السبت، 25 سبتمبر 2021

سبيل الجهاد الصحيح

الجهاد؛ إنه ذروة سنام الإسلام على الدوام. ولكن يجب أن نميز كما ميز نبينا العظيم خاتم النبيين وأكرم خلق الله أجمعين محمد ﷺ بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، ثم نقوم بالعمل بحسب ما يقتضيه الظرف من بين هذين النوعين، شريطة ضمان تمام إنفاذ الجهاد الأكبر بجميع فروعه دائمًا. وذلك لأسباب سنبينها.

فروع الجهاد

وللجهاد الأكبر فروع هي: -

[النوع الأول] مجاهدة الهوى والنفس الأمارة، فهي العدو، وبسطوتها فينا لن نُمكّن من إحراز أي فوز أو تقدم في سبيل الله. يقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»[1] فبقتالنا لأنفسنا الطاغية والأمارة، وبإحسان الظن والنية بالله سيُغلِّبنا الله عليها، ويهدينا سبل الرشاد بفضله تعالى لأنه وحده هو الناصر.

وهذا الجهاد الأكبر يشرحه رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه الإمام البيهقي «قدِم على رسول الله ﷺ قوم غزاة، فقال ﷺ: "قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر؟! قال: مجاهدة العبد هواه»[2].

والجدير بالذكر أن هذا النوع من الجهاد هو الذي مارسه المسلمون منذ بداية الدعوة في العهد المكي، إذ قال الله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»[3] إذ لم يكن قتالًا بالسيف، ولكنه مجاهدة النفس والشيطان والظلم والعدوان ومجاهدة المُنكر في داخل المجتمع إذا شاع.. فهو جهاد مُكتملٌ ومعتبر ومع ذلك هو ليس قتالًا فيه مواجهة بالسلاح.

▬▬ [النوع الثاني] المجاهدة بالقرآن، ويُعرف بالجهاد الكبير. مصداقًا لقول الله عز وجل: «فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا»[4] أي جاهدهم بالقرآن الذي هو الوحي الأعلى والأجلى والأطهر باللسان والبيان (أو كما نسميه الجهاد الدعوي والإعلامي[5]). ولن يكون هذا الجهاد ذي جدوى إلا بفهم القرآن الكريم بنفسِ متضعة، غير متعالية، وظن حسن، وعقل مُطهر من الخرافة لا ينسب العيب أو النقص أو الحاجة إلى الله سبحانه بتاتًا؛ فهو تعالى مُطلق القدرة، مُطلق الحكمة، ولا تنافي قدرته حكمته سبحانه. وفي إطار هذا الجهاد الكبير يتم إعداد الطاقات البشرية التبشيرية بدعوة الإسلام القويم ونشرة.

ونلاحظ بأن النوع الثاني من الجهاد، الذي هو الجهاد الكبير ما كان ليظهر إلا بإتمام الحالة الروحية للنفس البشرية بالجهاد الأكبر (النوع الأول والأهم من أنواع الجهاد) فالله تعالى قد قرر سلفًا بأنه لا يليق بكم دخول حالة الجهاد الكبير إلا بعد تطهير نفوسكم بالجهاد الأكبر فقال سبحانه: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ • فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ • لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»[6] وقال عز وجل: «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ»[7] يعني هيهات أن يصل لممارسة الجهاد الكبير والتأثير به في الناس من لم يحصل على الإجازة الإلهية الحقة المكنونة في الجهاد الأكبر فهي من لوازم وأساسيات العرفان الإلهي، ثم الجندية القتالية، وبدونها لا شيء.

فما القتالُ إذن؟!!

أما القتال، فهو ذلك الذي يُمكن أن نسميه بالجهاد الأصغر، إذ هو القتال بالسيف والسلاح المادي، والذي لا يجوز التفكير فيه أو محاولة الإعداد المادي له في نفس الوقت الذي يكون فيه التجاهل المقصود أو غير المقصود لفرعي الجهاد الأكبر (السابق تبيانهما) وإهمالهما. وما الحض القرآني «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...»[8] إلا بعد التأكد من تمام الإعداد الروحي الذي لا يكون إلا من خلال الجهاد الأكبر بفرعيه. وإلا فسيكون هذا الإعداد المادي لمواجهة قتالية بسيفٍ وسلاح تصب في مخالفة معنى الآية «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»[9] فلن ينصر الله قومًا هم عنه غافلين، وستكون الخسارة الروحية فادحة وأنكى وأضل على المسلمين، والخسارة المادية فاضحة، من حيث المال والأنفس والثمرات والعقارات والأراض وكل شيء.. إلخ

وباختصار، إن لم تجاهد فلا تفكر في قتال.

الجهاد غير القتال لغة وشرعًا[10]

ولنعلم أن الجهاد يشمل القتال وليس العكس، كما يمكن أن يتم الجهاد بدون قتال، ولكن مُحالٌ عند المؤمن أن يكون قتالًا بدون جهاد.. لذا فالأصل هو الجهاد بنوعيه وما فيه من فروع تراتبية، والفرع الأخير منه (وغير الأساسي) هو القتال كجهاد أصغر.. لذا فلا يجوز إعطاء كل الأهمية للجزء والفرع دون الكل والأصل، بالالتفات للمعنى الجزئي وتجاهل المعنى الأكبر والأشمل الكلي؛ بل يتجاوز المتجاوز الغافل ليلصق بكلمة الجهاد معنى القتال حصرًا ولا شيء آخر، فتلك طامة كُبرى عليه، ويزيد من تجاوزه وتجاسره بأن يقوم فيُسفه ويُحقَّر من شأن الجهاد الأكبر في سبيل اعتماد القتال فحسب، ومن هنا يُكفّر ويُخوِّن من لا يقول بفرضية القتال في كل الأحوال، بغض النظر عن الإعداد الإيماني والروحي اللائق له، والذي هو السلاح الحقيقي للمسلم إن كان من المؤمنين العاقلين.

مع أن الحكم الشرعي لكل من الجهاد والقتال مختلف تمامًا، فالجهاد هو فرض عين على كل مُسلم ومسلمة (أي يُحتَّم أن يؤديه بنفسه كل مسلم مؤمن بالغ عاقل، وإلا احتمل ذنب ووزر تركه، فلا يتم إيمان المسلم إلا بالجهاد).

أما القتال فحكمه الشرعي هو أنه فرض كفاية على المسلمين (أي يجب أن تؤديه طائفة من المؤمنين المؤهلين القادرين، عن بقية عموم المسلمين، وإلا احتمل الجميع الوزر إن تخلف الكل عنه).

ومعنى هذا باختصار أن كل مسلم يجب أن يكون مجاهدًا، وليس من الضروري أن يكون كل مسلم مقاتلا[11]

ولكن متى يجوز الجهاد الأصغر (أي القتال)؟!

مبدئيًا، لا يجوز إقامة الجهاد الأصغر "أي القتال الحربي" والدعوة له بناء على اعتداء منا أيًا ما يكون هذا الاعتداء. إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»[12] فكل قتال لا يبتغي سبيل الله خالصًا لا يُسمى جهاد في سبيل الله أصلًا، فمن قاتل لأجل الحُكم أو تثبيت السلطة.. وغيرهما من أمور الدنيا يكون قتاله في سبيل ما نشبت لأجله القتال وليس في سبيل الله. أما ما هو في سبيل الله، فهو ما كان لتحرير الأنفس من العبودية لتختار بنفسها سبيل الله بعد اطّلاعها بنفسها على كافة السبل ولتختار ما تختار حرة غير مُجبرة، أو ما كان لإزالة القيد من على رقاب المؤمنين المُضطهدين بسبب دينهم وهم غير معتدين أو لرد عدوان سافر حادث..

فإن المسألة ليست بلطجة محضة أو عركة في خمَّارة، فهذا ما يُمليه مشايخ الفتنة على الشعوب، إن لم نقاتل فنحن مقصرين، وندخل في حياض موالاة الكافرين، وهذا هو الذي تقوم به الجماعات الإسلامية المُكفرة بمشايخها وأتباعها فيقول المكفرون بـ “فرض القتال وخلاص" "ومن يرفض القتال فهو كافر وخلاص" فهو يرفض الجهاد كله.. هكذا يُكفرون وهم لا يعلمون في الدين شيء.

الجهاد الأصغر (دفعٌ وطلب)

فتدّعي الأكثرية في إطار حث الناس على القتال (الجهاد الأصغر) أن ما نحن فيه من محنٍ وبلوى وانهزام إنما هو بسبب إغفال فريضة الجهاد، يقصدون بالطبع النوع الأصغر منه فحسب، أي القتال، حتى وإن لم يستلزم الأمر قتالًا، وحتى وإن لم تحصل الأنفس المسلمة على درجة روحانية تؤهلها لخوض مثل هذا العراك! ولكنهم رغم ذلك يحثون ويحرضون تحريضًا على ذلك بناء على الأمر الإلهي «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ» متغافلين (قصدًا) عن الفرق الشاسع بين الحال الروحاني للمؤمنين المقصودين في الآية، ومدى رسوخ اليقين وعلو درجات الروحانية والإيمان فيهم، وبين حال المسلمين اليوم! فكيف يحكمون!!؟

وبغض النظر عن أن ما يحضون عليه من جهاد عسكري في زمننا هذا يريدون به جهاد الدفاع عن مقدرات الإسلام، إلا أنهم يقصدون أيضًا حتى وإن لم يستلزم الأمر دفاعًا لوجب وجود طلبًا لذلك الجهاد العسكري أيضًا، وإلا فنحن متكاسلين ومتغافلين عن فرض من فروض الإسلام القويم ما يستدعي غضب الله علينا!

وبناء على ذلك، ورغم هذا التغافل المقصود لنوعي الجهاد الأكبر، يحرض المحرضون على خوض غمار المعارك. فإن لم تستدعِ الظروف وجودها، أوجدوها! إتمامًا لفهمهم لمعنى كلمة "جهاد الطلب" إذ يسقطونه فقط على طلب القتال، متجاهلين قوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ»[13] فكيف يُطلب ما هو مكروه! إن ما فيه كراهةً إنما يُفرض من الله، لذا يكون فيه الخير حينما يخوضه المؤمنين وإن كانوا له كارهين... ولكن تجد (علماء الزمان الأخير) يلقون جانبا وبإصرارٍ وبقصد مبرم طلب مجاهدة النفس والأهواء كجهادٍ أكبر، وطلب مجاهدة المخالفين بالوحي القرآني والعقل والدليل البرهاني كجهادٍ كبير، ويركزون فقط على القتال كمعنى واحد ووحيد للجهاد ولا حول ولا قوة إلى بالله.

إن الجهاد هو دفاع النفس عما يؤذيها (كمقاومة الأهواء والشيطان) ويجعل مصيرها في خطر محتوم ويكون بالتقوى والدعاء والقرآن)، ثم يكون منه الدفاع المسلح ضد من اعتدى عليَّ وعلى من آمن؛ شريطة أن أكون مسلحًا بالإيمان الحق وليس مجرد كلمة يلوكها اللسان.. فإذا انتهيت من صدِّ اعتداء عدو معتدٍ، عُدتُ طالبًا الجهاد الأول (مقاومة الأهواء والشيطان بالتقوى والدعاء والقرآن) ... وهكذا فكأن القتال المسلح (أي الجهاد الأصغر) هو ظرف طارئ، وحين يُفرض فهو يكون كمرحلة تُعلن بعد تمام إجازة الجهاد الأكبر وإعلان الجهاد الكبير، وحين يُنتهىَ منه فيكون سببًا في طلب الجهاد الدائم الحق أي الجهاد الأكبر، وحديث نبينا الهادي ﷺ حين قدم عليه قوم غزاة، هو دليل ذلك إذ قال: «قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر؟! قال: مجاهدة العبد هواه»[14]فهم ما خرجوا للقتال إلا بعد التأهل له بالجهاد الأكبر، ولما عادوا من القتال صار مطلوبًا منهم إعادة الشحن الروحي بالجهاد الأكبر أيضًا...

فإذا اتفقنا على كون جهاد الطلب ليس عدوانًا بأي حال، تطرقنا إلى خلط بعض العلماء بين جهاد الدفع وجهاد الطلب، فيقول أحدهم[15] ويعدد أنواع ما سماه بجهاد الطلب المشروعة في أربعة أنواع وهي: (1) تأمين الدعوة، ومنع الفتنة في الدين، ومقاومة الذين يمنعون الدعوة بالقوة، (2) تأمين سلامة الدولة الإسلامية وسلامة حدودها، (3) إنقاذ المُستضعفين من أسارى المسلمين أو من أقلياتهم التي تعاني التضييق والاضطهاد والتعذيب، (4) إخلاء جزيرة العرب من المشرك المحارب.

وكما نلاحظ أن كل هذه الأنواع إنما هي قتال دفاعي محض، فإنما الطلب يكون دون داعٍ خارجي له، فإن وجد الداعِ الخارجي أصبح القتال دفاعيًا.

كيف نعرف إن كان القتال جهادًا في سبيل الله أم لا؟

ولنعلم أنه إن لم ينتصر المسلمون في قتال خاضوه أيًا كان سببه، فإن ما أطلقوا عليه جهادًا، لم يكن في سبيل الله حتما؛ بل شابته شائبة من شوائب الدنيا. ألم يقل الله عز وجل «فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»[16] فإن الأمر بالنسبة للمؤمنين إنما يكون محصورًا بين موضوعين لا ثالث لهما "النصر أو الشهادة" فلا يرى مؤمنًا انتكاسًا أو هزيمة؛ كما أن الله عز وجل الذي نهانا بعدم إلقاء أنفسنا إلى التهلكة لم يأمرنا بالقتال تغريرًا بنا حاشاه سبحانه، بل إنما يكون أمره وإذنه بالقتال حين يرى فينا ما يؤهلنا إلى النصر. أما ما دون الوصول إلى النصر بالقتال فذلك يستدعي جهادًا نفسيًا ومعنويًا في سبيل الله لمعالجته كي يتأهل المسلمين ليكونوا مؤمنين مستعدين لخوض القتال فينالوا النصر[17] فليُعلم إذن أن من قُتل في معركة لم ينتصر فيها من عاش، لم يكن موته في سبيل الله حقًا، وتبقى نيته بينه وبين الله إما يُعذبه وإما يغفر ويعفو ويقبله.

يقول فضيلة الشيخ الشعراوي: «وقد عرفنا أن المؤمنين حين يدخلون في معركة مع غيرهم يستطيعون أن يحددوا مركزهم الإيماني من غاية المعركة. فإن انتهت المعركة بنصرهم وغلبتهم علموا أنهم من جنود الله، وإن هُزموا وغُلبوا فليراجعوا أنفسهم؛ لأن الله أطلقها قضية إيمانية في كتابه الذي حفظه فقال: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} فإن لم نغلب فلننظر في نفوسنا: ما الذي أخللنا به من واجب الجندية لله»[18] والمقصود بالإخلال من واجب الجندية لله هو كما وضحنا سلفًا أي إهمال اجتياز مشقة الجهاد الأكبر.

ولقد قيل في كلمات قوية تفيد في هذا الشأن كثيرًا من حكماء سابقين أقوالًا ماتعة لامعة، فمنهم من قال: "الانتقال من مكان إلى مكان لا يفيد في التوجه إلى الله، ولكن حيثما تكون يأتي الله إليك، إذا كانت غُرف نفسك مُهيأة لأن يسكن الله فيك. ولكن إذا كان إنسانك الداخلي حافلًا بالأفكار الشريرة، فإنك ستكون بعيدًا عن تقبل الله فيك بقدر ما يكونه الإنسان الذي لم يعترف بعدُ بالله"[19] فهذا هو عين التوجيه إلى تمام إعداد الجُندية الإيمانية الروحية حتى تصل النفس إلى يقين القول: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟»[20] لتكون مستعدة بعدها لخوض غمار ما يُفرض عليها من معارك قتالية موقنة فيها ببلوغ النصر الإلهي أو الشهادة العليا.

نموذج للحث على الجهاد الأكبر

ولقد أوجد الله من عنده نموذجًا فريدًا في هذا الزمان مبعوثًا[21] ليرجع المسلمين إلى سيرتهم الأولى أيام كانوا مؤمنين، فنهاهم عن الجهاد الأصغر (أي القتال) حتى يؤدوا ما عليهم من جهاد أكبر، ويتشربوا في أرواحهم الجهاد الكبير، وإلا فسعيهم لخوض الجهاد الأصغر يكون حتمًا فيما ليس في سبيل الله، وهكذا كان، إذ لما خالفوه فيما قد نهاهم عنه هزموا في كل موضع، فأنى يكون جهادهم في سبيل الله؟؟

فقالوا عنه افتراءً أنه نسخ الجهاد ضد المستعمر الإنجليزي في الهند، وما كان الإنجليز يستأهلون جهادًا آنذاك، بل كانوا يستحقون الشكر على ما وفروه من عدل افتقرت إليه الطوائف المسلمة في ظل وجود السيخ الخالصة المجرمون[22]، فما للذين يتهمون الصالحين جُزافًا لا يتبينون ولا ينصفون!؟ أفلا يتقون؟!


الهوامش والمراجع



[1] (العنْكبوت: 7)

[2] أورد فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه «فقه الجهاد» حول ذلك قائلًا: "الجهاد: اشتُهر بالاستعمال في القتال لنصرة الدين والدفاع عن حرمات الأمة ولكن سنتبين فيما بعد: أن الجهاد -كما جاء في القرآن والسنة- أوسع دائرة وأبعد مدى من القتال، وقد قسمه الإمام ابن القيم في (زاد المعاد) إلى ثلاث عشرة مرتبة. فهناك جهاد النفس والشيطان، وجهاد الفساد والظلم والمنكر في المجتمع، وجهاد المنافقين، وجهاد الدعوة والبيان، وجهاد الصبر والاحتمال، وما سميناه (الجهاد المدني)، وهناك جهاد الأعداء بالسيف. وسنتحدث بتفصيل عن هذه الأنواع في الباب الثاني من هذا الكتاب. وإن اختزل الكثيرون -للأسف- هذه الأنواع المختلفة للجهاد في القتال وحده. أما القتال فهو الشعبة الأخيرة من شُعب الجهاد، وهو القتال بالسيف، أي: استخدام السلاح في مواجهة الأعداء، وهو مفهوم كلمة (الجهاد) عند الكثيرين. هذا مع أنه مختلف في اشتقاقه وفي معناه اللغوي عن الجهاد" [يوسف القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، ج1، ص55، مكتبة وهبة ط3، س2009]

[3] (النحل: 111)

[4] (الفرقان: 53)

[5] يوسف القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، ج1، ص225: 229، مكتبة وهبة ط3، س2009

[6] (الواقعة: 78-80)

[7] (الأَعراف: 147)

[8] (الأَنْفال: 61)

[9] (البقرة: 196)

[10] يوسف القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة، ج1، ص146، مكتبة وهبة ط3، س2009 فيقول ما نصه: "ومما أخذته على بعض الباحثين من إخواني هؤلاء المخلصين: محاولتهم إزالة التفرقة بين (الجهاد) و(القتال). أعني أنهم يريدون أن يقولوا: إذا ذكر الجهاد، فليس له -إسلاميًا- إلا معنى واحد، هو القتال في سبيل الله. وهذا صحيح من ناحية العرف السائد، ولكنه -في رأيي وعند التحقيق- ضربٌ من التكلف والاعتساف لا ضرورة له، ولا مبرر له، وإن قيل: لا مشاحة في الاصطلاح.

ذلك: أن لفظ الجهاد) غير لفظ (القتال) لغة وشرعًا. فـ(الجهاد) لغةً: مصدر (جاهد يجاهد، جهادًا ومجاهدة) مشتق من (جهد يجهد جهدًا) أي ارتكب المشقة، أو احتمل المشقة، أو بذل الجهد.

بخلاف لفظة (القتال) فهي مصدر على وزن (فعال) من: قاتل يقاتل قتالا ومقاتلة، وهي مشتقة من كلمة قتل يقتل قتلًا، أي أزهق روح غيره"

[11] المرجع السابق ص147

[12] (البقرة: 191)

[13] (البقرة: 217)

[14] رواه الإمام البيهقي في "الزهد الكبير" والخطيب في "تاريخ بغداد"

[15] يوسف القرضاوي، فقه الجهاد دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة (مرجع سابق) ص259

[16] (النساء: 75)

[17] يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في هذه القضية ما نصه: "إذن فالذي يدخل القتال هو أمام أمرين اثنين: إما أن يُقتل من الأعداء، وإما أن ينتصر، وهذه هي القضية الجدلية التي تنشأ بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، والمقاتل من معسكر الإيمان يقول لمعسكر الكفر: أنا أقاتل لإحدى الحُسنيين: إما أن أقتل فأصبح شهيدًا آخذ حياة أفضل من هذه الحياة، وإما أن أنتصر عليك... إن المؤمن يثق بأنه فاز بكل شيء؛ فإن قُتل يذهب إلى الجنة وإلى حياة أفضل من حياتكم، وإما أن ينتصر، والحالتان على سواء من الخير" [تفسير الشعراوي، من تفسير آية 74 من سورة النساء، المجلد الرابع ص2412، طبعة أخبار اليوم]

[18] تفسير الشعراوي، من تفسير آية 286 من سورة البقرة، المجلد الثاني ص1250-1251، طبعة أخبار اليوم

[19] غريغوريوس النيصي (بتصرف)، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، المطران كريلس سليم بسترس – الأب حنا الفاخوري – الأب جوزيف العبسي البولسي، منشورات المكتبة البولسية، ط1، س2001، ص539

[20] (رِسَالَةُ بُولُسَ الرَّسُولِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ 8/ 31)

[21] حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، المسيح الموعود الإمام المهدي عليه السلام

[22] مقال (المسلمون والإنجليز في الهند) ...

 الموضوع على صفحة فيسبوك

ليست هناك تعليقات: