا. فنرد بأن تكرار وقوع نفس هذا الحدث في رمضان من السنة التالية أيضًا بنفس تفاصيله جعله متفردًا بحيث لم يكون حصل بهذه الصورة أبدًا ولذلك قيل: «وَلَمْ تَكُونَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ».
● توضيح أمر
نرى أن نبين ما يمكن أن يكون سبب عثرة لباحث مخلص فيما ورد عن النبي ﷺ: «إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللَّهِ تعالى، لا ينكَسِفانِ لِمَوتِ أحدٍ ولا لِحياتِه، ولَكنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يخوِّفُ بِهما عبادَهُ…» [صحيح البخاري (١٠٤٨)]، «…فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شيئًا فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ حتّى يُكْشَفَ ما بكُمْ» [صحيح مسلم (٩١١)]. ونحن الجماعة الإسلامية الأحمدية -جماعة المسيح الموعود- لا نقول أبدًا بخلاف هذا الحديث، كما يروج المعارضين بخُبثٍ عنا، بل نقر بقول رسول الله ﷺ. فالخسوف والكسوف اللذان حصلا في رمضان كآيتين للمسيح الموعود والإمام المهدي لم تكونا كعلامات على ظهوره عليه السلام أو ولادته، وإنما كانتا آيتا تأييد له وتصديق ومخوفة ومنذرة لمن خالفوه وكذبوه. وجاءت جراء موجات التكذيب والمعارضة العدوانية التي حصلت مقابل دعوة حضرته السماوية الإصلاحية. فلما قيل: «إِنَّ لَمَهْدِيِّنَا آيَتَيْنِ» أشار إلى علامة أنه سيُقابل بالتكذيب والعدوان، فيحيق بالمكذبين جراء تكذيبهم هذا عذاب أليم.. فهي إذن ليست علامة لظهوره عليه السلام وإنما كانت آية إنذارٍ لمن كذبوه وكفّروه فلمّا طالبوه بها بإلحاح ملحوظ(¹) كديدن المكذبين يصرون على آيات الوعيد قبل وقوعها، «فَلَمَّا جَاۤءَهُم مَّا عَرَفُوا۟ كَفَرُوا۟ بِهِ»، فوقع عليهم القول، فكانت آية الطاعون الرهيبة، والتي حذر منها قومه نفس الشخص المؤيد بآيتي الخسوف والكسوف في رمضان قبل وقوعها ولعلهم يرجعون ■
حاشية
(¹) طُبع كتاب «سُنن الدارقطني» ثلاث طبعات متواليات في دلهي - الهند مع تعليقات أبي الطيب العظيم آبادي، الاولى في سنة ١٣٠٦هـ، والثانية سنة ١٣٠٩هـ، والثالثة في سنة ١٣١٠هـ كنوع من التبكيت والضغط الواضح على حضرة مرزا غلام أحمد القادياني كونه قد أعلن في عام ١٣٠٥هـ أنه هو المسيح الموعود والمهدي المعهود ولم تظهر الآية عنه الواردة في سنن الدارقطني فمارسوا طريقة التبكيت العلمية تلك. فلما وقعت آيتا الخسوف في رمضان ١٣١١هـ مع وجود هذا الشخص المنوط بوجوده تحققهما كفوا خاسئين عن طباعة ذلك الكتاب مجددًا على غير عادتهم المُلحة السالفة.
∆ الماعت 𓆄
الربة "ماعت" هي سيدة العدالة والحق ونظام الكون في حضارة مصر القديمة، ويرمز إليها في النقوش بسيدة يعلو رأسها ريشة نعام 𓆄. وفي هيئتها الكاملة تكون في شكل سيدة واقفة، تعلو راسها الريشة، ممسكة في يمينها عصا الحكم 𓌀، وفي الأخرى مفتاح الحياة، "عنخ 𓋹 ".لن أتكلم في هذا الموضوع عن تفاصيل الشخصية من الناحية الدينية في مصر القديمة، ولكن سأركز على المعنى والأصل اللغوي لاسم "ماعت" ولماذا "ماعت" والفلسفة الحكيمة لاختيار مسمى "ماعت" في الأيدولوجيا الاجتماعية المصرية القديمة.
𓆄𓆄𓆄
∆ الجذر اللغوي
بدون الرجوع إلى اللغة العربية فنحن لا نعلم أصل ولا جذر ولا مفهوم معقول لكلمة "ماعت" ونصبح أمام اسم بلا معنى على الرغم من أهميته وجوهريته في تكوين الضمير الحضاري في مصر القديمة، ومن المحال أن يكون اسمًا اعتباطيًا في منطوقه بل لا بد من وجود حكمة في أصله وفلسفة عليا في مدلوله.
فماذا تقول اللغة العربية عن "الماعت"؟
💡 يذكر أحمد بن فارس (ف ٣٩٥) في معجمة مقاييس اللغة أن "المعت هو الدلك". والدلك هو التسوية التامة للشيء بحيث يكون الشيء المُدلك جميعه في تساوٍ واحد. يقول ابن فارس في مادة [دلك]: "ومن الباب دلكت الشيء، وذلك أنك إذا فعلت هذا لم تكد يدك تستقر على مكان دون مكان" وهذا هو الماعت، الكل تحت يد نظام القانون سواء.
𓆄𓆄𓆄
∆ حكمة وفلسفة الاسم "ماعت"
من تفصيل المعنى اللغوي للاسم يمكن أن نفطن بالطبع إلى فلسفة اختياره ليكون تعريفًا لمعبودة العدالة والحق والنظام في مصر القديمة. فالكل يجب أن يكونوا سواء أمام القانون كأمر طبيعي.. مراعين للحق وللنظام، دون تحري الزور أو سلوك التمرد، لضمان انسجام عناصر المجتمع في سياق تضامني وطني واحد.وفي حالة اقتراف الذنب، يجب أن يكون كل المذنبين سواءً تحت طائلة القانون. تمامًا مثل عملية دلك الشيء باليد حتى تأتي عليه ككل لتسويته بلا شذوذ أو نشوز، كما تاتي يد الفخراني "صانع الفخار" على قطعة الصلصال اللينة لتشكيلها وتسويتها وصقلها، ومن ثم عرضها وتقديمها في أحسن صورة، فـ«النّاسُ سواءٌ كأسنانِ المُشطِ»، وهذا هو نفسه قانون الماعت 𓆄.
∆ آمون 𓋛
المعبود "آمون" هو إله الشمس والريح والخصوبة ضمن المعبودات الرئيسية في ديانة حضارة مصر القديمة. ويرمز إليه في النقوش برمز ريشتي الصقر حورس 𓋛. وهو في هيئته الكاملة يظهر كرجل واقف يعلو رأسه الريشتين، ممسك في يمينه صولجان الحكم 𓌀 وفي الأخرى مفتاح الحياة "عنخ 𓋹".سنبحر هنا بعون الله بشكل مقتضب ومركز حول معنى هذا الاسم "آمون" من الجهة اللغوية المصدرية وفلسفته على أساس مهماته الربوبية بحسب المعتقد المصري القديم.
𓋛𓋛𓋛
∆ منطوق الاسم ودلالاته
كما عهدنا في موضوعات سابقة كتبناها، حول معاني الكلمات في اللغة المصرية القديمة، إذ ثبت أنه بدون الرجوع إلى جذور اللغة العربية فنحن لا نعلم أصل ولا مفهوم معقول لمعظم الكلمات مما يضطرنا إلى أن نأخذها على حرفيتها بلا إدراج معنى حقيقي ملائم لها.
وها هنا نحن أمام اسم المعبود "آمون"، فبدون مرجعية مصدرية منطقية لهذه الكلمة سنصبح كذلك أمام اسم بلا معنى واضح يعبر بتعبير واضح عن أساس مهماته، وذلك على الرغم من أهميته القصوى كمعبود وجوهريته التامة في تكوين الضمير الحضاري عند المصريين القدماء، وبالتالي فمن المحال أن يكون اسمه المُعلن هذا اسمًا اعتباطيًا في منطوقه، بل لا بد من وجود حكمة في أصله وفلسفة عليا اعتمدت في معناه.
𓋛𓋛𓋛
∆ فماذا تقول اللغة العربية عن "آمون" أو "آمِن"
💡 ورد في المعاجم أن [مون] يعني (المون) أي أن تَمُون عيالك وتقوم بكفايتهم وتتحمل مؤنتهم. والمؤونة من المون وأصلها موونة بغير همزة.
فلاحظ أن هذه هي غايات مهمات المعبود آمون، إذ إنه في المعتقد المصري القديم هو رب الشمس والرياح والخصوبة، وكما لا يخفى فتلك العوامل هي مقومات الإنماء وتأمين المؤونة حد الكفاية في حضارة اعتمدت على مقوم الزراعة كالحضارة المصرية القديمة.
ولكن قد يقول قائل بأن النطق الصادر لاسم ذلك المعبود يكون كالتالي: «آمِن» بكسر الميم، وبهذا تكون المقاربة اللغوية السابقة لا تطابق منطوقه. ورد هذا أن [آمن] لا تبتعد كثيرًا عن معنى جوهر الجذر [مون].
فمعنى [آمن] هو سكون القلب جراء إعطاء الأمنة. إذن فبمطابقة اسم المعبود "أَمِن" مع هذ المعنى يظهر أنه واهب سكون القلب على أساس التزامه بتوفير النعم.𓋛𓋛𓋛
∆ حكمة وفلسفة الاسم "آمون"فمن تفصيل هذا
المعنى اللغوي تتبين لنا بسهولة حكمة المصري القديم من اختياره واستقراره على مسمى
ذلك المعبود كمسؤول عن الشمس والرياح والخصب، سواء من التزامة بتأمين توفيرهم
للمؤمنين به أو حتى لغير المؤمنين به، ومن هنا اتخذ هذا المعبود كذلك وصف رب
الافقين.
ويرد في الميثولوحيا (علم الاساطير) المصرية القديمة حول طبيعة هذا المعبود إنه «الإله الذي يستيقظ من نومه فجرًا ليضيئ العالم» ولا يخلو هذا التعبير من محوريةضمان الأمن في الغذاء والحياة كل صباح بلا هم ولا علة وتلك هي الحياة فـ«مَنْ أصبَحَ منكمْ آمنًا في سِرْبِهِ، معافًى فِي جَسَدِهِ، عندَهُ، قوتُ يومِهِ، فكأنَّما حِيزَتْ لَهُ الدنيا بحذافِيرِها» وقد كانت هذه الغايات من مهمات آمون𓋛.