يدعي دعاة الافروسنتريك أنهم أصحاب الحضارة المصرية، وأبرز دليلهم حول هذا الادعاء هو حكم الأسرة 25 التي كانت عاصماتها نباتا وما خلفته من آثار أسلوبها مصري لكن بملامح زنـچـيـــة، والرد على هذا الادعاء هو السؤال الآتي، لماذا لم يتخذوا من طيبة عاصمة لهم لحكم مصر كما كان معتادًا طوال معظم فترة الأسرات المصرية؟
والجواب أنهم غرباء على مصر، ولذلك حين أقاموا عاصمتهم نباتا في فترة حكمهم لمصر جعلوها بعيدة عن العمق المصري مثلهم مثل أي أصول غريبة حكمت مصر لفترة مؤقتة مثل الهكسوس أو اليونان، وذلك بسبب الخشية الدائمة من الانقلاب عليهم من المصريين ولعدم انتمائهم الطبيعي للأرض المصرية.وفي الأسطر التالية سنقدم مُسلمات تفيد ببعد هذه القضية عن الواقع على الأرض علميًا ومنطقيًا لا شك فيه ولا يرفضه دارس أو مهتم.
①
المسلمة الأولى
◉ مسلمة البحث عن حياة ◉
إذا حصل انتقال شخصي من مكان إلى آخر، فهذا الانتقال لا يكون بغرض إنشاء حضارة إنسانية، إنما يكون غايته البحث عن حياة آدمية معقولة.
❶ الإمبراطورية المصرية في عهد الأسرات ١٨، ١٩، ٢٠ لمدة حوالي ست قرون متتالية |
إذن، فالجينات والشخصية الذاتية لوحدهما لا تؤسسان حضارة مميزة، لأنه بدون مقومات إيجابية، طبيعية كانت أو بشرية، لا يكتب لهذا الجين أو الشخصية الظهور بتميز أصلًا.
كل هذه المُسلمة اختصرها المؤرخ هيرودوت في ثلاث كلمات حين قال: "مصر هبة النيل".
②
المسلمة الثانية
◉ مُسلَّمة رعايا الإمبراطورية ◉
وإذا لم يحصل انتقال شخصي للشعوب من موطنهم الأصلي، على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم، إلى موطن آخر، ولكن حصل أن امتد النفوذ في دولة من الدول بفترة من الفترات وشمل هذا التوسع أراض أولئك الشعوب.. فإن قيام أي حضارة في هذه الأراضي، التي تم بسط النفوذ عليها أثناء وجود الدولة المتوسعة، إنما يرجع نسبتها وفضل تأسيسها إلى موطن حكامها وليس إلى عنصر المحكومين.. لأن نوعية الحضارة، الخاص بالدولة المتوسعة والازدهار الحاصل فيه، ما كان ليحدث في تلك البقاع لولا شمولها ضمن هذا النفوذ ودخولها تحت رعاية الدولة المتوسعة على أراض تلك الشعوب فأصبحت من رعاياها وتخضع لقوانينها وتمتثل لأسلوب حكمها.
❷ جدارية من مقبرة الملك ستي الأول - من الأسرة ١٩ مصور فيها رعايا الإمبراطورية المصرية من الأجناس الأربعة الذين كانوا تحت حكمها |
باختصار، إذا خضعت بعض الشعوب لحكم إمبراطورية متوسعة فقد أصبح أولئك الشعوب
من رعايا تلك الإمبراطورية وما تأسس من حضارة في أراضيهم أثناء خضوعهم
للإمبراطورية الحاكمة ترجع نسبته للإمبراطورية المتوسعة وحكامها.
③
المسلمة الثالثة
◉ مسلمة الحضارة ومركز الحكم ◉
كلما ازداد الابتعاد عن نطاق العواصم "مركز الحكم" قل التأثير الحضاري المدني وزاد النفوذ الأمني، لضمان سلامة الحدود. وبناء على ذلك كان طلب العلم والشهرة والمناصب المرموقة في الدولة يُقصد وتزيد فُرصه كلما زاد الاقتراب من مركز الحكم، أي العواصم وما حولها، حيث تزداد فرص الظهور وتحقيق الطموحات الشخصية، وتخبو تدريجيًا كلما ابتعدنا عن المركز.
هذا حتى وإن كانت المقومات الطبيعية والقوى البشرية والقدرة المادية متوافرة في الأطراف المترامية أو النائية. ذلك لأن مركز التنظيم والإدارة للقوى والموارد يكون في الأصل متمركزًا في العواصم وتأثيره المباشر على المدن الرئيسية.
هذا إلا في بعض العصور التي حكم فيها غير المصريين، فإنهم ينقلون عواصمهم وقتئذ إلى قرب موطنهم الأصلي، على أطراف حدود القُطر الطبيعية أو خارجه كليةً بسبب الخشية الدائمة من الانقلاب عليهم من المصريين ولعدم انتمائهم الطبيعي للأرض المصرية.
✪ كحالة العاصمة "أواريس" 1660-1580ق. م في عهد الهكسوس وكانت في الطرف الشمالي الشرقي لمصر وقت الأسرتين 15، 16.✪ وحالة العاصمة "نباتا" 716-663ق. م للمملكة الكوشية حيث كانت خارج الحدود المصرية الطبيعية الجنوبية الحالية وقت الأسرة 25.
✪ وحالة العاصمة "الإسكندرية" 332ق. م - 641م في أقصى شمال مصر على
ساحل المتوسط وكانت عاصمة للدولة البطلمية في الأسرة 31 وما بعدها حيث الوجود
الروماني.