♦ لقد ضمَّن الله
تعالى نبأ بعثة حضرة المسيح الموعود عليه السلام في سورة الفاتحة بوضوح للمتدبرين،
حيث قال تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة]، وكما نعلم جميعًا، إلا مَن جهِل، أن سورة الفاتحة هي أساس
الصلاة وهي عبارة عن دعاء شامل كامل، قدمه الله لنا للتقرب إليه تعالى به، والتضرع
بنموذجه في حضرته دائمًا.
♦ فباختصار إذا كنا نؤمن بأن سورة الفاتحة هي دعاء وهبنا الله إياه لندعو به،
ثم وعدنا بالإجابة {ادعوني أستجب لكم} [غافر]، وقد أعطى الإجابة بعد قراءة سورة الفاتحة بالذات خصوصية
إذ قال الله تعالى في الحديث القدسي: «قسَمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي
ما سأل» [مسلم- الترمذي- النسائي- أبي داوود- ابن ماجة- أحمد- مالك]، فإذا كنا نسأل الله في كل صلاة أن يهدينا صراطًا مستقيمًا،
ونسمي هذا الصراط المستقيم بأنه {صراط الذين أنعمت عليهم}، قاصدين عين معنى
ما نقول، غير جاهلين، ولا مخدَّرين، ولا نقرأها قراءة الشاردين.. فإننا بذلك نريد حقًا
من وراء هذا الدعاء أن يُعطينا الله من كل ما أعطى في السابق عباده المؤمنين، وخاصة
من هم على قمة هرم الإيمان، أي الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، لقول رسولنا الكريم
ﷺ: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى
الجنة، أراه فوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة» [البخاري- الترمذي- أبي داوود- أحمد]، فلذلك علمنا الله هذا الدعاء ليكون بشارة للطالبين.
♦ فإذا لم يكن في هذه الأمة التي هي {خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران] ولو حتى واحد
اجتهد اجتهادًا حقًا في هذا الدعاء، لذهبت الخيرية المذكورة تلك مع أدراج الرياح، ولأصبح
القرآن العظيم عرضة للانتقاد لقوله ما لا يصلح للتطبيق والعياذ بالله... أما إذا كانت
في هذه الأمة بذرة الخير دائمة وباقية، والتي قد تُطمر، إلا أن الله كفيل بإظهارها
وإروائها وإنمائها كما وعد، حتى تصير شجرة وارفة الظلال، مصداقًا لهذا الوعد الإلهي
«ولعبدي ما سأل» ذاك السؤال الحار والصادق في دعاء {اهدنا الصراط المستقم*
صراط الذين أنعمت عليهم} فقد قضى الله أن يوفّي بوعده، لأن الكريم إذا وعد أوفى.
♦ وإذا كان الدعاء الحار وتضرع المنهار لا يكون إلا وقت مساس الحاجة، حتى إن
الدموع لتسقط من المحتاج لله رب العالمين الذي قال: {أمّن يُجيب المُضطر إذا دعاه
ويكشف السوء} [النمل] فلا بد أن يكون الله الكريم قد أوفى بوعده القديم ذاك بناء
على دعاءٍ صادق لواحد من عباده أو أكثر. ولا بد بناء على كل هذا أن يكون الله عز وجل
قد أرسل منه مبعوثًا ─يكون من وسط هؤلاء الداعين بصدق وإخلاص المتعبدين─ تحقيقًا لوعده في موعده الذي وافقه دعاء الداعين. ثم وبعد
تحقق الجزء الأول، أي استجابة الدعاء بالإنعام على الداعي وكشفه السوء به، يكون هناك
إنعامًا آخر من المُنعم الكريم وهو {ويجعلكم خلفاء الأرض} [النمل] وهذه هي الخلافة التي
لا بد أن تتبع أي نبوة تصديقًا لها، لقول رسول الله ﷺ: «ما كانت نبوة قط
إلا وتبعتها خلافة» [تاريخ البخاري] وهذا ما حدث مع كل الأنبياء، وكذلك مع نبينا محمد المصطفى
ﷺ بالخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الله عليهم؛ وما هو متحقق الآن
بعد وفاة حضرة مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام، المسيح الموعود والإمام المهدي
الذي بشَّر بقدومه نبينا الهادي محمد ﷺ وأخبر أن ستتبعه خلافة على منهاج النبوة لتقيم قائمة الإسلام
كما كانت بعدما صارت مائلة.
♦ وبما أنه لا بد أن يكون تحقُق الوعد بناء على صدق الإيمان، وإيذانًا باختبارات
الإيمان لأولئك الداعين كذلك، فلا بد أن يكون واحد فقط من هؤلاء المُنعم عليهم من بين
أولئك الداعين مبعوثًا نبيًا، يصطفيه الله من ذلك الوسط النوراني والروحاني، بينما
يكون بقية المُنعم عليهم من أولئك الداعين من المؤمنين، الصديقين والشهداء والصالحين...
ولا ننسى أن كل هذا لا يحدث إلا بتمام دعاء {اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين
أنعمت عليهم} ومن أنكر ذلك فهو من غير المؤمنين حقًا، فضلًا أن يكون من المسلمين
أصلًا! فبذلك تتحقق طاعة الله ورسوله ﷺ، فلا معنى لترديدنا {اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت
عليهم} بلا طاعة تامة لله ولرسوله ومصطفاه ﷺ، فقد قال الله تعالى:
{ومن يُطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء
والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا} [النساء] فـ«مع» تدل على المعية، و«مِن» تدل على الاصطفائية،
فالمبعوث من الله مُصطفى، أي مُختار منه تعالى من وسط خير المؤمنين، وكذلك المؤمنين
به أيضًا مُصطفين وأخيار، اختارهم الله وميزهم من بين الناس، بناء على فطرتهم السليمة،
فكانوا من السعداء.
♦ فإذا كان الله قد وعدنا سلفًا بقدوم مسيحًا مهديًا يكون حكمًا وإمامًا مقسطًا
وعدلًا.. [مسند أحمد] ويكون من أمة
خير الورى ﷺ ومطيع صادق له ﷺ، أفلا يكون من المعقول تحقق الوعد فيه، خاصة مع تطلب الوقت استحقاق
نفاذ الوعد؟! فهو بذلك (أي هذا المبعوث الموعود) لم يظهر إلا من خلال هذا الدعاء {اهدنا
الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم} حصرًا، ولو لم يدعو به هذا الذي شرّفه
الله بهذا البعث الروحاني لأمة الإسلام، لما نال هذا الشرف ولا ارتقى إلى هذا المقام،
ولا كان... بل كان الله عز وجل قد اصطفى سواه ممن تميزوا حقًا في مناجاة الله به والبكاء
في حضرته من خلاله... ليقضي الله بذلك أمره الذي كان مفعولًا. فعلى الرافضين لهذا المبعوث
الرباني عليه السلام إذًا أن يأتوا بمن تحققت فيه تلك الشروط في ذاك الموعد المعهود،
فنقول لهم فليأتوا بسواه إن كانوا صادقين.
♦ الخلاصة: إنه لا معنى لترديدنا {اهدنا الصراط
المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم} مع عدم يقيننا بما سبق وذكرنا، أو اعتبارنا
أن هذا الدعاء له حد ما لا يتجاوزه! أي نتصور أن الله قد يُنعم علينا إنعامات كثيرة،
ولكن ليس إلى هذا الحد الذي ذكرته أعلاه!! فهذا والعياذ بالله سوء ظن به تعالى، وهو
الذي نبهنا وقال في الحديث القدسي عن نبينا محمد ﷺ: «أنا عند ظن عبدي
بي» [البخاري- مسلم- الترمذي- ابن ماجة- أحمد- الدارمي]، وإنه يجب أن نعي أن الله الذي بشّرنا بقدوم المسيح الموعود
إمامًا مهديًا وحكمًا عدلًا... لن يكون تحقق بشارته تلك إلا من خلال هذا الدعاء، ولن
تكون معرفة هذا المبعوث حق المعرفة إلا بالإخلاص في هذا الدعاء. وبتجاهل هذا الدعاء،
الذي هو السبب والنتيجة معًا، إذ هو الذي يستدر عطف الله علينا، وكذلك هو تحقق عين
نعمة الله فينا، سواء ببعث المبعوث المُنتظر أو بتوفيقنا للإيمان به، فكأن متجاهله
يضيع من يديه كافة خيوط كل شيء، ثم يقول مالي أرى فسادًا ليس له إصلاح؟!
:.:
والحمد لله رب العالمين