الخميس، 26 أغسطس 2021

رد الشبهة حول آية «وَلَقَدۡ زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِمَصَـٰبِیحَ وَجَعَلۡنَـٰهَا رُجُومࣰا لِّلشَّیَـٰطِینِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِیرِ»

الشبهة: هل يجرؤ واضعي المناهج الدراسية في الدول العربية والإسلامية أن يدرجوا في المناهج أن النجوم رجوما للشياطين كما يقول القرآن!!!

الرد:

الاية: «وَلَقَدۡ زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِمَصَـٰبِیحَ وَجَعَلۡنَـٰهَا رُجُومࣰا لِّلشَّیَـٰطِینِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِیرِ»

مبدئيًا- إن القرآن ليس كتاب علوم تخصصية لكي نقول يجرؤ أحد أو لا يجرؤ على وضع آياته في مجال من المجالات تحديدًا... إنما يستعان به في كل المجالات، كل مجال بحسب ما يوافقه من آيات.

الآية بمفهومها الروحاني

وبناء على ما قلناه، فهي أولا لها الشق الروحاني في التفسير وهو أول ما يجب الالتفات والانتباه إليه في القرآن، لأن الله قال فيه: «لا يمسه إلا المطهرون» يعني لا يصل لمكنون معانيه إلا طاهري الباطن والمخلصين في البحث... وهي طبعًا لا تقصد لا يمسه إلا اللي واخدين شاور...

— فزينة السماء الدنيا في الآية يُقصد بها فئة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأولئك هم مصابيح الظلام، الذين ينقلون الناس من الظلمات إلى النور...

وجعل الله هذه الفئة رجومًا للشياطين، يعني الحائل والقيد أمام كل من شطط فكره وتمرد برأيه، ورأى أنه فوق الخلق أو الخالق، وهاجم كل ما أنزله الله... فيحمون الناس من أكاذيبهم وفي نفس الوقت يدمغون تلك الأكاذيب بالدلائل والحجج والبراهين..

هذا من ناحية الشق الروحاني الذي يجب الالتفات له بادئ ذي بدء حين استلام القرآن، لأنه هو الشق الثابت.

الشق المادي

أما الشق المادي أو العلمي (فهو نسبي متغير) فلا يجب الوقوف عليه أو إيقاف الإيمان بالقرآن عليه، لأنه كما قلنا هو ليس كتاب علوم مادية تخصصية، وإن كان يُستفاد به في مجالات عديدة علمية وأدبية واجتماعية وسياسية واقتصادية...

فإذا التمسنا من هذه الآية شكل من أشكال التصور الفلكي، فلا بد من الرجوع إلى المعنى اللغوي لكل كلمة أساسية فيها:-

مصابيح: وهي من مصدر [صَبُحَ] أي حسُن وجمُل (معجم العين)

رجومًا: وهي من مصدر [رَجَمَ]؛ يُقال "رجم البعير الأرض أي دنا برأسه إليها وأومأ بها (يعني حركها) عند سيره.

الشرح المستنبط من هذه المعاني

نلاحظ أن كلمة مصابيح (وهي النجوم، أي الشموس، في الفضاء الخارجي) مُيزت بخصيصتين متضادتين في هذه الآية، هما أنها «زينة» وأنها «رجوما»! فهي زينة في الشكل والمنظر لأهل الأرض، إذ تكون مصدرًا للمشاعر والإلهام كذلك... وهي في نفس الوقت تمثل قيدًا مُحكما كل في أماكنها لتحافظ على توازن أجرام الفضاء الخارجي من كواكب أو كويكبات، فهنا نفهم معنى «وجعلناها رجوما للشياطين» أي (جعلناها قيودًا تحول دون انفلات أي جرم من الأجرام حولها فيتسبب في كارثة كونية أو كارثة على الأرض)

منظر فلكي

انظروا مثلا إلى حزام الكويكبات في مجموعتنا الشمسية، بين كوكبي المشترى والمريخ، ما الذي يمنعها تنساب عبر الكواكب وتصطدم بالأرض كذلك سوى القيد الشمسي لها (وهذا الاضطراب إذا ما حصل فيها فهو يحصل حين يحدث خلل في جاذبيتها المحكومة بالشمس وهذا الخلل يسمى فلكيًا بالرنين المداري حين تمر بالقرب من المشترى بسبب جاذبيته الهائلة)، والشمس هي نجم المجموعة الشمسية، فهي مصباح في السماء الدنيا، ذكرها القرآن بالوصف: «وَجَعَلَ ٱلشَّمۡسَ سِرَاجࣰا».

•• أما الكواكب فإن كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية يبعد عن الشمس مرة وربع بالنسبة إلى بُعد الكوكب السابق عن الشمس، وهذا يعني أن الشمس تتحكم في المسافة المدارية للكواكب حولها، وبمعنى أدق فهي تعد قيدًا لها من الانفلات والتصادم، وهذا القيد هو ما أطلق عليه القرآن «رجومًا» أي قيودا للشياطين، ومعنى الشياطين هنا أيضًا لغويًا هو كل عاتٍ متمرد من حيوان أو نبات أو جماد.

روحاني ومادي

           ثم يقول الله: «وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِیرِ»

ففي الشق الروحاني نستطيع أن نفهم هذه الجزئية بسهولة، وهو أن هؤلاء الفسدة إن استطاعوا أن يمرقوا في الناس برغم وجود شموس الهدى من الصالحين، فإن الله قد أعد لهم ما يقلل من خطورة أمرهم، فيُسخّر من يواجههم من أهل الدنيا كالحكومات وغيرها لمواجهتهم وتأهيل الذي يُرتجى صلاحه ومن ثم دمجه في المجتمع، وإلا فيتم إقصائهم ولهم بعد ذلك حساب إلهي خاص.

أما في الشق المادي الفلكي فنستطيع القول بأن الله يخبر بأنه حتى في حالة انفلات أي من هذه الأجرام الفلكية السابحة حول الأرض فإننا جهزنا لها -رحمة منا بأهل الأرض وحفاظة لهم- ما يقلل من حدة إهلاكها وإفسادها وخطورتها على الأرض، فيستقبلها الغلاف الجوي لتحترق في طبقاته العليا، فإما أن تتبدد فيه أو أن يقل حجمها جدا لتصبح نيزكًا غير ذي أثر مؤذٍ للبشرية. بل لعلها تكون مفيدة للبشرية من حيث إجراء التجارب والأبحاث العلمية عليها بعد تعذيبها أي تنقيتها من مخاطرها بالإحتراق الذي حصل لها في طبقات الجو العليا قبل سقوطها على الأرض.

ليست هناك تعليقات: