في هذا المقال نُسلط الضوء على واحدة من الحركات الإرهابية المسيحية
المُعاصرة، والتي تستخدم قوة السلاح باسم الدين لفرض معتقداتها من منطلق نصوص
دينية حثتها على ذلك بحسب زعمها.. ولكن تسليطنا الضوء على هذه النوعيات من الحركات
الإرهابية المسيحية ليس بغرض الهجوم أو المعايرة أو التشفي كما يفعل الأغيار من
غير المنصفين لا سمح الله، فذلك ليس سبيلًا للتقوى، بل إننا لا نهاجم أيًا من الأديان
مهما كانت معتقداتها، وإنما نعرض مثل هذه الأمور لنبين أن التطرف هو خلل طارئ تعاني
منه جميع الأديان على اختلافها. وهو يقع حين تنحرف طوائف هذه الأديان عن جادة الصواب. ليكون القول الشهير بأن "الإرهاب لا دين له" هو في محله
تمامًا في هذه الحال، وليعلم الذين يصِمون دينًا بعينه أنه هو بالذات منبع الإفساد
والإرهاب.. أن هذه النظرة إنما هي نظرة الأعور الذي يُدجّل، فيشوه الحق ويداري على
الباطل، ليفعل من خلاله الأفاعيل..
جيش
الرب "أبطال جرائم القتل المُقدس"
الاسم الرسمي والنطاق الجغرافي
علم التنظيم |
وينتشر تنظيم جيش الرب في دول أوغندا، جنوب السودان، الكونغو، وأفريقيا
الوسطى» وهناك تخوف دائم من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من أن يصل نطاق
عمليات جيش الرب إلى دولة جمهورية تشاد أيضًا لذا يتم إطلاق تحذيرات دائمة من إمكانية
لجوء جيش الرب إليها "مكتب الأمم المتحدة الإقليمي لوسط أفريقيا"
في بيان صادر في 2012 "إن الضغط الذي نمارسه الآن على جيش الرب يمكن أن يؤدي إلى
توغله في بلدان أخرى"
تاريخ النشأة والتأسيس
ظهر تنظيم جيش الرب في ثمانينيات القرن العشرين وتحديدًا في سنة 1987م
ويعود تاريخ أول
وجود له في السودان في سنة 1991 إذ تُعد من طليعة الدول التي وطئتها أقدام جيش
الرب بعد أوغندا بولاية شرق الاستوائية السودانية (جنوب السودان حاليًا)، لكن
التنظيم لم ينشئ قاعدة عمليات له هناك إلا في العام 1994، إذ بدأ الأهالي حينها يشعرون
بوجوده، متذكرين أول حالات قتل المدنيين التي وقعت في السنة نفسها وكذلك أول حالات
الاختطاف. يتذكر زعيم محلي بأن الناس في الأيام الأولى لم يربطوا بين المقاتلين المسلحين
الذين بدؤوا بالظهور والتنظيم الإرهابي [جيش الرب للمقاومة في السودان تاريخ ولمحات
"ماركيه شوميروس" المعهد العالي للدراسات الدولية، جنيف 2007 – الطبعة
الأولى] إذن فمنذ سنة 1994 اتخذ زعيم التنظيم
"كوني" من السودان قاعدة لانطلاق
عملياته، وذلك بعد التضييق عليه من قِبل الحكومة الأوغندية.
+ الزعامة الروحية وشُبهة المنهج
أليس أوما - لاكوينا |
ولكن تعتقد
"لاكوينا" أنها موكلة من الروح القدس أيضًا، للإطاحة بالحكومة الأوغندية،
فقالت أن تلك الروح خاطبتها وأمرتها أن تناضل هذا النظام الظالم. فبعد الإطاحة بالرئيس السابق لأوغندا الجنرال "تيتو أوكيلو"
والمنتمي إلى مجموعة أشولي العرقية في شمال البلاد قام الرئيس "يوري موسيفيني"
المنتمي إلى مجموعة عرقية أخرى واسمها "بايانكولي" بمواجهة هذه الحركة المتمردة
التي تتزعمها "لاكوينا" فتم القضاء على حركتها هذه «حركة الروح القدس»
في تلك المواجهة مع النظام الحكومي القائم أثناء تقدمها نحو العاصمة كمبالا 1987، وفرت لاكوينا إلى كينيا كلاجئة. فهل يكمن في معتقد لاكوينا أن الوحي
المزعوم لها من الله جاء مخالفًا لما قد دُوِّن في العهد الجديد من حب ورضا وتسامح
ولا عنصرية.. أم أنها اختارت تماثلًا فيما تلقت مع نصوص العهد القديم الحاثة على
عنصرية واضحة وأن السيد المسيح نفسه صرّح قائلًا: «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء.
ما جئت لأنقض بل لأكمل» (إنجيل
متى 5/ 17) والحق أن كثير من المسيحيين لديهم هذه النظرة والانتظار، ولكن لا
ننكر أن العض الآخر كذلك ينفر منها ويلتصق بتعليم الحب الذي أرساه المسيح مُصححًا
لما أفسده القوم بفهم مغلوط.
الزعامة الفعلية لتنظيم جيش الرب المسيحي
جوزيف كوني |
لقد خلَف "لاكوينا" في الزعامة قريبها (جوزيف كوني من
مواليد قرية أوديك شمال أوغندا سنة 1961) وقد ادعى في عام 1987
بأنه نبي شعب الأشولي فقاد حركة الروح القدس، ومن ثم قام بإنشاء حركة جيش الرب
المستمرة في عملياتها إلى الآن. وقد بدأ جوزيف كوني حياته العملية في شبابه دينيًا
كشمّاس (أي خادم) في الكنيسة الكاثوليكية، إلا أنه ترك ذلك التعليم الديني لاحقًا
واشتغل في أعمال التداوي الشعبي.
أهداف التنظيم هل هي مسيحية؟!
يسعى جيش الرب إلى هدف رئيسي معلن وهو الإطاحة بنظام الرئيس الأوغندي
يوري موسفيني، من أجل هدف أساسي هو إقامة نظام حكم ديني يتأسس على الكتاب المقدس/
العهد الجديد والوصايا العشر كما يزعم. وعلى الرغم من كون تعاليم الإنجيل –العهد الجديد من الكتاب المقدس–
جاءت لتصلح المفاسد التي طغت روحًا ونصًا على معظم نصوص العهد القديم وشعبه إلا أن
ذلك وللأسف لم يلق صدى في خاطر زعيم وقادة هذا التنطيم المسيحي المسلح. بل نراهم
نُكصوا على أعقابهم ورأوا أن سماحة الإنجيل لا تنفصل عن عنف العهد القديم بحال!
يقول زعيم تنظيم جيش الرب جوزيف كوني: "أنه على الرغم من أن العديد من
أعضاء جيش الرب للمقاومة مسيحيون متدينون، إلا أنهم لا ينتوون أن يكونوا أصوليين مسيحيين" بيان موقَّع عن جوزيف كوني
صدر في 1999 وذلك في محاولة
منه للرد على الرأي القائل
بأن جيش الرب للمقاومة هو حركة إرهابية ذات
دوافع دينية فحسب. وكأني هنا أرى أن زعيم هذا التنظيم يذم في فحوى الرسالة
المسيحية، يريد بذلك القول للناس والإعلام أننا إذا تغلبنا لن نحكم بتعليم المسيح،
بل نرهب ونخوف به فقط حتى نصل إلى غايتنا وهي الحكم ثم سنكون غير ذلك حينئذ! فكأنه
ينبذ حين يصل لمبتغاه حتى تلك هذه الأسس التي نادى بها لإنشاء تنظيمه (الوصايا
العشر) والتي منها «لا تقتل... لا تزن... لا تسرق... لا تشتهي مما لقريبك» ولكننا
وللعجب نرى كل تلك الموبقات المنهي عنها مُرتكبة بكل تبجح ووقاحة على أيد هذ
التظيم زعيمًا وقوادًا وجنود!
هذا وقد أفاد كوني
بنفسه قائلًا أنه "لا يمكنني القول بأننا نخوض حرباً نظيفة أو أن موسيفيني يخوض
حرباً قذرة، هذا يصعب قوله. لأن الحرب النظيفة يعلم بها الله وحده"! مقابلة أجرتها الباحثة "ماركيه شوميروس"
مع جوزيف كوني، ري – كوانغبا، 12 يونيو 2006 وقد تبنى كونى تفسيرًا معينًا للنصوص الدينية، وهو
بذلك يكون كغيره من المتطرفين يرفض أى شرح آخر يخالف فكره ومسعاه، بل إنه لجأ إلى تفسير
هذه النصوص بشكل يمكِّنه من قتل أفراد من جماعته بعد أن رأى أنهم تعاونوا مع الحكومة
ضده، كما يُشاع عن مقتل فنسنت أوتي الرجل الثاني في التنظيم تقرير عن هيئة الإذاعة
البريطانية بتاريخ 27 ديسمبر 2007 عن اختفاء أوتي.
وخلافًا لما قدمه السيد المسيح من تعاليم قال فيها: «سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا. ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين. من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده. سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على إخوتكم فقط، فأي فضل تصنعون؟ أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا؟ فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل» (إنجيل متى 5/ 38: 48)
فنسنت أوتي |
قال فنسنت أوتي
الرجل الثانى فى تنظيم جيش الرب –الذي أشيع أنه قُتل- فى مقابلة معه حينما سئل عن سبب
اختيار اسم جيش الرب فجاء رده: «أطلقنا هذا الاسم على الحركة؛ لأننا نقاتل فى سبيل
الله، فالله هو الذى يساعدنا فى الأدغال، وفى معاركنا.. نحن نقاتل من أجل الكتاب المقدس
وتطبيق الوصايا العشر... وذلك كما أسلفنا هو إما إيمان
جزافي بفقه الإبادة العنصرية المُستقاة من نصوص العهد القديم بغض النظر عن كل فساد
نهى عن ارتكابه، وإما بالتحايل على تعاليم حضرة المسيح الناصري السمحة والداعية
للسلام ونزعها عن روحها.
بعض جرائم هذا التنظيم المُسجلة
وبخلاف ما ورد من تعاليم نصية مقدسة نادى بها زعماء وقادة هذا التنظيم
في تأسيسه، فقد ارتُكبت جرائم وحشية يندى لها الجبين، فقط إذا سُمع خبرها، ناهيك
عن الحال إذا رُئيت.. فعداد قتلاهم على مدى السنين لا يحصره مقال
قام التنظيم بقتل أكثر من 100 ألف شخص في وسط إفريقيا خلال الأعوام الـ25
الأخيرة. هذا الإحصاء عن الأمم المتحدة في عام 2013،
وعداد المخطوفين على أيديهم لا يجيب عنه سؤال قام أعضاء التنظيم بخطف ما
بين 60 ألف و100 ألف طفل هذا غير التهجير
الجماعي والتشريد والتدريب على القتل الممنهج وممارسة العبودية والاستغلال الجنسي
والتشويه آن فينمان، المديرة التنفيذية لليونيسف، في تصريح لها بتاريخ 13 أغسطس
2009 ناهيك أيضًا عن النهب
والتخريب والاغتصاب والتجنيد القسري للأطفال والغارات المتزامنة على المدنيين
العزل وفوق كل هذا إبراز وحشيتهم المتعمدة والبشعة باستخدام الفؤوس والسكاكين والمعاول والعصي
والرماح في القتل تقرير المفوضية السامية
لحقوق الإنسان الخاص بالسودان 2009
وكمن يحتمى من الرمضاء بالنار فقد فرَّ أكثر من 15000 لاجئ من جمهورية
الكونغو الديمقراطية إلى جنوب السودان هربًا من هجمات جيش الرب الذي شن هجوما على شرق
الكونغو تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين 2009، فأين يذهبون!
هل من أمل لمواجهة ذلك الخطر؟!
البابا شنودة الثالث |
لذا فإن المواجهة الحكومية الواقعة ضد هذا التنظيم وما شابهه هي حق،
حفظًا لأمن البلاد والعباد، غير أنه يجب في كل الأحوال أن يتحلى آخذ الحق بالعدل
والحكمة في التصرف إذا ما وضع يده على عدوه ليقتص منه، ولا يترُك المجال للثوائر
النفسانية والانتقامية لديه لتحل محل الحكمة والفطنة في استقراء المستقبل وما يمكن
أن يكون في حال انتهاج أي من الطريقين؛ الانتقام طلبًا للثأر أو الحكمة سعيًا إلى
السلام.