الأحد، 26 يوليو 2020

استلال سيرة محمد الفاتح من طين وروث الأحداث المعاصرة (1-2)

في هذا الأسبوع الأخير من الشهر السابع من السنة الميلادية 2020 خرج علينا حاكم سفيه بخطيب لديه ليس بفقيه حاملًا سيفًا على منبر رسول الله ﷺ! والله ورسوله وصالح المؤمنين برءاء من هذا الفعل مهما كان مقصده. ثم مر هذا اليوم بفرحة عارمة من همج يفضلون حمية الجاهلية ظنًا منهم بجهل مطبق أن بذلك يُنصر الإسلام، وما مر ذلك اليوم حتى جر وراءه فرحة غامرة لرعاع آخرين من الملحدين وأشياعهم.. ولأن رؤوس المُلحدين يترصدون بالدين كل مرصد فما احتفلوا كثيرًا بالسيف الذي رُفع على منبر رسول الله ﷺ بل أخذوا في شحذ سهام طعنهم في حضرة الرسول ﷺ نفسه من خلال نبوءة حضرته بفتح القسططينية (إستانبول حاليًا)، والتي تحققت بالفعل على يد سابع سلاطين بني عثمان السلطان محمد الفاتح، فأخذوا يطعنون في نزاهة الفتح والسلطان الفاتح، وليست نيتهم السلطان في الحقيقة بل هدفهم تلويث حديث رسول الله ونبوءته وبالتالي صدقه وشرفه ونزاهته..ﷺ
محمد الفاتح وذريعة الملحدين استنانه لقانون قتل الإخوة
إنَّ من يريد أن يجعلك تكره شخص فورًا فإنه يُقدم عنه (ما يرى) أنه سيء بدون أن يقدم خلفية هذا الفعل الذي دفعه إليه. تمامًا كالجهال الذين يقدمون معركة بدر على أنها جائت بعد تمسكن (وليس صبرًا) للرسول ﷺ لمدة 13 سنة في مكة ثم لما تمكن من القوم أظهر أنيابه ومخالبه يُعملها فيهم. والحق أنه لولا تتبع المشركين للمسلمين حتى بعد فرارهم بدينهم بعيدًا عن مواطن الفتنة في الدين، لما خاض المسلمون حربًا ولا حملوا سيفًا، لكنهم بعد أن خرجوا فرارًا بدينهم من المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه "مكة" (وحافظوا على أمنه رغم انعدام حريتهم الدينية به) وانضموا إلى مجتمع آخر "يثرب" قبلهم وآواهم، لم يتركهم أولئك الذي فروا من قبضتهم "قريش" بل تبعوهم حتى ديار حياتهم الجديدة الآمنة أيضًا، فما كان من الله إلا أن أذن للمظلومين حينئذ بالدفاع عن أنفسهم ودينهم ومأواهم ومن آووهم، وبهذا كانت موقعة بدر حرب دفاعية محضة من قبل المسلمين وكذلك كل ما تبعها من حروب.
والآن مع السلطان محمد الفاتح، وخلفية القانون
لقد أقر العثمانيون منذ تأسيس دولتهم مبدأ عدم تقسيم الدولة لأنها ليست ملكًا للسلطان وعائلته، ومع ذلك لم يكن لديهم قانون محدد ينظم عملية انتقال العرش ما أدى إلى نشوب صراعات متكررة بين ورثة السلطان المتوفي. ولم تترك الإمبراطورية البيزنطية مثل هذه الفرص كل مرة للشروع في ضرب أساس ومفاصل الدولة العثمانية، فكانت تتدخل بتأييد أحد المتصارعين على العرش لحساب الآخر ومن ذلك تؤجج الصراع وتفرض هيمنتها إذا ما استتب الأمر لمن ساندته.
وللحفاظ على وحدة الدولة والأمن العام فيها اتخذ سلاطين آل عثمان عُرف قتل من تسول له نفسه الانقلاب على السلطان أو محاولة الاستيلاء على العرش في وجود السلطان ولو كان من إخوة السلطان أو حتى أبناءه «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»، ثم جاء السلطان محمد الفاتح فيما بعد فأطّر هذه السُنة في إطار قانوني كي يخرجها من عشواية العُرف في التنفيذ إلى قيد نظام الدولة. وكانت الغاية المُثلى من وراء ذلك هي كما ورد في القانون العثماني الحفاظ على كيان الدولة من التقسيم وبالتالي الانهيار «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» وطبقًا حتى للمثل الشعبي القائل: "المركب التي فيها رئيسين تغرق" وللحفاظ على الأمن العام. وهذا الفعل سُمي وقتها شرعًا بحد البغي "أي عقوبة العصيان ضد الدولة" فكان مرتكز هذا القانون الشرعي الأول هو جريمة العصيان ضد الدولة، وهي في الإسلام تندرج ضمن جرائم مستحقة العقوبة وعقوبتها القتل "الإعدام" إذا توافرت عناصرها وهي: القيام بالعصيان، والتمرد ضد الإمام أو السلطان، ومحاولة الاستيلاء على الحكم باستعمال القوة.
♦سؤالين للملحدين♦
وبعد هذا السرد، هل من مدافع عن عصيان الأقارب في سبيل الاستيلاء على الحكم بغض النظر عن سلامة الدولة وأمن المجتمع؟! ثم هل هذه القوانين (القديمة) لا تناسب ولا توافق القوانين الحديثة للحفاظ على أمن وسلامة البلاد والعباد من التقسيم والشتات؟! وعلى الرغم من أن هذين السؤالين موجهين لملحدين فإني مع ذلك أعقب لهم بهذه الآية القرآنية لعلها تُحيي فيهم ضمائر يكتمونها قصدًا «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».
هل كان محمد الفاتح المفضل لدى والده مراد الثاني؟
لن نجيب بـ "نعم" أو بـ "لا" على هذا السؤال، بل نترك وقائع التاريخ تُجيب، فلقد تولى محمد الفاتح السلطنة لمرتين الأولى في الفترة (1444- 1446) وكانت تنازلًا له من أبيه طواعيةً، بسبب ظروف صحية وإرهاق وكان محمد وقتها غرًا صغيرًا 12 عام، إلا أن والده وقتها ترك معه صدرًا أعظم قوي لمؤازرته، ثم عاد الوالد مراد الثاني للسلطة مجددًا بطلب من الابن بسبب انقلاب البيزنطيين على معاهدة صلح كانت قد عقدت مع السلطان الأب مراد الثاني. والمرة الثانية لسلطنة الابن محمد فكانت في الفترة (1451- 1481) وهي الفترة التي أنجز فيها فتح مدينة القسطنطينية وكانت ─أي السلطنة الثانية─ قبل وفاة أبيه بشهور وكان محمد وليًا للعهد حينها. ما يعني أنه لا مجال للسؤال هل محمد الفاتح كان هو المُفضل لدى الوالد أم لا، فما هو إلا حشو فارغ لكلام لا أصل له.
هل قتل محمد الفاتح أخ رضيع له للمحافظة على العرش؟
لقد كان لمحمد الفاتح أخ أكبر منه اسمه "علاء الدين" توفي في حياة أبيه وفاة طبيعية وهو شاب، وقد كان مراد الثاني الأب ينوي إسناد ولاية العهد له لولا وفاته، فلما توفي "علاء الدين" الابن جعل مراد الثاني ولاية العهد من بعده لابنه محمد. ولم يكن لمحمد الفاتح أخ رضيع اسمه أحمد كما سنرى، وكما يُلاحظ أنه عند توليه السلطة للمرة الثانية كان أيضًا مُعينًا عليه وصي للعرش هو نفس الصدر الأعظم الذي كان قائمًا بنفس المهمة في عهد توليه السلطة أول مرة، فلو فرضنا جدلًا وجود هذا الأمر فهو يُنسب إلى الوصي لا إلى الموصى عليه، ولكنها أيضًا غير موجودة كما سنرى.
أما إخوة محمد الفاتح الذكور فهم:
(1)     أحمد چلبي (1419 – 1437) ويتضح أنه توفي شابا في السابعة عشر وقبل تولي محمد الفاتح حتى السلطنة للمرة الأولى!
(2) علاءُ الدين عليّ چلبي (1425 – 1443) وهو الذي كان مُعينًا لخلافة الأب مراد الثاني، وتوفي وفاة طبيعية كما ذكرنا. وكان أكبر من محمد بسبع سنوات.
(3) أورخان چلبي (مات سنة 1453) وهذه السنة هي عام فتح القسطنطينية، ما يعني أنه كان يافعًا حينما توفي، وقد استتب لمحمد أمر المُلك، فلم يكن بينه وبين أخيه الفاتح مشاكل تُذكر، وإلا لكان تخلص منه قبل الفتح بفترة كبيرة.
(4) حسن چلبي (1450- 1451) ففي حين أن هذا الأخ اسمه حسن، وأن المقصود بالقتل يقولون أن اسمه أحمد فالظاهر أن حسن هذا مات بمنئى عن ذلك القانون أيضًا، فليس في المصادر العثمانية أن هناك حادث قتل إخوة ─والتي لا يستحي من إعلانها سلاطين العثمانيين "مهما كانت" نظرًا للأسباب التي قدمناها أعلاه حول صيانة كيان الدولة وأمن المجتمع─ كما أن محمد الفاتح هو من قنن هذه العملية فكيف يتنكر هو أو ينكر التاريخ مثل هذا الحادث في عهده إن كان قد حدث؟! فليس هناك مثل هذه الحوادث في عهد محمد الفاتح، والحوادث الثابتة والموثقة والمعروفة في تاريخ الدولة العثمانية لقتل الأشقاء والأخوة هي التالية فقط:
(1) ثلاثة حوادث قتل في عهد السلطان أورخان لأخويه خليل وإبراهيم اللذين أعلنا التمرد والعصيان، ثم قتل أخيه صاوجي الذي أعلن العصيان وتحالف مع أمير بيزنطي ضد والده.
(2) حادثة في عهد السلطان يلدرم بايزيد الذي قتل شقيقه "يعقوب" بوشاية ضده من بين أنصاره.
(3) في عهد السلطان محمد چلبي قام بقتل أخوته عيسى وموسى ومصطفى چلبي لتمردهم وتسيير الجيوش من أجل السلطة.
(4) في عهد مراد الثاني قتل عمه "دوزمجة مصطفى" لإبرامه إتفاق مع الإمبراطور البيزنطي مانويل لتقسيم الدولة، وكذلك قتل أخوه "كجك مصطفى" لتحالفه مع القبائل ضد أخوه السلطان على الحكم.
(5) في عهد السلطان ياوز سليم الأول تم قتل أخويه قورقوت وأحمد. الأول لعصيانه والثاني لتحالفه مع الدولة الصفوية.
(6) في عهد السلطان سليمان القانوني تم قتل ابنه "مصطفى" بسبب وشاية ضده من قبل حرم السلطان الأولى. ثم قتل ابن ثانٍ له هو بايزيد لتمرده على قرار تولية سليم ابن سليمان ولاية العهد، فاستعان بالدولة الصفوية واعتُبر بذلك خائنًا.
هذه هي حوادث قتل الأشقاء والأبناء في عهد الدولة العثمانية حصرًا، وليس في عَهدَيّ سلطنة السلطان محمد الفاتح أي أثر لأي قتل من هذا القبيل.
:
لاحقًا سنتكلم عن فتح القسطنطينة وبشارة رسول الله ﷺ حولها واستلالها من أضاليل الملحدين.

ليست هناك تعليقات: