►•• تابع
قد تنشأ اعتراضات نقدية مسيحية
على تدوينتي السابقة والتي ذكرت فيها أن المجيئ الثاني للمسيح لن يكون في شخص يسوع الناصري، إنما سيتحقق ذلك حتمًا في شخص
آخر يختاره الله. ومن هذه الاعتراضات أن يقول قائل:
(هذا يعني أنكم كمسلمين تؤمنون بموت المسيح على الصليب بخلاف ما يذكر قرآنكم وهو ليس مرفوعًا إلى السماء كما يذكر قرآنكم!)
ولإيقاف هذا الاعتراض نقول: أولًا، أن موت المسيح الناصري مُثبت في غير آية
من القرآن تصريحًا وتلميحًا ولقد تكلمنا في ذلك الأمر بشيء من التفصيل هنا. وما اعتقاد بعض المسلمين بحياته إلا تأثرًا بالعقائد
المسيحية كما ذكر الشهرستاني في الملل والنحل [المقدمة الرابعة، الخلاف الثالث]
ثانيًا، نجاة المسيح الناصري من الموت على الصليب مُثبت
في غير موضع في الإنجيل، منها:
[1] لا يُمكن الجزم بأن
يسوع المسيح مات مصلوبًا. فإنه هو نفسه بعد حادث الصليب بقليل (يومين) كلم
المجدلية قائلًا: «لا تلمسيني» [يو 20/ 17] وبعد فترة أكبر 8 أيام قال لتوما: «هات إصبعك إلى هنا» [يو 20/ 27] ما يعني أنه
كان جسدًا حيًا ولكنه في البداية كان متأثرًا بجروحه جراء المسامير، إلا أنه بعد مضي
قرابة الأسبوع بدأت جروحه تلتئم ما جعله يُمكِّن أحدهم من لمسها.
[2] إنَّ المقربين من
السيد المسيح حينذاك كانوا على يقين تمامًا بحياته بعد نزوله من على الصليب؛ فقد
ذُكر عنهم فعلهم بالقول: «وبعدما مضى السبت، اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة،
حنوطًا ليأتين ويدهنّه» [مر 16/ 2] فهو إذا
كان ميتًا لم تكن الجثة بحاجة للدهان بشكل مستمر بعد التكفين أيضًا، وإذا كانت الجثة
الميتة المُكفنة تحتاج دهانًا ─كافتراض جدلي لا يحدث─ فلا يجوز للنساء في أي حال القيام
بذلك لرجل. فيُفهم من ذلك التصرف من النساء خاصةً يقينهم المسبق بحياة يسوع، وعدم
موته صلبًا، وأنه لأنه حي يحتاج لمتابعة جروحه الخارجية (لا الجسد عمومًا) بالدهان
المُسكِّن كدواء. [وهناك كثير من المواضع الأخرى المُثبتة لنزوله حيًا من على الصليب سناتي على ذكرها في تدوينات لاحقة].
إذن، فتعلق المسيح على
الصليب دون زهوق روحه عليه لا يُسمى صلبًا؛ كما أن تعلق الشخص على المشنقة دون
زهوق روحه بها لا يُسمى شنقًا، وغطس الشخص في الماء دون موته فيها لا يُسمى غرقًا.. إلخ
ثالثًا، أما رفع المسيح فمجزوم به في الإنجيل وفي القرآن،
لكن لم يقل القرآن إلى السماء «بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» [النساء: 159] وهذا تعبير
عن الحفظ ورفعةِ الشأن والمقام كذكر نبي الله إبراهيم «وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ
إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ» [الصافات: 100] كما أننا نظن بأن المسيحيون لا يعتبرون أن الله محدودًا في السماء
المادية، فيجب فهم القول «ارْتَفَعَ إِلَى
السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ» [مر
16/ 19] بذات المعنى الذي فهمناه من القول القرآني إذ يُعبّر
عن رفعة الشأن والمقام والحفظ من كيد الأعداء ومصاحبة الله روحانيًا. وإلا يكونون
مُحَجّمِين الله في حيز السماء وذلك خلاف ما يفهمه كافة الآباء اللاهوتيين.
فهذا إذًا يعني موت السيد المسيح
الناصري بشكل طبيعي، مرفوع المقام والشأن مُقربٌ إلى الله وليس مُهان؛ وأن الأموات
لا يعودون إلى هذه الدنيا ثانية وهذا ثابت في الإنجيل كما بينّا في التدوينة المُشار إليها برابط أعلاه↑ وكما هو ثابت في القرآن أيضًا.
:.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق